الأحاديث المعلة في الجنائز [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ففي هذا الدرس السادس من جمادى الآخرة من عام (1435هـ) نكمل شيئاً مما يتعلق بأبواب الجنائز من أبواب الصلاة في الأحاديث التي تكلم عليها العلماء بالإعلال، والتي عليها شيء من مدار الأحكام.

وأول هذه الأحاديث: هو حديث جابر بن عبد الله : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يزاد عليه، وأن يقعد عليه، وأن يكتب عليه ) .

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و أبو داود و النسائي من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحديث من جهة أصله ومتنه صحيح، ولكن فيه زيادة ضعيفة، وهذه الزيادة هي زيادة الكتابة على القبر.

علة حديث النهي عن الكتابة على القبر

وكذلك أيضاً فإن إسناده الذي جاءت به هذه الزيادة إسناد معلول، فهذا الحديث يرويه ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله وذكر فيه زيادة الكتابة عليه، وزيادة الكتابة على القبر جاءت في حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله، و سليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئاً، وأشهر وجه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في النهي عن الكتابة على القبر: هو هذا الحديث من حديث سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله تفرد بالرواية عن سليمان بن موسى ابن جريج ،و ابن جريج ثقة حافظ موصوف بالتدليس، و سليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله ، وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وما فيه من زيادة الكتابة على القبر، وأما أصل الحديث من أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقعد على القبر، وأن يجصص، وأن يبنى عليه، فهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح، وكذلك أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي و غيرهم، من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، ولكن لم يذكر الكتابة به، وعدم إخراج الإمام مسلم رحمه الله لهذه الزيادة في هذا الحديث أمارة على إعلالها، وذلك أن زيادة الكتابة جاءت من غير طريق سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله ، وإن كان طريق سليمان بن موسى هو أشهر الطرق، ولكن جاء من بعض الوجوه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ذكر الكتابة، واختلف في هذا الحديث على ابن جريج ، وأكثر الرواة لا يذكرون الكتابة في هذا الحديث.

رواه عن ابن جريج جماعة رواه أبو عوانة ، و حجاج بن محمد المصيصي ، و حفص بن غياث ، و عبد الرزاق بن همام كلهم يروونه عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ولا يذكرون الكتابة.

وقد أخرج هذا الحديث الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح من حديث حجاج بن محمد المصيصي ، ومن حديث عبد الرزاق عن ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة.

وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله من حديث حفص بن غياث عن ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة.

وقد جاءت هذه الزيادة عن ابن جريج من حديث ثلاثة من الرواة:

أولهم: من حديث حفص بن غياث عن ابن جريج عن جابر بن عبد الله، حفص بن غياث اختلف فيه في روايته لهذا الحديث عن ابن جريج ، وأكثر الرواة لا يذكرون زيادة الكتابة في حديث جابر بن عبد الله من حديث حفص بن غياث، وقد رواه عن حفص بن غياث جماعة من الثقات فرواه أبو بكر بن أبي شيبة ، و عثمان بن أبي شيبة ، و مسدد ، و يزيد بن هارون كلهم يروونه عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، ولا يذكرون الكتابة فيه.

وخالفهم في ذلك سلم بن جنادة بن سلم عند الحاكم في المستدرك عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وذكر حديث جابر وفيه قال: ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبر ).

ورواية سلم بن جنادة ، وإن كان ثقة لكنه يخطئ، وهي معلولة من وجوه ثلاثة:

أول هذه العلل: أن سلم بن جنادة قد تفرد بهذه الزيادة عن حفص بن غياث ، وهو في طبقة متأخرة، وتأخر الطبقة في التفرد عند العلماء إعلال، وكيف وهذه الطبقة من طبقة التدوين، لا من طبقة الحفظ والسماع، فرواية سلم بن جنادة هي في زمن التدوين، وهذه الطبقة طبقة سلم بن جنادة هي طبقة المصنفين من الأئمة عليهم رحمة الله تعالى من أصحاب المدونات، والزيادة إذا جاءت في حديث، وتفرد بها راوٍ في هذه الطبقة فهذا دليل على الرد.

