فضل الآيات والسور [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونسأله جل وعلا أن يلهمنا رشدنا, وأن يجعلنا ممن يهتدي بهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله جل وعلا قد أنعم على هذه الأمة بنعم جليلة كثيرة، وأجل هذه النعم أن خصها الله سبحانه وتعالى بهذا الدين العظيم، وأرسل إليها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم, وأنزل الله جل وعلا عليه كتابه العظيم تبياناً لكل شيء، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] حفظه الله جل وعلا من الدخيل فيه من أيدي العابثين, من أن ينالوه بشيء من السوء والعبث، ولم يكن هذا لشيء من الكتب غير كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم.

وقد خص الله جل وعلا كتابه العظيم بجملة من الخصائص لم تكن لبقية الكتب المنزلة على سائر الأنبياء والمرسلين، وذلك فضل خص الله جل وعلا به هذه الأمة، فينبغي أن يولى هذا الكتاب العناية التامة، وأن يحُرص عليه الحرص الجليل.

ولو جئنا إلى ما ورد من الآيات والأحاديث والآثار في فضل القرآن فسنجد أنه أكثر من أن يحصى لوفرته وجلالة قدره والاتفاق على أصله عند سائر أهل الإسلام، وليس هو ما نريد الخوض فيه، وإنما نريد الخوض هنا في جملة من المسائل المهمة والقواعد التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها مما يتعلق بفضائل القرآن، نتكلم فيها على وجه التأصيل، ثم نورد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل آي القرآن وسوره.

وأما الكلام على فضل القرآن وسور القرآن على سبيل العموم, فإن هذا مما يطول ذكره, وإن كان هو أصل لهذا الذي نتكلم عنه، وهذا فرع لذلك الأصل، وذلك أنه ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل آي القرآن وسوره، على سبيل العموم هو منزل على سائر الآي وأفراده، وما جاء في آي القرآن وأفراده على سبيل التخصيص من بيان فضل ومثوبة خاصة فإنها لا تكون لغير هذا الموضع، وهي خصيصة خصه الله جل وعلا بها.

والله سبحانه وتعالى بين فضل كتابه العظيم، وجعله نعمةً ورحمةً لهذه الأمة، كما في قوله جل وعلا: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58] ، وقد جاء تفسير ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين وغيرهم أنه القرآن والإسلام.

ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا قد جعل لحامل القرآن من الترقي في المنازل ما لا يتوقف عند حد حتى ينتهي إلى آخر ما ضبطه في الدنيا من آي القرآن كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قارئ القرآن لا تمسه النار، كما روى الإمام أحمد ذلك من حديث عبد الله بن لهيعة عن مشرح عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما جعل القرآن في إهاب فتمسه النار ) . وجاء أيضاً من حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمراد به: القرآن في جوف الإنسان, وكأن جوف الإنسان إهاب من الجلد, روي تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين من السلف فقد روى أبو الفضل الرازي عليه رحمة الله عن يزيد أن الأصمعي سئل عن قوله: (في إهاب) فقال: في صدر الإنسان. وذلك أن القرآن يُحفظ كما هو معلوم، وجاء تأويل ذلك عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى من طريق غير واحد من أصحابه، ذكره البغوي في تفسيره وغيره.

وهذا محل اتفاق عند العلماء من جهة المعنى على خلاف عندهم في صحة هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن العلماء يتفقون على أن حافظ القرآن من أبعد الناس عن عذاب النار، وأن الله لو وضعه فيها -إذا لم يكن من أهل النفاق- فإنه جل وعلا يجعلها لا تؤذيه، وهذه خصيصة ليست لأحد إلا لحملة القرآن.

وفي هذا الخبر ضعف وقد روي من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن أعله غير واحد من العلماء.

إذا أردنا أن نتكلم على فضائل الآي والسور ينبغي أن نتكلم على جملة من المسائل, وأن نصدر ذلك بجملة من القواعد المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها في هذا الباب.

المراد بالفضائل في هذا الباب وبيان مصدر أخذها

الفضائل هي: جمع فضيلة, وهي الزيادة والنماء الذي يتحصل للإنسان سواء من بركة قراءته للقرآن أو ما يتحصله مما يزيد به على غيره ممن لم يتل القرآن أو لم يتل تلك المواضع التي دل الدليل على فضلها من زيادة حرز وتحصين، وكذلك الأجر الذي خصه الله جل وعلا بأمثال هذه المواضع.

وهذا يعلم منه أن ما نورده هنا من مسائل هي متعلقة بالأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزيادة التي تتحصل للإنسان مما لا يتحصل لغيره في هذا الباب، سواءً من قراءة سورة أو من قراءة آية.

