شروط العمل الصالح


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال الله تبارك وتعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] فمفهوم هذه الآية: أن الله تبارك وتعالى لا يرفع إليه إلا العمل الصالح؛ فما هو العمل الصالح الذي يرفع ولا يرفع سواه؟

إن حاجتنا ماسة لمعرفة شروط العمل الصالح وأركانه، فكل عمل في هذه الدنيا مرهون بتحقيق ركني العمل الصالح وشرطيه، فهو أولى من البحث عن لقمة الخبز، وأولى من البحث عن طبيب يزيل العلة.

إن العبد العاصي إذا وقف على شفير النار يوم القيامة يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] فهذه هي الحياة حقاً: أن ينجو من النار، وأن يدخل الجنة.

فدخول الجنة والنجاة من النار مرهونة بتحقيق ركني العمل الصالح وشرطيه، وبقدر الخلل في تحقيق الركنين والشرطين يكون حساب العبد وتكون منزلته.

والمستقرئ لأدلة الكتاب والسنة يجد أن النصوص قد استفاضت بذكر ركنين للعمل الصالح وشرطين، فأما الركنان:

فالأول منهما: هو توحيد الله تبارك وتعالى، وعدم الإشراك به شيئاً.

الركن الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك العمل.

أما الشرطان:

فالشرط الأول: هو تمام الذل.

والشرط الثاني: هو كمال الحب.

فإذا حقق العبد الركنين والشرطين فهو السعيد حقاً.

وإن الناظر إلى حياة الصحابة رضوان الله عليهم يجد أنهم حققوا الشرطين والركنين أتم تحقيق، وامتد هذا الأثر الحميد إلى حياة التابعين، وهناك قصة صحيحة عن عروة بن الزبير بن العوام -رحمه الله ورضي عن أبيه أن الآكلة دبت في رجله -الآكلة: داء الغرغرينا عافانا الله وإياكم، إذا دب في القدم تبتر- فقال الطبيب: تقطع. فقال له: وكيف نقطعها؟ قال: تعاطى الخمر، فإذا سكرت قطعناها. قال: ما كنت لأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله، ولكن دعوني أصلي، فإذا دخلت في الصلاة فاقطعوها. فلما دخل في الصلاة نشروا اللحم، فلما وصلوا إلى العظم أغمي عليه، فما شعر بشيء) فبقدر خشوعك في الصلاة والإخبات فيها يكون تحقيق الركن والشرط.

فنحن الآن نضع رءوس أقلام على كل عنصر من هذه العناصر، إذ الكلام فيها متسع جداً، لكن نضع نتفاً، والسعيد من وعظ بغيره، ومن لا يشفيه القليل لا يفيده الكثير.

الركن الأول: توحيد الله عز وجل

إن توحيد الله عز وجل الذي جاءت به الرسل هو توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية فطر الله الخلق عليه.

توحيد الألوهية: أنه لا يجوز صرف شيء لله لغير الله عز وجل من العبادة والنسك وغير ذلك، كما قال تبارك وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162] هذا هو توحيد الألوهية.

وتوحيد الربوبية فطر الله الناس عليه، ولذلك المشركون لما جوبهوا بهذه الأسئلة أجابوا الإجابة الصحيحة التي تتناسب مع اعتقادهم أن الله عز وجل هو الرب الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يرزق الناس، وهو الذي يخلق الناس، وهو الذي يميت ويحيي: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] فلماذا كفرهم؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] لماذا كفرهم؟ قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:84-85] ...إلى آخر الآيات، لماذا كفرهم إذاً؟

لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية، أي: بإفراد الله عز وجل في العبادة، فقال بعضهم لبعض: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وما هو العجاب؟ لقد تفرد بالخلق، وتفرد بالرزق، وتفرد بالإحياء والإماتة، أفلا يتفرد بالعبادة؟ أليس هذا مناسباً أن يتفرد بالعبادة وقد تفرد بكل شيء؟! ولذلك فإن القرآن الكريم يثبت توحيد الألوهية عن طريق توحيد الربوبية، فيذكر آلاء الله ونعمه على الخلق، ثم يقول لهم: إذا كان الخلق، والإحياء، والإماتة، والرزق بيد الله عز وجل؛ أفلا يستحق فعلاً أن يكون هو المعبود دون سواه؟! وبعض الناس يلتبس عليهم الأمر ولا يفرقون بين النوعين، فمثلاً: أفتى بعضهم يوماً أن الطواف بقبور الصالحين والأولياء كـالحسين رضي الله عنه، وكالسيدة زينب رضي الله عنها، وسائر عباد الله الأخيار الذين بنوا على قبورهم قباباً، يقول: إن الطواف بقبور هؤلاء ليس شركاً ثم يبسط قوله فيقول: لأنك لو سألت رجلاً ممن يطوف: هل هناك رازق غير الله؟ يقول: لا، هل هناك محي غير الله؟ فيقول: لا. هل هناك مميت غير الله؟ فيقول: لا. إذاً: هذا الرجل موحد -حسب زعمه-.