كذلك فإن مثل هذه الزيادة الأولى ألا يتفرد بها سلم بن جنادة، فـسلم بن جنادة يخطئ في الحديث، وليس بالحافظ، وقد خالف كذلك جماعة من الثقات الكبار كـأبي بكر بن أبي شيبة و عثمان بن أبي شيبة ، وكذلك خالف مسدد وغيرهم في هذا الحديث عن حفص بن غياث فهم أوسط وأعرف الناس بحديث حفص وتفرده بهذه الرواية أعني سلماً أمارة على النكارة والرد.

ومن وجوه النكارة وجه رابع يضاف إلى هذه الثلاثة: أن هذه الزيادة لم يخرجها أصحاب الأصول، وإنما تفرد بها الحاكم في المستدرك، ومفاريد الحاكم من الأحاديث المسندة كاملة فضلاً عن زيادة يخالف بها غيره من أصحاب المصنفات لا يكاد يسلم منها شيء صحيح فضلاً عن زيادة أخرجها لم يخرجها أصحاب المدونات، وقد ذكرنا مراراً أن العلماء عليهم رحمة الله من أصحاب الحفظ والمدونات الأولى: أنهم إذا رووا حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام بأسانيد، ثم جاء في طبقة متأخرة عند بعض المصنفين زيادة في حديث من الأحاديث على تلك الأحاديث فهذا شبيه بالمنكر، فإما أن تكون النكارة من سلم بن جنادة ، وإما أن تكون من بعض النساخ خاصة أن رواية سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله رواية اشتهرت بالمدونات، فربما خلط بعضهم رواية سليمان بن موسى برواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، فوقع في ذلك خلط أدخل هذا المتن بذلك الإسناد.

وثمة قرينة تؤيد هذا الاحتمال، وإن كان لا يقطع به، وهذه القرينة: أن هذه الزيادة جاءت في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله من غير رواية حفص بن غياث مما يدل على أنها تتداول هذه الرواية في أفواه بعض الرواة، فربما سبق في المتن دمج الإسناد عليه، وذلك أن من الرواة من رواها عن ابن جريج وقد ذكرنا أن هناك ثلاثة من الرواة رووا هذه الزيادة عن ابن جريج أولهم حفص بن غياث وتقدمت الإشارة إلى هذا.

الثاني ممن روى هذه الرواية: أبو معاوية الضرير يروي هذه الزيادة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد على القبر، وأن يجصص، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه ).

فهذه الزيادة أيضاً رواها أبو معاوية الضرير، وأبو معاوية الضرير هو ثقة في الأعمش وحافظ لحديثه، لكنه يضطرب في غيره.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: ثقة في الأعمش يضطرب في حديث غيره لا يحفظه حفظاً جيداً، وقال هذا غيره من الأئمة، وروايته هنا عن ابن جريج ، وقد تفرد بهذه الرواية عن رواية الثقات من أصحاب ابن جريج على ما تقدم من الكبار: كـأبي عوانة ، و حجاج بن محمد ، و عبد الرزاق ، و حفص بن غياث في المشهور بالرواية عنه.

فهذه الرواية نقول: ليست من المحفوظ، رواية أبي معاوية الضرير عن ابن جريج .

الراوي الثالث الذي روى هذه الزيادة عن ابن جريج: هو محمد بن ربيعة وقد أخرج روايته الترمذي رحمه الله في كتابه السنن عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، ولكن الإسناد لا يصح إليه، فإنه يروي هذا الحديث عبد الرحمن بن الأسود ، و عبد الرحمن بن الأسود مجهول، ولا يفرح بهذا الوجه، ونقول: إنه وجه ضعيف، لا يصح من جهة الإسناد إلى ابن جريج .

وفي بعض المدونات في كتب السنة يذكر الإسناد عن ابن جريج ويخلط فيه الوجهان، فيقال: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله فيذكر المتن وفيه الكتابة على القبر، ولا يميز لفظ سليمان بن موسى ولفظ أبي الزبير، سليمان بن موسى الرواية عنه في ذلك واحدة أنها بذكر الكتابة تقدمت الإشارة إلى هذا.

