Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

صحيح البخاري


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

قال الإمام البخاري رحمه الله:

باب (من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل)

حدثنا محمد بن سنام قال: حدثنا فليح ح وحدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: (بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله! قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

وهذا الحديث رواه الإمام البخاري أيضاً في كتاب الرقاق من حديث محمد بن سنام عن فليح بن سليمان .

اللطائف الحديثية في سند الحديث

الإمام البخاري رحمه الله روى هذا الحديث عن شيخين له:

الشيخ الأول هو محمد بن سنام .

والشيخ الآخر هو إبراهيم بن المنذر .

لكن بين رواية الشيخين فرق: الفرق الأول: أن رواية محمد بن سنام عالية، ورواية إبراهيم بن المنذر نازلة، وأشرف أنواع العلو أن يقل عدد الوسائط بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: الإسناد فيه عال ونازل، العالي أنك تصعد إلى فوق، ولنفترض أن هذا القلم إسناد، فهذا طرفه الأول، وهذا طرفه الآخر، هنا الإمام البخاري في هذا الطرف، والطرف المقابل صحابي، فالإمام البخاري عندما يقول: حدثني محمد بن سنام ، هنا الإمام البخاري الطرف الأسفل، وهنا في العلو الصحابي على أساس أن الزمان نازل، فالإمام البخاري متأخر، والصحابي هو أعلى طبقة في السند، وينقسم هذا السند إلى فترات زمنية تسمى طبقات، ولنتخيل أن هنا -مثلاً- طبقة، وهنا طبقة، وهنا طبقة، وهنا طبقة، فالإمام البخاري عندما يقول: حدثنا محمد بن سنام ، حدثنا فليح بن سليمان ، وبعد ذلك هلال بن علي ثم عطاء بن يسار ، ثم أبو هريرة ، فهذا اسمه علو كلما صعد إلى فوق.

السند الأول عندنا فيه محمد بن سنام ، ثم فليح بن سليمان ، وبعده هلال بن علي ، وبعد ذلك عطاء بن يسار ، وبعد ذلك أبو هريرة .. إذاً: بين الإمام البخاري وبين النبي عليه الصلاة والسلام في السند الأول خمسة رجال.

السند الثاني: قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة .. بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستة.

فيبقى السند الأول أعلى من السند الثاني؛ لأن البخاري نزل فيه درجة، فأشرف أنواع العلو.. أن يقل عدد الوسائط بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما اقتربت من الضوء ومن المصباح كان أفضل، وكان المحدثون يسعون إلى تحصيل هذا النوع من العلو مهما كلفهم من الجهد والمال.

قيل لـيحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالٍ، وإسناد عالٍ، فالإسناد العالي مطمح للمحدثين؛ لأنه يقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانوا يرحلون الفراسخ البعيدة لتحصيل السند العالي، لكن علو الإسناد مشروط بصحته، وإلا فالإسناد الصحيح النازل خير من الإسناد العالي الضعيف، والعلماء أحياناً كانوا يتجاوزون عن هذا الشرط في الأحاديث العالية من باب الإغراب الذي كانوا يعدونه للمذاكرة.

فالمحدثون كان لهم مذاكرات يأتون فيها بكل غريب وعجيب ومنكر، لأجل أن يغرب بعضهم على بعض، وليس المقصود أن يحتجوا بالحديث في إثبات حكم شرعي، لا. فهذه الأسانيد الغريبة العالية من منح العلم، ما كانوا يحتجون بها في دين الله عز وجل ولا يأخذون منها الأحكام ولا الآداب، إنما كانوا يدللون على حفظهم وعلى رحلتهم وعلى سعة علمهم بمثل هذا النوع من العلم.

الإمام البخاري رحمه الله أورد هذا الحديث في كتاب الرقاق بالسند العالي، وسنبين لماذا نزل الإمام البخاري في السند الآخر.

قال: حدثنا محمد بن سنام قال: حدثنا فليح -ثم ذكر حرف الحاء، وهذا الحرف مأخوذ من كلمة (تحويل) فهو فن ابتكره المحدثون يساوي الاختزال في العصر الحديث- وحتى أبين لك كيف اختصر الإمام البخاري السند، أسرده لك بكامله:

قال: حدثنا محمد بن سنام قال: حدثنا فليح بن سليمان قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: .. ويسوق المتن كله، وبعد ذلك يبتدئ من جديد فيقول: وحدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. فحتى يعفي نفسه من هذه الإعادة.. يذكر السند الأول بالمتن، أو يذكر السند الأول كله، وبعد ذلك يذكر السند الثاني بالمتن، وهذا للاختصار، والاختصار في التحويل يبدأ من عند الراوي المشترك في السند.