فنقول: لا. هذا الرجل لم يعرف من التوحيد إلا ما عرفه المشركون الأوائل، وهو توحيد الربوبية، لكن هذا الرجل شد رحله من بلده لطلب حاجة، أو دفع ضر، أو جلب نفع.. والتوحيد حقاً، أن نعتقد أنه لا يقدر على دفع الضر إلا الله، ولا يقدر على جلب النفع للعبد إلا الله: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف).

فعندما تشد الرحل من أقصى البلاد لتقول: يا حسين ! ادفع عني الضر؟! فما صنعة الله في الكون؟! إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14].

فالمقصود من توحيد الألوهية: أن لا تصرف شيئاً من العبادة إلا لله، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] (الحنيف): يعني: المائل عن العقائد الزائغة، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:14].

ولتعلم أن العمل الصالح قاعدته: التوحيد، وإلا فقد جاء أقوام إلى الله عز وجل بأعمال كثيرة؛ فقال عنهم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] لأن القاعدة متهالكة، وفي الحديث الآتي بيان لذلك، وهذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، وهو نِذارة خطيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أول ما يدخل الجنة شهيد وقارئ وعالم -وفي رواية للنسائي : (ورجل جواد) أي: غني- فيؤتى بالشهيد، فيعرفه الله نعمه عليه، ثم يقول له: ماذا فعلت؟ يقول: يا رب قاتلت فيك حتى قتلت. فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل قاتلت ليقال: جريء، وقد قيل، ثم يسحب به إلى النار. فيؤتى بقارئ القرآن: ماذا فعلت بالقرآن؟ يقول: يا رب! قرأته فيك آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، بل قرأت ليقال: قارئ، وقد قيل؛ فيسحب به. ثم يؤتى بالعالم: ماذا فعلت بالعلم؟ يقول: يا رب! علمت الناس آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله عز وجل: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل علمتهم ليقال: عالم، وقد قيل، وكذلك الأمر في الرجل الجواد: ماذا فعلت بالمال؟ يقول: يا رب! أنفقته فيك. فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت، بل أنفقت ليقال: جواد -يعني: سخي- وقد قيل).

هذه الأعمال الأربعة من أجل القربات إلى الله: فالشهادة فضلها معلوم، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشهيد يرى مقعده من الجنة مع أول دفقة من دمه) فكيف يحشر إلى النار، ويكون أول الداخلين؟ وكذا قارئ القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وقال: (يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها) وفي الحديث الآخر: (لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، قارئ القرآن يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) فتكتب مائة وتسعين حسنة، والذي يقرأ القرآن الكريم كل شهر تكون لديه جبال من الحسنات، فكيف يدخل النار ويكون أول الداخلين مع هذه القربة؟!

وكذلك العالم: (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس بأهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه) فالكل يدعي العلم لشرف العلم، قال الله: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] وقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا آل عمران:18]، فمنزلة العلماء رفيعة معروفة، فكيف يسحب هذا إلى النار ويكون أول الداخلين؟

لماذا هذا الجزاء؟!

لأنهم أشركوا في أصل العمل، فأرداهم، ولا ينفع مع الشرك طاعة، فبرغم فضل عمل هؤلاء إلا أنهم لما أشركوا بالله عز وجل بطل عملهم وصار وبالاً عليهم.

وهناك حديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع -أو قال: قيد شبر- فيعمل بعمل أهل النار؛ فيدخل النار. وإن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد شبر -أو قال: قيد ذراع- عمل بعمل أهل الجنة؛ فدخل الجنة) فالمشكل هنا: كيف أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة زماناً طويلاً ثم يحشر إلى النار، والرجل يعمل بعمل أهل النار زماناً طويلاً، ثم يحشر إلى الجنة؟!