أقوال العلماء في تفضيل بعض القرآن على بعض

القرآن كلام الله جل وعلا، وقد دلت الأدلة على فضله على وجه العموم. وأما فضل السور والآي على بعض السور والآي الأخرى, فإن هذا ثابت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, والأدلة من ظواهر القرآن تعضده، وهذا محل خلاف عند بعض العلماء، فمنهم من قال بجواز تفضيل بعض الآي والسور على بعضها، ومنهم من قال: إن القرآن على السواء.

وذكر بعض العلماء أن سبب هذا الخلاف إنما نشأ بعد المائتين, وذلك أنه لما ظهر القول بخلق القرآن ظهر من أهل العلم والديانة من ينفي ذلك القول، فلما استدل من قال بخلق القرآن قال: إنه قد ثبت في السنة تفاضل القرآن, ولا يتفاضل إلا المخلوق، ولو كان ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى, فإن صفات الله جل وعلا لا تتفاضل, وذلك أنها صفات لذات واحدة.

فرد العلماء ذلك, وجاء من بعضهم رد هذا التفاضل بقوله: إنه ليس المراد بذلك, وهذا مروي عن غير واحد من العلماء، ومن ذلك ما جاء في رواية يحيى بن يحيى أن الإمام مالكاً عليه رحمة الله قال: تفضيل بعض القرآن على بعض من الخطأ، وقال بهذا القول غير واحد من الفقهاء من المالكية كابن عبد البر وغيره، وقال به بعض المتكلمين كأبي الحسن الأشعري ، و الباقلاني وغيرهما، ونسب هذا القول إلى أكثر العلماء، وفي ذلك نظر.

بل إن بعض العلماء قد نسب هذا القول للندرة والقلة، وقال: إن تفاضل الآي والسور هو محل إجماع واتفاق السلف، وهذا هو الأظهر, أن السلف متفقون على أن الآي والسور تتفاضل، وذلك للأدلة الظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذهب إلى هذا أكثر العلماء, وهو قول السلف على الاتفاق. ولا يعلم عن أحد منهم أنه نفاه إلا ما جاء من عموم عن الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى بنفي التفاضل بين سور القرآن.

ولعل مراد الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى نفيه ذلك باعتبار المتكلم، وذلك أنا إذا فضلنا القرآن على اعتبارات، فإذا فضلنا سور القرآن على بعضها باعتبار المتكلم فإن المتكلم هو الله, والله جل وعلا واحد، فلا يقال حينئذ بالتفاضل في مثل هذا.

فجنس كلام الله جل وعلا من جهة ذاته واحد، وجعل الله جل وعلا له مجموع من الخصائص يشترك بعضها مع بعض، وخص الله جل وعلا بعضها ببعض من الخصائص مما ينفرد عن الآخر، والتفاضل باعتبار آخر يُحمل, وذلك بالنظر إلى اعتبارات متنوعة، ومن هذه الاعتبارات اعتبار المعاني، فإن المعاني تتباين، فما يتعلق بتوحيد الله سبحانه وتعالى بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته من جهة المعنى أولى بالعناية والنظر من غيرها، ولهذا يقال: إن هذه المعاني التي يذكر فيها ذلك هي أولى بالنظر، وعلى هذا يقال: إنها أفضل من غيرها مع الاشتراك في الفضل.

وهذا محل اتفاق عند أهل الإسلام، وبه نعلم أن الإنسان في أول دخوله للدين فإنه يجب عليه أن يتبصر بأمور توحيد الله سبحانه وتعالى، فلما كان كذلك كان يجب عليه عند ابتداء ذلك التعلم أن يبادر بتعلم آي العقائد، وهذا تفضيل لها عن غيرها بالبداءة.

كذلك أيضاً من جهة الأجر والثواب، والأجر والثواب مرده الدليل، وهذا نوع من الاعتبارات التي تتفاضل فيه الآي والسور.

فإذا قلنا: ليس للإنسان أن يفضل آيةً على آية أخرى، أو سورة على سورة أخرى إلا بدليل، فإذا دل الدليل على سورة فإنه دل على خصيصتها كتفضيل بعض الآي في الثواب على غيرها، كسورة الإخلاص والفاتحة والبقرة وآل عمران وغيرها من آي القرآن وسوره، فإن الدليل إذا دل على ذلك فهو محله التوقيف، وإذا دل إيقاعه على سورة بعينها أو آي بعينها، فإن هذا دليل على التخصيص وعدم اشتراك غيرها معها.