فالإمام البخاري اختصر فقال: حدثنا محمد بن سنام حدثنا فليح وحدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه. يعني: عن فليح .. فالراوي المشترك فليح ، ولو وضع حرف الحاء في موضع آخر غير هذا الموضع لكان غلطاً. إذاً: أنا لو أريد أن أختصر اختصاراً آخر، سأقول: قال البخاري : حدثنا محمد بن سنام وبعد ذلك أكتب (ح) وبعد ذلك أقول: حدثني محمد بن إبراهيم بن المنذر قال: حدثني محمد بن فليح كلاهما عن فليح قال: حدثني هلال بن أبي ميمونة .

والإمام البخاري نادراً ما يحول، والإمام مسلم أكثر منه تحويلاً، والسبب أن الإمام مسلم رحمه الله يكثر من ذكر الأسانيد للحديث الواحد بخلاف البخاري ، فأول حديث في صحيح مسلم ذكر له أسانيد كثيرة، فمع كثرة الأسانيد يحتاج إلى حرف التحويل، والأسانيد المكررة عند الإمام البخاري قليلة، ليست كما هي عند الإمام مسلم رحمه الله، وهلال بن علي هذا هو هلال بن أبي ميمونة وهو هلال بن أبي هلال ، كل هذه الأسماء الثلاثة إنما هي لرجل واحد.

مداخلة: فائدة تحويل سند الحديث؟

الجواب: الله أعلم. مسألة التحويل هذه مسألة فن، الإمام البخاري لم ير حاجة إلى ذلك، لكن أنت لو حولت من بعد محمد بن سنام جاز لك ذلك.. وربما الإمام البخاري لم يحول، لأنه لو حول بعد محمد بن سنام سيكون التحويل قيمته قليلة فهو راوٍ واحد فقط، لأنه إنما نحول إذا كثر عدد الشيوخ فخشينا الالتباس، فهو لو حول من بعد محمد بن سنام يبقى التحويل ليس له تلك القيمة.

مداخلة: هل هناك فرق بين أدوات التحل؟

الجواب: بالنسبة لأدوات التحمل: (حدثنا) و(حدثني)، فالعلماء يقولون: إن (حدثنا) تكون من لفظ الشيخ، وذلك إذا قرأ الحديث بنفسه تبقى أنت كمستمع تقول: (حدثنا)، وإذا قرأه رجل على الشيخ وهو يسمع ويقر تقول أنت: أخبرني، لكن هذا مجرد اصطلاح، وقد اتفق العلماء على أنه لا فرق بين (حدثنا) و(أنبأنا) و(أخبرنا)، فكلها بمعنىً واحد.

ولفظ (حدثنا) بالجمع إذا الشيخ هو الذي قرأ وسمع أكثر من واحد، أما إذا الشيخ حدث رجلاً على انفراده فيقول: حدثني، هذا هو المشهور عند جماهير العلماء.

ولا فرق عند العلماء ما بين أن يقرأ الشيخ من لفظه، أو أن يُقرأ على الشيخ وهو يسمع، فالقراءة على الشيخ وهو يسمع تُسمى عرضاً، أي: أن التلميذ عرض على الشيخ حديثه فأقره، وحصل خلاف ما بين أهل العراق وأهل المدينة في مسألة العرض والسماع، فكان أهل المدينة يرون أن العرض مثل السماع، وكان أهل العراق يقولون: لا. بل ما كان من لفظ الشيخ يكون أرفع من العرض، فالإمام مالك رحمه الله رد عملياً على أهل العراق بأنه لا يقرأ الموطأ على أحد، إنما يقرأ عليه وهو يسمع؛ ولذلك حديث مالك في صحيح مسلم كله عرض، ما جاء من طريق يحيى بن يحيى عن مالك في صحيح مسلم كله عرض، يقول مسلم : حدثني يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك ، هكذا في صحيح مسلم، يعني: أنه أخذ الحديث عرضاً.