نقول: يزيل هذا الأشكال وجود زيادة في نفس الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس) وبهذا انتهى الإشكال، أي: يعمل الزمن الطويل مرائياً، لذلك ناسب أن تكون خاتمته على غير ما كان يعمل، إذ لو كان يعمل لله؛ فإن الله لا يضيع أجره، والعبد يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، لكنه لما أقبل على الله كان صادق الطلب، وليس عن أذهانكم ببعيد حديث: (الرجل الذي قتل مائة نفس، فسأل راهباً عابداً: ألي توبة؟ قال: لا. فقتله فأتم به المائة، ثم سأل رجلاً راهباً عالماً قال: قتلت مائة نفس، ألي توبة؟ قال: نعم. ومن يحجب عنك باب التوبة؟! اخرج إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها قوماً يعملون الصالحات فاعمل معهم. فخرج الرجل وقد ناء بصدره -أي: قدم صدره، كناية عن المبادرة والإسراع- إلى الأرض التي أمره العالم بالتوجه إليها، فما خرج غير بعيد حتى قبض، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأرسل الله عز وجل إليهم حكماً أن قيسوا المسافة بين الأرضين، فإلى أيتها كان أقرب فهو من أهلها، وأمر الله الأرض -لأن الرجل ما كاد يخرج حتى مات، يعني: هو يقيناً أقرب إلى أرض العذاب، لكنه لما كان صادق الطلب أمر الله الأرض أن تطوى من تحته- فقال لهذه: أن تقاربي، ولهذه: أن تباعدي، فلما قاسوا المسافة بين الأرضين وجدوه أقرب إلى أرض المغفرة بشبر واحد؛ فغفر له فدخل الجنة).

إن الله عز وجل لا يتعاظمه ذنب، فذنبك مهما عظم شيء، ورحمة الله وسعت كل شيء، ولذلك قال الله تعالى: لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]؛ لأنك مهما فعلت من الذنوب لا يمكن أن تأتي على رحمة الله كلها، بل هي تشملك وتشمل كل عاص، فهي أوسع مما تتصور، وهذا يناسب كمال صفاته تبارك وتعالى.

إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: ( يعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار) فيما يظهر للناس.

فلذلك كل عمل راقب العبدُ فيه العبدَ فهو على شفى هلكة، والعلماء لهم هنا بحث فرعي، يقولون مثلاً: لو جاء رجل إلى المسجد ليصلي الصلاة، فبينما هو يصلي إذ رمق شخصاً يلتمس عنده الوجاهة؛ فأطال الصلاة، فأطال الركوع والسجود.. فما حال صلاته؟ قال العلماء: ما زاده مردود، أما أصل عمله فمقبول؛ لأنه لما خرج إلى المسجد ما خرج رئاء الناس، وإنما خرج ليصلي. ولو أنه خرج من داره لأجل أن يقال: فلان يصلي، فهذا أشرك في أصل العمل؛ فيسقط العمل كله.

إذاً: توحيد الله عز وجل أول المطالب.

الركن الثاني: المتابعة

مفهوم المتابعة: ألا تفعل شيئاً إلا إذا أُذن لك فيه من قبل الله عز وجل أو من قبل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمركم، والله تبارك وتعالى جعل المتابعة ثمرة المحبة، قال تبارك وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقد جمع الله عز وجل ركني العمل الصالح في نصف آية من القرآن: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] ( عملاً صالحاً ) أي: موافقاً للسنة، (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً): هذا هو التوحيد الخالص.

إن توحيد الله عز وجل الذي جاءت به الرسل هو توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية فطر الله الخلق عليه.

توحيد الألوهية: أنه لا يجوز صرف شيء لله لغير الله عز وجل من العبادة والنسك وغير ذلك، كما قال تبارك وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162] هذا هو توحيد الألوهية.

وتوحيد الربوبية فطر الله الناس عليه، ولذلك المشركون لما جوبهوا بهذه الأسئلة أجابوا الإجابة الصحيحة التي تتناسب مع اعتقادهم أن الله عز وجل هو الرب الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يرزق الناس، وهو الذي يخلق الناس، وهو الذي يميت ويحيي: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] فلماذا كفرهم؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] لماذا كفرهم؟ قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:84-85] ...إلى آخر الآيات، لماذا كفرهم إذاً؟

لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية، أي: بإفراد الله عز وجل في العبادة، فقال بعضهم لبعض: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وما هو العجاب؟ لقد تفرد بالخلق، وتفرد بالرزق، وتفرد بالإحياء والإماتة، أفلا يتفرد بالعبادة؟ أليس هذا مناسباً أن يتفرد بالعبادة وقد تفرد بكل شيء؟! ولذلك فإن القرآن الكريم يثبت توحيد الألوهية عن طريق توحيد الربوبية، فيذكر آلاء الله ونعمه على الخلق، ثم يقول لهم: إذا كان الخلق، والإحياء، والإماتة، والرزق بيد الله عز وجل؛ أفلا يستحق فعلاً أن يكون هو المعبود دون سواه؟! وبعض الناس يلتبس عليهم الأمر ولا يفرقون بين النوعين، فمثلاً: أفتى بعضهم يوماً أن الطواف بقبور الصالحين والأولياء كـالحسين رضي الله عنه، وكالسيدة زينب رضي الله عنها، وسائر عباد الله الأخيار الذين بنوا على قبورهم قباباً، يقول: إن الطواف بقبور هؤلاء ليس شركاً ثم يبسط قوله فيقول: لأنك لو سألت رجلاً ممن يطوف: هل هناك رازق غير الله؟ يقول: لا، هل هناك محي غير الله؟ فيقول: لا. هل هناك مميت غير الله؟ فيقول: لا. إذاً: هذا الرجل موحد -حسب زعمه-.

فنقول: لا. هذا الرجل لم يعرف من التوحيد إلا ما عرفه المشركون الأوائل، وهو توحيد الربوبية، لكن هذا الرجل شد رحله من بلده لطلب حاجة، أو دفع ضر، أو جلب نفع.. والتوحيد حقاً، أن نعتقد أنه لا يقدر على دفع الضر إلا الله، ولا يقدر على جلب النفع للعبد إلا الله: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف).

فعندما تشد الرحل من أقصى البلاد لتقول: يا حسين ! ادفع عني الضر؟! فما صنعة الله في الكون؟! إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14].

فالمقصود من توحيد الألوهية: أن لا تصرف شيئاً من العبادة إلا لله، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] (الحنيف): يعني: المائل عن العقائد الزائغة، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:14].

ولتعلم أن العمل الصالح قاعدته: التوحيد، وإلا فقد جاء أقوام إلى الله عز وجل بأعمال كثيرة؛ فقال عنهم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] لأن القاعدة متهالكة، وفي الحديث الآتي بيان لذلك، وهذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، وهو نِذارة خطيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أول ما يدخل الجنة شهيد وقارئ وعالم -وفي رواية للنسائي : (ورجل جواد) أي: غني- فيؤتى بالشهيد، فيعرفه الله نعمه عليه، ثم يقول له: ماذا فعلت؟ يقول: يا رب قاتلت فيك حتى قتلت. فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل قاتلت ليقال: جريء، وقد قيل، ثم يسحب به إلى النار. فيؤتى بقارئ القرآن: ماذا فعلت بالقرآن؟ يقول: يا رب! قرأته فيك آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، بل قرأت ليقال: قارئ، وقد قيل؛ فيسحب به. ثم يؤتى بالعالم: ماذا فعلت بالعلم؟ يقول: يا رب! علمت الناس آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله عز وجل: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل علمتهم ليقال: عالم، وقد قيل، وكذلك الأمر في الرجل الجواد: ماذا فعلت بالمال؟ يقول: يا رب! أنفقته فيك. فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت، بل أنفقت ليقال: جواد -يعني: سخي- وقد قيل).

هذه الأعمال الأربعة من أجل القربات إلى الله: فالشهادة فضلها معلوم، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشهيد يرى مقعده من الجنة مع أول دفقة من دمه) فكيف يحشر إلى النار، ويكون أول الداخلين؟ وكذا قارئ القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وقال: (يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها) وفي الحديث الآخر: (لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، قارئ القرآن يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) فتكتب مائة وتسعين حسنة، والذي يقرأ القرآن الكريم كل شهر تكون لديه جبال من الحسنات، فكيف يدخل النار ويكون أول الداخلين مع هذه القربة؟!

وكذلك العالم: (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس بأهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه) فالكل يدعي العلم لشرف العلم، قال الله: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] وقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا آل عمران:18]، فمنزلة العلماء رفيعة معروفة، فكيف يسحب هذا إلى النار ويكون أول الداخلين؟

لماذا هذا الجزاء؟!

لأنهم أشركوا في أصل العمل، فأرداهم، ولا ينفع مع الشرك طاعة، فبرغم فضل عمل هؤلاء إلا أنهم لما أشركوا بالله عز وجل بطل عملهم وصار وبالاً عليهم.