وأما الرواية عن أبي الزبير فعامة الرواة الثقات على عدم ذكر الكتابة على القبر، ولكن في بعض المصنفات يدمج إسناد سليمان بن موسى وإسناد أبي الزبير عن جابر بن عبد الله فيقال: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى و أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ثم يقول: وأن يكتب عليه.

فيظن أن سليمان بن موسى و أبا الزبير يتابع بعضهما بعضاً على أصل الحديث، لكن لا على هذه الرواية، ويؤيد هذا: أن الأئمة عليهم رحمة الله في كتب المسانيد والمعاجم إذا رووا الحديث وفصلوه نجد أن رواية سليمان بن موسى فيها الكتابة، ورواية أبي الزبير ليس فيها كتابة إلا من وجه خطأ، ونقول: إن الخطأ المنقول في رواية أبي الزبير بذكر الكتابة له عدة احتمالات، ذكرنا من هذه الاحتمالات الخلط بين رواية سليمان بن موسى ورواية أبي الزبير.

ومنها: أن الوهم في هذا ربما يكون من النساخ، فيضيفون الزيادة في ذلك الإسناد، فيظن أن الحديث روي بهذا اللفظ من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله .

حكم الكتابة على القبر

وأما بالنسبة للكتابة على القبر فهل يقال بجوازها أم لا؟ والحديث في ذلك ضعيف.

نقول: أخرج أبو داود في كتابه السنن من حديث كثير بن زيد المزني عن المطلب أن رجلاً حدثه قال: ( لما دفن عثمان بن مظعون عليه رضوان الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحجارة، قال: فعجز من أمره النبي أن يحملها، قال: فذهب النبي عليه الصلاة والسلام فحملها، قال المطلب: فأخبرني من رآه، أنه رأى بياض إبطي النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة، فوضعها على قبر عثمان ، فقال: أعلم بها قبر أخي لأدفن عنده بعض أهله ).

وفي هذا معان منها: أن دفن الإنسان عند رجل فاضل من الأمور المستحبة.

ويؤخذ من هذا الأصل: أن الإنسان يحرص على أن تكون ميتته في بلد مسلم، أن يكون دفنه عند مسلمين، وإذا كان في بلد المسلمين أن يكون عند فاضلين.. وهكذا، ويؤيد هذا أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله سأل عائشة أن يدفن بجوار صاحبيه.

وفي هذا من المسائل: أن النبي عليه الصلاة والسلام علم القبر حتى يعلمه بعد ذلك، والكتابة علامة قد تكون كتابة بالحروف، أو رموز، أو يضع الإنسان رقماً واحداً اثنين سبعة أو نحو ذلك فهي علامة، إذاً: فالنهي الوارد في حديث جابر بقوله: ( وأن يكتب عليه ). ليس المراد بذلك الكتابة المقروءة، ولكن العلامة المفهومة كأن يضع الإنسان دائرة أو يضع الإنسان إكساً أو نحو ذلك فهذا كتابة.

وعلى هذا نقول: إن أصلها وارد، وأما الكتابة بالحروف المقروءة فهذا لم يكن في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ولا في زمن الصحابة.

وقد أخرج ابن عبد البر رحمه الله في ترجمة علي بن الحسين أن علي بن الحسين حفر في داره فوجد حجارة مكتوب عليها رملة بنت صخر وهي أم حبيبة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهذه كانت على قبرها، وهذا ظني، ولكن نقول: ما جاء في حديث المطلب كاف في جواز تعليم القبر، وأما ما ينهى عنه من الكتابة على القبر، فهو الكتابة إذا تضمنت تعظيماً كأن تكون الكتابة على رخام منصوب، أو على ألواح، فهي خرجت عن التعليم إلى التعظيم، فأنت تريد أن تعرف القبر وتميزه عن غيره لا أن تعظم القبر.

أما مجرد التعليم إذا كان هذا بالكتابة أن يوضع على حجارة علامة أو ينحت كتابة، أو يضع لوناً من الأصباغ، أو نحو ذلك، فهذا مما لا بأس به.