وقال إبراهيم بن سعد وهو أحد أئمة المدينة: يا أهل العراق! لا تدعون تنطعكم! العرض مثل السماع. وبالغ بعض أهل المدينة وقال: بل العرض أقوى من السماع، لكن العرض كالسماع وإن كان احتمال دخول الوهم في العرض أقوى من دخوله في التحديث المباشر، لأن الشيخ قد يسهو والتلميذ يقرأ عليه، وتدركه سنة أو نحو ذلك فلا ينتبه، فلا شك أن التحديث يمتاز عن العرض بمثل هذا، لكن المشهور والمعروف عند جماهير العلماء أن العرض والسماع كلاهما صيغة واحدة.

مداخلة: هل الكتابة مع الإجازة أقوى من السماع؟

الجواب: لا. هذا خطأ بل التحديث أرفع أدوات التحمل، وهو أن يصرح الشيخ بلفظ التحديث، ربما يقول لك: الكتابة أحد أدوات التحمل، والإجازة أحد أدوات التحمل، فإذا اجتمعا هذا مع ذاك يبقى كأنه نور على نور، لا. أقوى صيغ التحمل (حدثني) و(حدثنا) و(أنبأني) و(أنبأنا) و(أخبرني) و(أخبرنا)، وثم (قال لي)، فهي ملتحقة بحدثنا وحدثني، ولفظة (قال لي) أكثر من يستخدمها الإمام البخاري ، يعني: لم أقف لأحد من الأئمة الستة على استخدام هذه العبارة إلا عند الإمام البخاري ذكرها في الصحيح قليلاً، لكنه أكثر منها في كتاب التاريخ الكبير. وأحياناً يروي في التاريخ الكبير حديثاً يقول فيه: قال لي مثلاً قتيبة بن سعيد ، ويكون روى هذا الحديث بعينه عن قتيبة في الصحيح لكنه قال: حدثني قتيبة ، فالعلماء قالوا: إن لفظة (قال لي) عند الإمام البخاري هي بمنزلة: (حدثني)، أو (أنبأني) أو (أخبرني).

والطحاوي له رسالة اسمها: التسوية بين حدثنا وأخبرنا، يرد فيها على من يفرق بينهما ويقول: إن أخبرنا للعرض وحدثنا للقراءة.

وأيضاً من أدوات التحمل (عن) وهي من أدوات التحمل التي تحتمل الانقطاع والاتصال، فأنت لو قلت الآن: عن ابن تيمية أنه قال.. أي شخص ممكن يكذبك. وأنا لو قلت الآن: عن ابن تيمية أنه قال .. هل يمكن لأحد أن يقول: كيف رويت عن ابن تيمية ولم تسمع منه؟ لا. فبيني وبين ابن تيمية قرون، ومع ذلك قلت: عن ابن تيمية فتبقى لفظة (عن) صيغة من صيغ الانقطاع لكن فيها نوع اتصال.

لذلك قال العلماء: إن المدلس لا يقبل منه ما عنعنه؛ لأن (عن) في الأصل صيغة انقطاع، والمدلس أصلاً إنما ينفذ إلى غرضه من هذه الكلمة، لكن تقبل العنعنة من الراوي العدل الذي لم يدلس مع المعاصرة البينة عن شيخه.

الإمام البخاري رحمه الله روى هذا الحديث عن شيخين له:

الشيخ الأول هو محمد بن سنام .

والشيخ الآخر هو إبراهيم بن المنذر .

لكن بين رواية الشيخين فرق: الفرق الأول: أن رواية محمد بن سنام عالية، ورواية إبراهيم بن المنذر نازلة، وأشرف أنواع العلو أن يقل عدد الوسائط بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: الإسناد فيه عال ونازل، العالي أنك تصعد إلى فوق، ولنفترض أن هذا القلم إسناد، فهذا طرفه الأول، وهذا طرفه الآخر، هنا الإمام البخاري في هذا الطرف، والطرف المقابل صحابي، فالإمام البخاري عندما يقول: حدثني محمد بن سنام ، هنا الإمام البخاري الطرف الأسفل، وهنا في العلو الصحابي على أساس أن الزمان نازل، فالإمام البخاري متأخر، والصحابي هو أعلى طبقة في السند، وينقسم هذا السند إلى فترات زمنية تسمى طبقات، ولنتخيل أن هنا -مثلاً- طبقة، وهنا طبقة، وهنا طبقة، وهنا طبقة، فالإمام البخاري عندما يقول: حدثنا محمد بن سنام ، حدثنا فليح بن سليمان ، وبعد ذلك هلال بن علي ثم عطاء بن يسار ، ثم أبو هريرة ، فهذا اسمه علو كلما صعد إلى فوق.