وهناك حديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع -أو قال: قيد شبر- فيعمل بعمل أهل النار؛ فيدخل النار. وإن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد شبر -أو قال: قيد ذراع- عمل بعمل أهل الجنة؛ فدخل الجنة) فالمشكل هنا: كيف أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة زماناً طويلاً ثم يحشر إلى النار، والرجل يعمل بعمل أهل النار زماناً طويلاً، ثم يحشر إلى الجنة؟!

نقول: يزيل هذا الأشكال وجود زيادة في نفس الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس) وبهذا انتهى الإشكال، أي: يعمل الزمن الطويل مرائياً، لذلك ناسب أن تكون خاتمته على غير ما كان يعمل، إذ لو كان يعمل لله؛ فإن الله لا يضيع أجره، والعبد يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، لكنه لما أقبل على الله كان صادق الطلب، وليس عن أذهانكم ببعيد حديث: (الرجل الذي قتل مائة نفس، فسأل راهباً عابداً: ألي توبة؟ قال: لا. فقتله فأتم به المائة، ثم سأل رجلاً راهباً عالماً قال: قتلت مائة نفس، ألي توبة؟ قال: نعم. ومن يحجب عنك باب التوبة؟! اخرج إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها قوماً يعملون الصالحات فاعمل معهم. فخرج الرجل وقد ناء بصدره -أي: قدم صدره، كناية عن المبادرة والإسراع- إلى الأرض التي أمره العالم بالتوجه إليها، فما خرج غير بعيد حتى قبض، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأرسل الله عز وجل إليهم حكماً أن قيسوا المسافة بين الأرضين، فإلى أيتها كان أقرب فهو من أهلها، وأمر الله الأرض -لأن الرجل ما كاد يخرج حتى مات، يعني: هو يقيناً أقرب إلى أرض العذاب، لكنه لما كان صادق الطلب أمر الله الأرض أن تطوى من تحته- فقال لهذه: أن تقاربي، ولهذه: أن تباعدي، فلما قاسوا المسافة بين الأرضين وجدوه أقرب إلى أرض المغفرة بشبر واحد؛ فغفر له فدخل الجنة).

إن الله عز وجل لا يتعاظمه ذنب، فذنبك مهما عظم شيء، ورحمة الله وسعت كل شيء، ولذلك قال الله تعالى: لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]؛ لأنك مهما فعلت من الذنوب لا يمكن أن تأتي على رحمة الله كلها، بل هي تشملك وتشمل كل عاص، فهي أوسع مما تتصور، وهذا يناسب كمال صفاته تبارك وتعالى.

إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: ( يعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار) فيما يظهر للناس.

فلذلك كل عمل راقب العبدُ فيه العبدَ فهو على شفى هلكة، والعلماء لهم هنا بحث فرعي، يقولون مثلاً: لو جاء رجل إلى المسجد ليصلي الصلاة، فبينما هو يصلي إذ رمق شخصاً يلتمس عنده الوجاهة؛ فأطال الصلاة، فأطال الركوع والسجود.. فما حال صلاته؟ قال العلماء: ما زاده مردود، أما أصل عمله فمقبول؛ لأنه لما خرج إلى المسجد ما خرج رئاء الناس، وإنما خرج ليصلي. ولو أنه خرج من داره لأجل أن يقال: فلان يصلي، فهذا أشرك في أصل العمل؛ فيسقط العمل كله.

إذاً: توحيد الله عز وجل أول المطالب.

مفهوم المتابعة: ألا تفعل شيئاً إلا إذا أُذن لك فيه من قبل الله عز وجل أو من قبل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمركم، والله تبارك وتعالى جعل المتابعة ثمرة المحبة، قال تبارك وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقد جمع الله عز وجل ركني العمل الصالح في نصف آية من القرآن: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] ( عملاً صالحاً ) أي: موافقاً للسنة، (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً): هذا هو التوحيد الخالص.

كان الصحابة رضوان الله عليهم من أشد الناس مبادرة إلى تنفيذ أمر الله ورسوله، ونحن في حاجة ماسة إلى الاطلاع على حياة الصحابة، كيف كانوا يتبعون القول بالعمل، ويفسرون الأقوال بالأعمال والمبادرة إلى تنفيذ الأمر.

وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة باتباعهم وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في صلح الحديبية، قال: (فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، فوالله ما سقطت قطرة ماء على الأرض إلا كادوا يقتتلون على وضوئه عليه الصلاة والسلام، وما تنخم نخامة إلا استبقوا عليها، فما تقع في يد رجل إلا دلك بها وجه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيماً له، ولا يرفعون أصواتهم عنده، ويبتدرون أمره) لذلك ثبتت لهم البشارة فقال الله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:8].