أما أن يكون ذلك على رخام منصوب أو على ألواح مرفوعة، فهذا ينهى عنه، لأجل تعظيم القبر لا لذات الكتابة، ولا أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبر، ولا عن أحدٍ من التابعين، وإنما جاء ذلك عن بعض الفقهاء من أتباع التابعين، وعلى هذا نقول: إن أصل الكتابة جائز ما لم يتضمن تعظيماً لصاحب القبر، أو تعظيماً لهذه البقعة؛ وذلك بنصبها أو على ألواح، أو نحو ذلك، فهذا ينهى عنه.

وعلى هذا نقول: إنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث في النهي عن الكتابة على القبر.

وكذلك أيضاً فإن إسناده الذي جاءت به هذه الزيادة إسناد معلول، فهذا الحديث يرويه ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله وذكر فيه زيادة الكتابة عليه، وزيادة الكتابة على القبر جاءت في حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله، و سليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئاً، وأشهر وجه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في النهي عن الكتابة على القبر: هو هذا الحديث من حديث سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله تفرد بالرواية عن سليمان بن موسى ابن جريج ،و ابن جريج ثقة حافظ موصوف بالتدليس، و سليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله ، وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وما فيه من زيادة الكتابة على القبر، وأما أصل الحديث من أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقعد على القبر، وأن يجصص، وأن يبنى عليه، فهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح، وكذلك أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي و غيرهم، من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، ولكن لم يذكر الكتابة به، وعدم إخراج الإمام مسلم رحمه الله لهذه الزيادة في هذا الحديث أمارة على إعلالها، وذلك أن زيادة الكتابة جاءت من غير طريق سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله ، وإن كان طريق سليمان بن موسى هو أشهر الطرق، ولكن جاء من بعض الوجوه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ذكر الكتابة، واختلف في هذا الحديث على ابن جريج ، وأكثر الرواة لا يذكرون الكتابة في هذا الحديث.

رواه عن ابن جريج جماعة رواه أبو عوانة ، و حجاج بن محمد المصيصي ، و حفص بن غياث ، و عبد الرزاق بن همام كلهم يروونه عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ولا يذكرون الكتابة.

وقد أخرج هذا الحديث الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح من حديث حجاج بن محمد المصيصي ، ومن حديث عبد الرزاق عن ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة.

وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله من حديث حفص بن غياث عن ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة.

وقد جاءت هذه الزيادة عن ابن جريج من حديث ثلاثة من الرواة:

أولهم: من حديث حفص بن غياث عن ابن جريج عن جابر بن عبد الله، حفص بن غياث اختلف فيه في روايته لهذا الحديث عن ابن جريج ، وأكثر الرواة لا يذكرون زيادة الكتابة في حديث جابر بن عبد الله من حديث حفص بن غياث، وقد رواه عن حفص بن غياث جماعة من الثقات فرواه أبو بكر بن أبي شيبة ، و عثمان بن أبي شيبة ، و مسدد ، و يزيد بن هارون كلهم يروونه عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، ولا يذكرون الكتابة فيه.

وخالفهم في ذلك سلم بن جنادة بن سلم عند الحاكم في المستدرك عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وذكر حديث جابر وفيه قال: ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبر ).

ورواية سلم بن جنادة ، وإن كان ثقة لكنه يخطئ، وهي معلولة من وجوه ثلاثة:

أول هذه العلل: أن سلم بن جنادة قد تفرد بهذه الزيادة عن حفص بن غياث ، وهو في طبقة متأخرة، وتأخر الطبقة في التفرد عند العلماء إعلال، وكيف وهذه الطبقة من طبقة التدوين، لا من طبقة الحفظ والسماع، فرواية سلم بن جنادة هي في زمن التدوين، وهذه الطبقة طبقة سلم بن جنادة هي طبقة المصنفين من الأئمة عليهم رحمة الله تعالى من أصحاب المدونات، والزيادة إذا جاءت في حديث، وتفرد بها راوٍ في هذه الطبقة فهذا دليل على الرد.

كذلك فإن مثل هذه الزيادة الأولى ألا يتفرد بها سلم بن جنادة، فـسلم بن جنادة يخطئ في الحديث، وليس بالحافظ، وقد خالف كذلك جماعة من الثقات الكبار كـأبي بكر بن أبي شيبة و عثمان بن أبي شيبة ، وكذلك خالف مسدد وغيرهم في هذا الحديث عن حفص بن غياث فهم أوسط وأعرف الناس بحديث حفص وتفرده بهذه الرواية أعني سلماً أمارة على النكارة والرد.