السند الأول عندنا فيه محمد بن سنام ، ثم فليح بن سليمان ، وبعده هلال بن علي ، وبعد ذلك عطاء بن يسار ، وبعد ذلك أبو هريرة .. إذاً: بين الإمام البخاري وبين النبي عليه الصلاة والسلام في السند الأول خمسة رجال.

السند الثاني: قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة .. بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستة.

فيبقى السند الأول أعلى من السند الثاني؛ لأن البخاري نزل فيه درجة، فأشرف أنواع العلو.. أن يقل عدد الوسائط بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما اقتربت من الضوء ومن المصباح كان أفضل، وكان المحدثون يسعون إلى تحصيل هذا النوع من العلو مهما كلفهم من الجهد والمال.

قيل لـيحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالٍ، وإسناد عالٍ، فالإسناد العالي مطمح للمحدثين؛ لأنه يقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانوا يرحلون الفراسخ البعيدة لتحصيل السند العالي، لكن علو الإسناد مشروط بصحته، وإلا فالإسناد الصحيح النازل خير من الإسناد العالي الضعيف، والعلماء أحياناً كانوا يتجاوزون عن هذا الشرط في الأحاديث العالية من باب الإغراب الذي كانوا يعدونه للمذاكرة.

فالمحدثون كان لهم مذاكرات يأتون فيها بكل غريب وعجيب ومنكر، لأجل أن يغرب بعضهم على بعض، وليس المقصود أن يحتجوا بالحديث في إثبات حكم شرعي، لا. فهذه الأسانيد الغريبة العالية من منح العلم، ما كانوا يحتجون بها في دين الله عز وجل ولا يأخذون منها الأحكام ولا الآداب، إنما كانوا يدللون على حفظهم وعلى رحلتهم وعلى سعة علمهم بمثل هذا النوع من العلم.

الإمام البخاري رحمه الله أورد هذا الحديث في كتاب الرقاق بالسند العالي، وسنبين لماذا نزل الإمام البخاري في السند الآخر.

قال: حدثنا محمد بن سنام قال: حدثنا فليح -ثم ذكر حرف الحاء، وهذا الحرف مأخوذ من كلمة (تحويل) فهو فن ابتكره المحدثون يساوي الاختزال في العصر الحديث- وحتى أبين لك كيف اختصر الإمام البخاري السند، أسرده لك بكامله:

قال: حدثنا محمد بن سنام قال: حدثنا فليح بن سليمان قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: .. ويسوق المتن كله، وبعد ذلك يبتدئ من جديد فيقول: وحدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. فحتى يعفي نفسه من هذه الإعادة.. يذكر السند الأول بالمتن، أو يذكر السند الأول كله، وبعد ذلك يذكر السند الثاني بالمتن، وهذا للاختصار، والاختصار في التحويل يبدأ من عند الراوي المشترك في السند.

فالإمام البخاري اختصر فقال: حدثنا محمد بن سنام حدثنا فليح وحدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه. يعني: عن فليح .. فالراوي المشترك فليح ، ولو وضع حرف الحاء في موضع آخر غير هذا الموضع لكان غلطاً. إذاً: أنا لو أريد أن أختصر اختصاراً آخر، سأقول: قال البخاري : حدثنا محمد بن سنام وبعد ذلك أكتب (ح) وبعد ذلك أقول: حدثني محمد بن إبراهيم بن المنذر قال: حدثني محمد بن فليح كلاهما عن فليح قال: حدثني هلال بن أبي ميمونة .

والإمام البخاري نادراً ما يحول، والإمام مسلم أكثر منه تحويلاً، والسبب أن الإمام مسلم رحمه الله يكثر من ذكر الأسانيد للحديث الواحد بخلاف البخاري ، فأول حديث في صحيح مسلم ذكر له أسانيد كثيرة، فمع كثرة الأسانيد يحتاج إلى حرف التحويل، والأسانيد المكررة عند الإمام البخاري قليلة، ليست كما هي عند الإمام مسلم رحمه الله، وهلال بن علي هذا هو هلال بن أبي ميمونة وهو هلال بن أبي هلال ، كل هذه الأسماء الثلاثة إنما هي لرجل واحد.