وليست الأولى بأفضل من الثانية، بل الشرف لهم أن يرضوا عن الله، ليس الشرف أن يرضى الله عنهم فحسب، إذ لو سخط الخلق جميعاً على الله لا يضره ذلك، لكن الشرف لهم أن يقول الله لهم: (أنتم رضيتم عني) فهذا هو الشرف، وما نالوا هذا الشرف ولا حازوا هذا السبق إلا بالمبادرة إلى تنفيذ أمره ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفتدونه بكل غال ونفيس، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر يوماً على أجمة -مكان فيه أشجار كثيرة- وكان يقبع في هذه الأشجار عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق، فلما مر النبي عليه الصلاة والسلام قال عبد الله بن أبي بن سلول : لقد غبر علينا ابن أبي كبشة، يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبو كبشة: جد الرسول عليه الصلاة والسلام لأمه، جد غامض غير معروف، وقد كانت العرب إذا أرادت أن تنتقص رجلاً نسبته إلى جد غامض، حيث أن الجد المشهور يكون الانتساب إليه شرف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز وهو يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) فالنسبة لـعبد المطلب تعتبر شرفاً؛ لأنه رجل معروف ومشهور وله مكانة في الناس، لكن أبا كبشة لا يعرف في الناس.

فهو يريد أن يحتقر الرسول عليه الصلاة والسلام ويشتمه، فسمع هذه الكلمة من عبد الله بن أبي بن سلول ابنه عبد الله ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (والذي أكرمك، والذي أنزل عليك الكتاب لأن أمرتني لآتينك بعنقه -الولاء للرسول عليه الصلاة والسلام قبل الولاء للآباء والأبناء- فقال له: لا. ولكن بر أباك وأحسن صحبته).

وعندما قامت معركة بدر بين المسلمين والكافرين، كان هناك ابن لـأبي بكر لم يكن أسلم آنذاك، وكان في صفوف الكافرين، وكان يرى أباه أبا بكر رضي الله عنه فينخلس بعيداً عنه، فلما أسلم الولد قال لأبيه : لقد كنت أراك يوم بدر، فكنت أخشى أن يسبق سيفي إليك، فقال أبو بكر : والله لو رأيتك لقتلتك.

وهذا هو الفارق الجوهري ما بيننا وبين الجيل الأول.

فالمتابعة: ألا تحرك ساكناً، ولا تسكن متحركاً إلا بإذن، ولله در سفيان الثوري لما قال: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل.

نحن مبتلون بأننا نفعل الفعل، فإذا وقعنا في ورطة طلبنا الحكم الشرع وسألنا عنه، والأصل أن يسأل قبل أن يفعل: أهو جائز أم لا، مشروع أم لا.

لقد كان اتباع الجيل الأول: لكلام الرسول عليه الصلاة والسلام في غاية الروعة. من ذلك ما جاء في حديث جرير بن عبد الله أنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.. والنصح لكل مسلم)، فطبق جرير هذا الحديث على تصرفه الشخصي -لا تحفظ النص ثم لا تعمل به فيكون حجة عليك، فالجهل به خير من معرفته ومخالفته، وليست هذه دعوة إلى الجهل، لكن الرجل الذي يعلم ويخالف شر من الذي لا يعلم، فالذي لا يعلم قد يكون له عذر مقبول، أما الذي يعلم ثم يخالف ليس له عذر-

(فأرسل جرير رضي الله عنه غلامه ليشتري له فرساً، فوجد الغلام الفرس بثلاثمائة درهم، وجاء الغلام بصاحب الفرس ومعه الفرس إلى جرير ليقبضه الثمن، فلما رأى جرير الفرس وجده يستحق أكثر من ثلاثمائة، فقال: يا فلان! فرسك يستحق أربعمائة. قال: قبلت. قال: خمسمائة. قال: قبلت. قال: ستمائة. قال: قبلت.. حتى وصل به إلى ثمانمائة فقال الرجل: قبلت. فأعطاه الثمانمائة فتعجب الغلام، إذ التجارة شطارة، وكلما أخذت البضاعة بسعر أقل اعتبر الناس من المكسب العاجل، والحلال المباح؛ وقال لـجرير : ما هذا الذي فعلت؟ قال له: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. أي: لا أستطيع الغش، وهذه هي كمال المتابعة. أن تتابع بالفعل.