ومن وجوه النكارة وجه رابع يضاف إلى هذه الثلاثة: أن هذه الزيادة لم يخرجها أصحاب الأصول، وإنما تفرد بها الحاكم في المستدرك، ومفاريد الحاكم من الأحاديث المسندة كاملة فضلاً عن زيادة يخالف بها غيره من أصحاب المصنفات لا يكاد يسلم منها شيء صحيح فضلاً عن زيادة أخرجها لم يخرجها أصحاب المدونات، وقد ذكرنا مراراً أن العلماء عليهم رحمة الله من أصحاب الحفظ والمدونات الأولى: أنهم إذا رووا حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام بأسانيد، ثم جاء في طبقة متأخرة عند بعض المصنفين زيادة في حديث من الأحاديث على تلك الأحاديث فهذا شبيه بالمنكر، فإما أن تكون النكارة من سلم بن جنادة ، وإما أن تكون من بعض النساخ خاصة أن رواية سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله رواية اشتهرت بالمدونات، فربما خلط بعضهم رواية سليمان بن موسى برواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، فوقع في ذلك خلط أدخل هذا المتن بذلك الإسناد.

وثمة قرينة تؤيد هذا الاحتمال، وإن كان لا يقطع به، وهذه القرينة: أن هذه الزيادة جاءت في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله من غير رواية حفص بن غياث مما يدل على أنها تتداول هذه الرواية في أفواه بعض الرواة، فربما سبق في المتن دمج الإسناد عليه، وذلك أن من الرواة من رواها عن ابن جريج وقد ذكرنا أن هناك ثلاثة من الرواة رووا هذه الزيادة عن ابن جريج أولهم حفص بن غياث وتقدمت الإشارة إلى هذا.

الثاني ممن روى هذه الرواية: أبو معاوية الضرير يروي هذه الزيادة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد على القبر، وأن يجصص، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه ).

فهذه الزيادة أيضاً رواها أبو معاوية الضرير، وأبو معاوية الضرير هو ثقة في الأعمش وحافظ لحديثه، لكنه يضطرب في غيره.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: ثقة في الأعمش يضطرب في حديث غيره لا يحفظه حفظاً جيداً، وقال هذا غيره من الأئمة، وروايته هنا عن ابن جريج ، وقد تفرد بهذه الرواية عن رواية الثقات من أصحاب ابن جريج على ما تقدم من الكبار: كـأبي عوانة ، و حجاج بن محمد ، و عبد الرزاق ، و حفص بن غياث في المشهور بالرواية عنه.

فهذه الرواية نقول: ليست من المحفوظ، رواية أبي معاوية الضرير عن ابن جريج .

الراوي الثالث الذي روى هذه الزيادة عن ابن جريج: هو محمد بن ربيعة وقد أخرج روايته الترمذي رحمه الله في كتابه السنن عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، ولكن الإسناد لا يصح إليه، فإنه يروي هذا الحديث عبد الرحمن بن الأسود ، و عبد الرحمن بن الأسود مجهول، ولا يفرح بهذا الوجه، ونقول: إنه وجه ضعيف، لا يصح من جهة الإسناد إلى ابن جريج .

وفي بعض المدونات في كتب السنة يذكر الإسناد عن ابن جريج ويخلط فيه الوجهان، فيقال: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله فيذكر المتن وفيه الكتابة على القبر، ولا يميز لفظ سليمان بن موسى ولفظ أبي الزبير، سليمان بن موسى الرواية عنه في ذلك واحدة أنها بذكر الكتابة تقدمت الإشارة إلى هذا.

وأما الرواية عن أبي الزبير فعامة الرواة الثقات على عدم ذكر الكتابة على القبر، ولكن في بعض المصنفات يدمج إسناد سليمان بن موسى وإسناد أبي الزبير عن جابر بن عبد الله فيقال: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى و أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ثم يقول: وأن يكتب عليه.