مداخلة: فائدة تحويل سند الحديث؟

الجواب: الله أعلم. مسألة التحويل هذه مسألة فن، الإمام البخاري لم ير حاجة إلى ذلك، لكن أنت لو حولت من بعد محمد بن سنام جاز لك ذلك.. وربما الإمام البخاري لم يحول، لأنه لو حول بعد محمد بن سنام سيكون التحويل قيمته قليلة فهو راوٍ واحد فقط، لأنه إنما نحول إذا كثر عدد الشيوخ فخشينا الالتباس، فهو لو حول من بعد محمد بن سنام يبقى التحويل ليس له تلك القيمة.

مداخلة: هل هناك فرق بين أدوات التحل؟

الجواب: بالنسبة لأدوات التحمل: (حدثنا) و(حدثني)، فالعلماء يقولون: إن (حدثنا) تكون من لفظ الشيخ، وذلك إذا قرأ الحديث بنفسه تبقى أنت كمستمع تقول: (حدثنا)، وإذا قرأه رجل على الشيخ وهو يسمع ويقر تقول أنت: أخبرني، لكن هذا مجرد اصطلاح، وقد اتفق العلماء على أنه لا فرق بين (حدثنا) و(أنبأنا) و(أخبرنا)، فكلها بمعنىً واحد.

ولفظ (حدثنا) بالجمع إذا الشيخ هو الذي قرأ وسمع أكثر من واحد، أما إذا الشيخ حدث رجلاً على انفراده فيقول: حدثني، هذا هو المشهور عند جماهير العلماء.

ولا فرق عند العلماء ما بين أن يقرأ الشيخ من لفظه، أو أن يُقرأ على الشيخ وهو يسمع، فالقراءة على الشيخ وهو يسمع تُسمى عرضاً، أي: أن التلميذ عرض على الشيخ حديثه فأقره، وحصل خلاف ما بين أهل العراق وأهل المدينة في مسألة العرض والسماع، فكان أهل المدينة يرون أن العرض مثل السماع، وكان أهل العراق يقولون: لا. بل ما كان من لفظ الشيخ يكون أرفع من العرض، فالإمام مالك رحمه الله رد عملياً على أهل العراق بأنه لا يقرأ الموطأ على أحد، إنما يقرأ عليه وهو يسمع؛ ولذلك حديث مالك في صحيح مسلم كله عرض، ما جاء من طريق يحيى بن يحيى عن مالك في صحيح مسلم كله عرض، يقول مسلم : حدثني يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك ، هكذا في صحيح مسلم، يعني: أنه أخذ الحديث عرضاً.

وقال إبراهيم بن سعد وهو أحد أئمة المدينة: يا أهل العراق! لا تدعون تنطعكم! العرض مثل السماع. وبالغ بعض أهل المدينة وقال: بل العرض أقوى من السماع، لكن العرض كالسماع وإن كان احتمال دخول الوهم في العرض أقوى من دخوله في التحديث المباشر، لأن الشيخ قد يسهو والتلميذ يقرأ عليه، وتدركه سنة أو نحو ذلك فلا ينتبه، فلا شك أن التحديث يمتاز عن العرض بمثل هذا، لكن المشهور والمعروف عند جماهير العلماء أن العرض والسماع كلاهما صيغة واحدة.

مداخلة: هل الكتابة مع الإجازة أقوى من السماع؟

الجواب: لا. هذا خطأ بل التحديث أرفع أدوات التحمل، وهو أن يصرح الشيخ بلفظ التحديث، ربما يقول لك: الكتابة أحد أدوات التحمل، والإجازة أحد أدوات التحمل، فإذا اجتمعا هذا مع ذاك يبقى كأنه نور على نور، لا. أقوى صيغ التحمل (حدثني) و(حدثنا) و(أنبأني) و(أنبأنا) و(أخبرني) و(أخبرنا)، وثم (قال لي)، فهي ملتحقة بحدثنا وحدثني، ولفظة (قال لي) أكثر من يستخدمها الإمام البخاري ، يعني: لم أقف لأحد من الأئمة الستة على استخدام هذه العبارة إلا عند الإمام البخاري ذكرها في الصحيح قليلاً، لكنه أكثر منها في كتاب التاريخ الكبير. وأحياناً يروي في التاريخ الكبير حديثاً يقول فيه: قال لي مثلاً قتيبة بن سعيد ، ويكون روى هذا الحديث بعينه عن قتيبة في الصحيح لكنه قال: حدثني قتيبة ، فالعلماء قالوا: إن لفظة (قال لي) عند الإمام البخاري هي بمنزلة: (حدثني)، أو (أنبأني) أو (أخبرني).