وهذا لا يمكن أن يقال بالاشتراك؛ لأن مرده الدليل، ولو كان ذلك ينسحب على سائر الآي والسور فإننا نقول بعدم الفائدة من تخصيص هذه الآية في الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا لا يمكن القول به عند أحد من أهل العلم والمعرفة.

ومن هذه الاعتبارات التي يشار إليها في مسألة التفاضل: مسألة الحرز والذي يحصل للإنسان بتخصيص آية على سبيل الدوام واللزوم في هذا مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخصيص بعض الآي والسور بالتكرار، فإذا جاء الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكرار سورة أو آية في موضع واحد في أزمنة متنوعة, وجاء ذلك في جملة من الأخبار فإن هذا دليل على التخصيص، والأصل في ذلك الاشتراك.

تفضيل السور والآيات بسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها في الصلوات

وينبغي أن يشار إلى جملة من المسائل عند الكلام في مسائل تفاضل الآي والسور أن يقال: إن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة بعض آي وسور القرآن في الصلوات وعدم قراءة السورة الأخرى, هل هذا دليل على تفضيل تلك السورة على غيرها أم هو تفضيل لتلك الأجزاء والأحزاب من القرآن على غيرها في مثل هذا الموضع؟

هذا محل خلاف عند العلماء، هل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة سورة بعينها في صلاة الفجر أو في صلاة العشاء فإنه يشرع ذلك وتقدم على غيرها؟

ذهب جماعة من العلماء إلى أن التفضيل لا يشمل ذات السورة, وإنما يشمل الأحزاب التي هي فيها، سواء كان ذلك من الطوال أو كان ذلك من المفصل من قصاره أو أوسطه، إلى ما هو معلوم من كلام العلماء في هذا الباب.

ومن العلماء من قال: إن هذا دليل على التفضيل، ولكن لا يقال بالتفضيل إلا إذا دل دليل على التكرار، إذا دل دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على تكرار آية أو سورة في صلاة بعينها، فإن هذا دليل على المشروعية, وتقدم على غيرها, ويكون هذا من أبواب الفضائل في مثل هذا العمل، وإلا فالأصل أنه لا يقال بتخصيص ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الصلاة لابد أن يقرأ، فإذا قرأ سورةً ولم يكررها, فهل هذا دليل على فضله على غيره؟

يقال: لا، حتى يتكرر ذلك, أو يقترن ذلك بقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو دوام فعل، حينئذ يقال بالسنية، ومال إلى هذا القول غير واحد من المحققين كابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى وغيره من الأئمة.

عليه يقال: إن ما جاء في مثل هذا فإنه لا يدخل في بابنا، وإنما ما جاء من غير ذلك مما اقترنت به القرائن, أو دلت الأدلة القولية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان فضل ومنزلة وخصيصة، فإنا نسوقه بإذن الله جل وعلا.

أهمية معرفة الأخبار الواردة في أبواب الفضائل

ومن القواعد والأصول المهمة: أن يتفقه طالب العلم فيما يتعلق بمسائل رواية الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبواب الفضائل، والثواب والعقاب، وما يتعلق بأبواب تفسير القرآن والسير والمغازي، فهل تروى الأحاديث ويعمل بها إذا كان فيها ضعف, والضعف يسير في هذه الأبواب؟

أولاً: لا بد من تحرير محل النزاع في هذه المسألة, يقال: إنه قد اتفق العلماء على أنه لا يروى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيف في أبواب الأحكام على سبيل الاحتجاج به، ويكون هذا الحديث ضعفه شديداً، أو ضعيفاً وهو أصل في بابه، ولا يعتمد على أصل آخر من الأصول العامة كمسائل الإجماع أو القياس أو عمل الصحابة وغيرها من القرائن التي تعضد بعض الأحاديث التي يطلق عليها الضعف.

فإن الحديث إذا كان ضعيفاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحتج به في الأحكام وهذا محل اتفاق عند العلماء ولا خلاف بينهم في ذلك إلا ما جاء في كلام بعض الفقهاء المتأخرين من أهل الرأي، فإن هذا القول لا يعتد به وهو قول شاذ.

وأما الحديث الضعيف يسير الضعف في فضائل الأعمال فإن جماهير العلماء وهو قول عامة النقاد أنه يحدث بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال إذا لم يكن الحديث شديد الضعف، بمعنى: أنه لم يكن فيه كذاباً، ولم يكن فيه متهماً، ولم يكن فيه مجهول العين، وكان المعنى مستقيماً.