(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلبس خاتم ذهب، فلما رآه أخذه منه ونزعه نزعاً شديداً، ورماه في الأرض وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده! فلما قام الرجل ينصرف وقد ترك الخاتم على الأرض، قيل له: خذه فبعه وانتفع بثمنه. قال: كيف آخذه وقد طرحه رسول الله؟!) وترك الخاتم.

وذهب بعض الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله! عظنا وأوصنا. قال: لا تسألوا الناس شيئاً) فكان الواحد منهم يكون راكباً على فرسه فيسقط سوطه، فلا يقول: يا فلان! ناولني السوط. فامتثلوا؛ ولذلك عز وسادوا.

ولكن إذا نظرت إلى الأجيال الخالفة كما في وقتنا تجد بينهم وبين المتابعة بوناً شاسعاً، بل لا يتورعون عن فعل المحرمات.

وقد جمعني مجلس برجل يدخن، فقلت له: يا فلان! إن التدخين حرام. فأخذ نفساً عميقاً، ثم قال لي: يعني: ليس مكروهاً؟!

فهب أنه مكروه، ألا يكفي فيه أن الله ورسوله يكرهان هذا الشيء؟! فكيف طابت نفسك بعدما سمعت حكم الحرمة أن تأخذ هذا النفس العميق؟ هلا استثنيت؟ هلا كففت حتى إذا تناقشنا ولم تقتنع بالحرمة شربت؟ فكيف تسمع لفظ الحرمة فتستمر على هذا الفعل؟ وهذا تحد، واستكبار على أمر الله.

وإذا سلمنا أنها مكروهة -وهي قطعاً حرام- فالبوابة إلى المحرمات المكروهات، وإذا كان الشيء مكروهاً فتعودت على فعله دخلت إلى الحرمات وسهل عليك فعلها.

لماذا حرم الله النظر إلى النساء؟ أليس لكف الرجل عن الزنا؟ فأين النظر وأين الزنا؟ لكن هذا من باب سد الذريعة، فإذا كان هذا الباب يوصلك إلى الحرام فأغلقه، فهذا أنجى لك. والعلماء يقولون: الإكثار من المباح يوقع في المحرمات. وذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام في النهي عن الشبع، مع أن الشبع جائز، لكن العلماء قالوا: (الإكثار من الأكل حتى الشبع يرخي النفس، ويقعد الأعضاء عن العبادة)؛ لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم وقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) لأن الصوم يكسر من حدة الشهوة في الدم والنفس.

وأكثر الناس وأشدهم شهوة الذين يملئون بطونهم، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قيل له: ألا نأتيك بجوارش -الجوارش. يعني: دواء يذيب الأكل في المعدة، علاج هضم-؟ فقال: وما جوارش؟! قالوا: للمعدة. قال: أنا لم أشبع منذ أربعة أشهر، لا أحتاج لجوارش. والمعدة الخالية يكون صاحبها أقوى قلباً، وإذا نظرنا إلى الخيل في مضمار السباق؛ فإن الفرس الذي له كرش لا يستطيع أن يعدو، وإنما الذي يسبق الفرس المضمر الذي لا بطن له، وأصابته المخمصة.

ومن أكبر الأدلة على مسارعة الصحابة إلى تنفيذ أمر الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم الاعتراض عليه ما ورد في حديث الأنصار بعد قسمة غنائم غزوة حنين، عندما جمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار وقال: لا يكن مع الأنصار أحد في هذه الخيمة، إذاً: الأنصار شعروا أن هناك خصوصية لهم، هذا أول ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قال لهم: يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم! (قالوا: يا رسول الله! قد قالها حدثاء الأسنان منا -أي: أما حكماؤنا فما قالوها- قال: يا معشر الأنصار! ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ ألم تكونوا عالة فأغناكم الله بي؟ ألم تكونوا متفرقين فجمعكم الله بي؟ والأنصار يقولون: الله ورسوله أمْنّ، ثم قال لهم: لو شئتم لقلتم: كنت طريداً فآويناك، وكنت...، وهم يقولون: الله ورسوله أمَنَّ، قال: لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، الأنصار شعار -الشعار: هو الثوب الملاصق للبدن مباشرة، وتحرص في هذا الثوب أن يكون ناعم الملمس، فيريد أن يقول: أنتم قريبون مني مثل الشعار من الرجل والناس دثار -أي: الملابس التي لا تلامس الجسد- ألا ترضون أن يرجع الناس إلى بيوتهم بالدينار والدرهم، وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فبكوا وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً ونصيباً) .