والطحاوي له رسالة اسمها: التسوية بين حدثنا وأخبرنا، يرد فيها على من يفرق بينهما ويقول: إن أخبرنا للعرض وحدثنا للقراءة.

وأيضاً من أدوات التحمل (عن) وهي من أدوات التحمل التي تحتمل الانقطاع والاتصال، فأنت لو قلت الآن: عن ابن تيمية أنه قال.. أي شخص ممكن يكذبك. وأنا لو قلت الآن: عن ابن تيمية أنه قال .. هل يمكن لأحد أن يقول: كيف رويت عن ابن تيمية ولم تسمع منه؟ لا. فبيني وبين ابن تيمية قرون، ومع ذلك قلت: عن ابن تيمية فتبقى لفظة (عن) صيغة من صيغ الانقطاع لكن فيها نوع اتصال.

لذلك قال العلماء: إن المدلس لا يقبل منه ما عنعنه؛ لأن (عن) في الأصل صيغة انقطاع، والمدلس أصلاً إنما ينفذ إلى غرضه من هذه الكلمة، لكن تقبل العنعنة من الراوي العدل الذي لم يدلس مع المعاصرة البينة عن شيخه.

استحباب عقد مجالس التحديث

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي..) قلنا: إن هذا فيه دليل على استحباب عقد مجالس التحديث لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعقد المجالس لتعليم أصحابه..

استحباب الرحيل في طلب العلم

وقوله (جاءه أعرابي) فيه دلالة على استحباب الرحلة في طلب العلم.. والأعرابي: هو من يسكن البادية، يعني: ليس من أهل الحضر.. فالرسول عليه الصلاة والسلام يعقد المجلس لأصحابه وهذا الأعرابي رحل من بلده إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليسأله عن أمر جلل، والرحلة في طلب الحديث أشهر من فعلها هم المحدثون، وأكثر من (95%) من الذين رحلوا من مكان إلى مكان إنما هم أهل الحديث، وتبقى (5%) لأهل الفقه وأهل اللغة، وسائر الذين يطلبون فنون العلم الأخرى.

فيمكن أن يكون في بلدك اثنين أو ثلاثة من الفقهاء تتخرج عليهم، وتكون فقيهاً (100%)، وتأخذ ما عندهم، لكن في الحديث قد لا تجد. لماذا؟ لأن الأسانيد فرقت ووزعت بسبب رحلة الصحابة إلى الأمصار، وتركهم المدينة ومكة، فانتقل هؤلاء الصحابة ومعهم حديث كثير عن النبي عليه الصلاة والسلام، ففي كل بلد طلاب علم يسمعون عن شيوخ البلد، فكل واحد من هؤلاء معه من الأسانيد ما ليس مع الطرف الآخر، فلذلك وزعت الأسانيد كلها في صدور مئات بل ألوف من طلاب العلم في مختلف الدنيا، فهذه الرحلة اختص المحدثون بها لحاجتهم إليها بسبب تفرق الأسانيد في البلاد، وبذل المحدثون جهداً عظيماً كبيراً في سبيل جمع كل هذه الأحاديث من صدور طلاب العلم الذين أخذوا عن العلماء، والخطيب البغدادي له كتاب اسمه: الرحلة في طلب الحديث، ذكر فيه نماذج من رحيل الصحابة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ومن رحيل التابعين إلى الصحابة، ومن رحيل العلماء إلى المشايخ في البلاد الأخرى، فمجيء الأعرابي يدل على الحرص على طلب العلم، وأنه كلما بدا لك سؤال يستحب لك أن ترحل إلى العالم الذي يشفيك.