فيظن أن سليمان بن موسى و أبا الزبير يتابع بعضهما بعضاً على أصل الحديث، لكن لا على هذه الرواية، ويؤيد هذا: أن الأئمة عليهم رحمة الله في كتب المسانيد والمعاجم إذا رووا الحديث وفصلوه نجد أن رواية سليمان بن موسى فيها الكتابة، ورواية أبي الزبير ليس فيها كتابة إلا من وجه خطأ، ونقول: إن الخطأ المنقول في رواية أبي الزبير بذكر الكتابة له عدة احتمالات، ذكرنا من هذه الاحتمالات الخلط بين رواية سليمان بن موسى ورواية أبي الزبير.

ومنها: أن الوهم في هذا ربما يكون من النساخ، فيضيفون الزيادة في ذلك الإسناد، فيظن أن الحديث روي بهذا اللفظ من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله .

وأما بالنسبة للكتابة على القبر فهل يقال بجوازها أم لا؟ والحديث في ذلك ضعيف.

نقول: أخرج أبو داود في كتابه السنن من حديث كثير بن زيد المزني عن المطلب أن رجلاً حدثه قال: ( لما دفن عثمان بن مظعون عليه رضوان الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحجارة، قال: فعجز من أمره النبي أن يحملها، قال: فذهب النبي عليه الصلاة والسلام فحملها، قال المطلب: فأخبرني من رآه، أنه رأى بياض إبطي النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة، فوضعها على قبر عثمان ، فقال: أعلم بها قبر أخي لأدفن عنده بعض أهله ).

وفي هذا معان منها: أن دفن الإنسان عند رجل فاضل من الأمور المستحبة.

ويؤخذ من هذا الأصل: أن الإنسان يحرص على أن تكون ميتته في بلد مسلم، أن يكون دفنه عند مسلمين، وإذا كان في بلد المسلمين أن يكون عند فاضلين.. وهكذا، ويؤيد هذا أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله سأل عائشة أن يدفن بجوار صاحبيه.

وفي هذا من المسائل: أن النبي عليه الصلاة والسلام علم القبر حتى يعلمه بعد ذلك، والكتابة علامة قد تكون كتابة بالحروف، أو رموز، أو يضع الإنسان رقماً واحداً اثنين سبعة أو نحو ذلك فهي علامة، إذاً: فالنهي الوارد في حديث جابر بقوله: ( وأن يكتب عليه ). ليس المراد بذلك الكتابة المقروءة، ولكن العلامة المفهومة كأن يضع الإنسان دائرة أو يضع الإنسان إكساً أو نحو ذلك فهذا كتابة.

وعلى هذا نقول: إن أصلها وارد، وأما الكتابة بالحروف المقروءة فهذا لم يكن في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ولا في زمن الصحابة.

وقد أخرج ابن عبد البر رحمه الله في ترجمة علي بن الحسين أن علي بن الحسين حفر في داره فوجد حجارة مكتوب عليها رملة بنت صخر وهي أم حبيبة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهذه كانت على قبرها، وهذا ظني، ولكن نقول: ما جاء في حديث المطلب كاف في جواز تعليم القبر، وأما ما ينهى عنه من الكتابة على القبر، فهو الكتابة إذا تضمنت تعظيماً كأن تكون الكتابة على رخام منصوب، أو على ألواح، فهي خرجت عن التعليم إلى التعظيم، فأنت تريد أن تعرف القبر وتميزه عن غيره لا أن تعظم القبر.

أما مجرد التعليم إذا كان هذا بالكتابة أن يوضع على حجارة علامة أو ينحت كتابة، أو يضع لوناً من الأصباغ، أو نحو ذلك، فهذا مما لا بأس به.

أما أن يكون ذلك على رخام منصوب أو على ألواح مرفوعة، فهذا ينهى عنه، لأجل تعظيم القبر لا لذات الكتابة، ولا أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبر، ولا عن أحدٍ من التابعين، وإنما جاء ذلك عن بعض الفقهاء من أتباع التابعين، وعلى هذا نقول: إن أصل الكتابة جائز ما لم يتضمن تعظيماً لصاحب القبر، أو تعظيماً لهذه البقعة؛ وذلك بنصبها أو على ألواح، أو نحو ذلك، فهذا ينهى عنه.

وعلى هذا نقول: إنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث في النهي عن الكتابة على القبر.