وهذا الذي ذهب إليه عامة العلماء هو مروي عن سفيان الثوري و عبد الرحمن بن مهدي ، ومروي عن عبد الله بن المبارك ، والإمام أحمد ، و يحيى بن سعيد القطان ، وكذلك يحيى بن معين وغيرهم من الأئمة، والمنقول عن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى في ذلك كثير، فقد جاء عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه قال: إذا جاء الحلال والحرام تشددنا بالأسانيد، وإذا جاء الثواب والعقاب تساهلنا بالأسانيد.

وروي هذا عن عبد الرحمن بن مهدي كما رواه الحاكم و الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية، وجاء هذا أيضاً عن سفيان الثوري فإنه قال: لا تأخذوا في الحلال والحرام إلا عن الرءوس الثقات المعروفين، وأما ما كان من غير ذلك فلا بأس بالشيوخ، يعني: أن تأخذوا فيمن دونهم إذا كان ذلك في أبواب الثواب والعقاب.

وأما ما جاء عن بعض العلماء من التشديد في ذلك وما نسب لـيحيى بن معين كما نسبه ابن سيد الناس عليه رحمة الله، ففي هذه النسبة نظر، وذلك أن الأئمة عليهم رحمة الله في الرواية في أبواب فضائل الأعمال المروي عنهم في ذلك على أنواع، إما بالنص كما جاء عن عبد الرحمن بن مهدي و يحيى بن سعيد و سفيان الثوري والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة. وإما ما جاء بدلالة السياق, وذلك أنهم إذا تكلموا على بعض الرواة الذين فيهم ضعف فإنهم يقولون: لا بأس بالرواية عنه في فضائل الأعمال, أو بالرواية في الرقاق.

كما جاء عن يحيى بن معين أنه سئل عن في زياد البكائي فقال: لا بأس بالرواية عنه في المغازي، وكذلك عن موسى بن عبيدة أنه قال: لا بأس بالرواية عنه في الرقاق، يعني: فضائل الأعمال، وجاء هذا عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى في كلامه عن ابن إسحاق هل يكتب حديثه في المغازي؟

والمراد من هذا: أن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى حينما يتكلمون في الرواية عن بعض الرواة الذين فيهم ضعف يفرقون بين أبواب الحلال والحرام وبين فضائل الأعمال، ومعرفة فضائل الأعمال من المسائل المهمة, ففضائل الأعمال التي يقصدها العلماء بذلك أن يثبت أصلها بخبر مستقل من وجه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفضل جاء فيه على سبيل الاستقلال.

وبعض العلماء والعامة يظنون أن فضائل الأعمال هي العبادات التي دل أصلها على وجه العموم, ولو كان ذلك من غير تقييد زمان أو مكان دل أصلها في الشريعة في خبر صحيح، فإذا دل ثوابها ولو اقترن الثواب بزمان ومكان فإن هذا من أبواب فضائل الأعمال، وهذا فيه نظر، بل إن فضائل الأعمال التي يريدها العلماء في جواز التحديث في فضائل الأعمال عن بعض الضعفاء؛ يريدون بذلك أن الراوي إذا كان خفيف الضعف والضبط, وروى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تقييد بزمان أو مكان، فالتقييد بالزمان والمكان هو نوع من أنواع العبادة.

مثال ذلك: إذا قلنا: إن صلاة ركعتين جاء فضلها في الشريعة في أحاديث كثيرة من الصلاة من الليل والنهار من غير تقييد، أما التقييد فجاء في عبادات مخصوصة، فإذا جاء حديث ضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقييد ركعتين في باب من الأبواب وفي مكان من الأمكنة وزمان من الأزمنة ولم يدل هذا الزمان والمكان إلا في هذا الحديث، فيقال: إن هذا الحديث ليس من فضائل الأعمال، وإنما فضائل الأعمال أن يكون الحديث ثبت بزمانه ومكانه, أو إطلاقه في حديث مستقل, وليس في هذا الحديث زيادة إلا الأجر لبيان الثواب, فحينئذ يقال: لا حرج على الإنسان أن يحدث به.

وبه نعلم أن التحديث بالرواية عن الضعفاء في فضائل الآي وسور القرآن من غير تقييد بزمان ومكان أن هذا جائز إذا كان الحديث يسير الضعف وليس شديد الضعف.

وأما إذا كان فضائل الآي والسور مقيدة بزمان ومكان فإن هذا ليس من فضائل الأعمال, بل إنه من أحاديث الأحكام يشدد فيه باعتبار التقييد، ومسائل التقييد عبادة، وذلك أن الفضل إذا لم يقيد بزمان أو مكان نقول: إن أصله ثبت, وهذا الحديث دل على الأجر فقط، لم يقيده بزمان ولا مكان فينبغي أن يعرف هذا بقيده.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.