وقصة شعبة بن الحجاج في سبيل التثبت من حديث واحد مشهورة، ذكرها ابن حبان في كتاب المجروحين، وذكرها الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية، وهي مشهورة، وقد نوه بها الحاكم النيسابوري في المستدرك في آخر حديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) بعدما روى هذا الحديث وذكر له طرقاً كثيرة، نوه برحلة شعبة بن الحجاج رحمه الله إلى طلب هذا الحديث الواحد، أراد أن يقول: إنني تعبت واستقصيت جمع طرق هذا الحديث، ولا مانع من ذلك؛ فقد فعل شعبة مثل هذا، فرحلة شعبة بن الحجاج رحمه الله استغرقت منه نحو شهرين أو ثلاثة في سبيل التثبت من حديث واحد، فعن نصر بن حماد الوراق قال: كنا بباب شعبة نتذاكر السنة؛ فقلت: حدثني إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء) قال: وبينما أنا أحدث بهذا الحديث خرج شعبة من الدار فسمعني فلطمني ودخل الدار، وكان معه عبد الله بن إدريس ، قال: فجلست أبكي فدخل شعبة الدار ثم خرج فوجدني أبكي، فقال عبد الله بن إدريس: إنك لطمت الرجل، قال: إنه مجنون، إنه لا يدري ما يحدث، إني سألت أبا إسحاق السبيعي عن هذا الحديث.. قلت له: حدثك إبراهيم بن سعد ؟ فغضب وأبى أن يخبرني، فقال لي مسعر بن كدام وكان جالساً مع أبي إسحاق : يا شعبة ! إبراهيم بن سعد حي بالمدينة .. إن أردت أن تستثبت فارحل إلى المدينة واسمع الخبر من إبراهيم بن سعد .

وشعبة بصري من أهل البصرة، قال شعبة : فخرجت من سنتي إلى الحج ما أريد إلا الحديث..

فقال: فلقيت مالكاً في الحج قلت له: حج إبراهيم بن سعد ؟ قال لي: لا. ما حج العام، قال: فقضيت نسكي وتحللت وانحدرت إلى المدينة، فدخلت على إبراهيم بن سعد ، فقلت له حديث الوضوء سمعته من عبد الله بن عطاء ؟ قال: لا. قلت: ممن سمعته؟ فذكر أنه سمعه ممن -أدركني سوء الحفظ- قال: حدثني زياد بن مخراق قال: فانحدرت إلى زياد بن مخراق فقلت له: حديث الوضوء سمعته من عبد الله بن عطاء ؟ قال: ما هو من حاجتك، قلت له: لابد، قال: لا أحدثك حتى تذهب إلى الحمام وتغتسل وتغسل ثيابك ثم تأتيني، قال: فذهبت فاغتسلت وغسلت ثيابي وأتيته، فقلت له: حديث الوضوء، قال: حدثني شهر بن حوشب ، قلت: عمن؟ قال: عن أبي ريحانة عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر ، فقال شعبة : حديث مرة مكي! ومرة مدني! ومرة بصري.. لا أصل له، والله لو صح هذا الحديث لكان أحب إلي من أهلي ومالي.

وهذا الحديث صحيح.. لكن من غير الطريق الذي أنكره شعبة ، والحديث إنما صح عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب ، كما رواه الإمام مسلم في صحيحه، لكن الذي يقرأ هذه القصة عن شعبة بن الحجاج لا يتصور أنه بذل ثلاثة أشهر من عمره في سبيل أن يتأكد من حديث واحد فيه مثل هذه الفضيلة، وهو يقول: (والله لو صح هذا الحديث لكان أحب إلي من أهلي ومالي). فالحمد لله رب العالمين أنه قد صح هذا الحديث.

فالعلماء كانوا يسافرون هذه الأشهر الطويلة في سبيل التثبت من لفظة واحدة، يأتي من بعدهم لا يشعر بقيمة الجهد الكبير الذي بذلوه.

ومن أمثلة الرحلة أيضاً في طلب العلم أو في طلب الحاجة: ما رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة إذ جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك الزرع والضرع، ونفقت الماشية فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه إلى السماء وقال: اللهم اسقنا.. اللهم اسقنا.. اللهم اسقنا، قال أنس : وكانت السماء مثل الزجاجة -يعني: ليس فيها سحابة- قال: فما إن دعا صلى الله عليه وسلم حتى تكاثر الغمام في السماء، وما نزل من على المنبر إلا والمطر يتحدر من على لحيته، وخرجنا إلى بيوتنا نخوض في الماء، وظللنا لا نرى الشمس جمعة، قال: وفي الجمعة التي بعدها وبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة، إذ جاءه هذا الأعرابي فوقف على الباب وقال: يا رسول الله! هلك الزرع والضرع ونفقت الماشية فادع الله أن يحبس عنا الماء، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أني عبد الله ورسوله، اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والضراب ومنابت الشجر، قال: فكان على المدينة شمس وحول المدينة مطر).

وكذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة أيضاً أن رجلاً جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإحسان والإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه، فلم يكن تميز عنهم فكان الجائي يجيء فيسأل عنه أين محمد؟ فجاء أعرابي فسأل عنه، فقالوا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فذهب إليه وقال: يا بن عبد المطلب! قال: قد أجبتك، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فقالوا له: يا رسول الله! لو اتخذنا لك منبراً، قال: إن شئتم، ومن هنا اتخذوا له منبراً كان يجلس عليه ليتميز فلا يحتاج السائل أن يسأل عنه إذا جاء، بل إذا وجده يجلس على هذا المكان المرتفع عرف أن هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرفق بالسائل خصوصاً إذا كان جاهلاً

قال هذا الأعرابي: (متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث)، هذا فيه إعراض من النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن السؤال غير عاجل، هذا سؤال ما له كبير قيمة، أن تعرف متى الساعة، لذلك صرف النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إلى ما ينفعه، وهذا فيه من الأدب أنه ينبغي على الشيخ أن يرفق بالسائل، لأنه قد يكون جاهلاً، أو قد يكون من الذين لا يحسنون السؤال، فيعلمه إحسان السؤال، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما أجابه إنما سأله، فرد على السؤال بسؤال، كأنما قال له: السؤال الذي ينبغي أن تطرحه ليس الذي ذكرت بل الذي أنا أذكره، والذي ينبغي أن تهتم به.

وروى الإمام مسلم عن أبي رفاعة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب فدخل رجل فقال: رجل غريب يريد أن يتعلم دينه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وجلس على كرسي وأدنى هذا الرجل وجعل يعلمه ما يلزمه من دينه، وبعد أن انتهى صعد المنبر فأكمل خطبته)، فهذا رجل متعجل لا يدري شيئاً عن دينه، فربما إذا أقيمت الصلاة لا يدري كيف يصلي، فالإجابة هنا عاجلة بخلاف الرجل الذي يقول: متى الساعة؟

فينبغي للعالم أن ينظر إلى سؤال السائل إذا كان الرجل متعجلاً فليعجل له بالجواب فهذا أرفق، وإذا كان السؤال يحتمل التراخي أقبل على شأنه وعلى كلامه ثم بعد ذلك لا يضره إن هو رجع له مرة أخرى. لماذا؟ لتحاشي حصول مضرة من تأخير الجواب.

فهو يقول هنا: متى الساعة؟ فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، فالناس الذين يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم انقسموا إلى فريقين، جماعة قالوا: سمع ما قال، فكره ما قال، وجماعة قالوا: بل لم يسمع.

أما الفريق الأول الذي قال: سمع فكره، عرفوا من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كره الشيء لا يجيب، مثل الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ولم يجبه، -حتى كرر الرجل المسألة أكثر من مرة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذروني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وفي اللفظ الآخر قال: لو قلت نعم لوجبت ولما أطقتم..)

فالرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا كره السؤال لا يجيب، لكن يضاف إلى عدم الإجابة شيء آخر هو الذي جعل الفريق الآخر يقول: لم يسمع، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا كره لم يجب ويحمر وجهه، يظهر عليه علامات الكراهة، فعدم احمرار وجه الرسول عليه الصلاة والسلام أغرى طائفة أخرى فقالوا: لم يسمع، لأنه لو سمع وكره ما قال لتغير وجهه عليه الصلاة والسلام كما هي عادته، وكذلك فإن الفريق الآخر غلب حسن الخلق؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن من عادته أن يهمل من يريده، لاسيما إذا كان الرجل من البادية، رحل وجاء من مسافة بعيدة، فقالوا: لا. لم يسمع، لأن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم في استقبال الغريب يمنعه ألا يجيبه، فالأولون غلبوا ما رأوه من عادته عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا كره لا يجيب، لاسيما أن هذا السؤال وجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولم يجب على السائل.

(حتى إذا قضى حديثه وأكمله، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ فقال: ها أنا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)