فانظر إلى هذه النماذج المضيئة من الصحابة الكرام وتمام متابعتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، يقولون: (أما حكماؤنا فما قالوها) الناس العقلاء.

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إني لأدع الرجل وهو أحب إليَّ)، وكان يعطي العطاء من يتألفه على الإسلام.

يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام عطاءً كبيراً، فجاء رجل آخر فأعطاه عطاءً أقل منه، فقال: يا رسول الله! أجزلت لفلان ولم تعط فلاناً، وإني لأراه مؤمناً. قال: أو مسلماً. فأعاد عليه سعد بن أبي وقاص هذه المقالة: إني لأراه مؤمناً. ورسول الله يقول: أو مسلماً، ثم قال: إني لأدع الرجل وأعطي العطاء من هو أقل منه؛ أكلهم لإيمانهم) لأن المؤمن إذا لم يعط لا يتضجر، بخلاف الرجل الذي أسلم لأجل المال فإذا لم تعطه المال كفر، وكم من رجال تألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام بالمال فحسن إسلامهم ورفضوا المال؛ لأن العطاء ليس شرفاً ولا منقبة، بل ينبغي أن يكون الإيمان لله تبارك وتعالى يلتمس الأجر منه، لا يسلم لدراهم ولا لدنانير.

فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة العملية حققوا فيها تمام المتابعة لله ولرسوله؛ لأنك إذا اتبعت النص سلمت، ومن سلم أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.

هناك فرق بين الشرط والركن، فالركن: جزء من الشيء.

ولنمثل مثلاً بالصلاة: فالركوع جزء من الصلاة، والسجود جزء من الصلاة، والقيام جزء من الصلاة، فهذه الأجزاء سميتها أركان: الركوع ركن، والسجود ركن، والقيام ركن، وتكبيرة الإحرام ركن؛ لأنها جزء من الشيء الذي هو: الصلاة.

أما الشرط: فهو جزء مستقل عن الشيء، لكن لا يقبل العمل إلا به، مثل: الوضوء للصلاة، فنقول: الوضوء شرط لصحة الصلاة، ولا نقول: الوضوء ركن؛ لأن الوضوء شيء والصلاة شيء آخر، ولكن لا تقبل الصلاة إلا بهذا الوضوء الذي هو شرط.

إذاً: الركن والشرط كلاهما ضروري في قبول العمل، لكن الركن جزء من العمل، والشرط ليس جزءاً من العمل، لكن لا يقبل العمل إلا بهما.

ويشترط في العمل الصالح شرطان هما:

1- تمام الذل لله سبحانه وتعالى.

2- كمال الحب.

وأما المتابعة فهي ركن من أركان العمل الصالح.

وترجع أهمية الحديث عن المتابعة إلى ما نلاحظه في زماننا هذا من محاولة التخلص من النصوص والتهكم بها، واختراع شيء جديد سموه: (روح النص)، (روح النص) له تعبير آخر في الأصول، وهو الدلالات الخفية، كدلالة الإيماء وغيره، لكنهم قصدوا بروح النص شيئاً آخر غير الذي يقصده علماء الأصول.

شاعر يتهم الله بالنوم

نشر أحد الشعراء ديوان شعر ما رأيناه، لكن عرفناه عن طريق أحد الحمقى، فقد اختار بعض نماذج شعرية من هذا الديون لينشرها بين المسلمين، ويبشرهم برجل صاحب خيال شعري جديد، فكان مما ذكره في المختارات المنتقاة؛ هذه العبارة البتراء الشوهاء، التي قال فيها ذلك المارق:

( الله في مدينتي ينام على الرصيف ).

فأنكر عليه! فقال: لا. الله هنا كناية عن الفضيلة، أنا أقصد أن العدالة والنزاهة والفضائل نائمة على الرصيف، بينما الرذائل تسكن الفنادق خمسة نجوم.

فنقول حسناً: لفظ الجلالة. لو فتحنا أي قاموس لغوي فهل من مفرداته ما ذكره الرجل؟

الألفاظ قوالب المعاني، فإذا جاز لك أن تخترم اللفظ ذهب المعنى، وإن اخترمت المعنى لم يدل عليه اللفظ، إذاً: هذا لعب، وهذا اللعب يمكن أن يمتد إلى الدنيا كلها، كرجل -مثلاً- يسب رجلاً، ويأتي أمام القاضي: فيقول: لا. بالعكس أنا مدحته، أنا قلت له: يا ابن السوداء، والسواد نصف الجمال، فأنا ما قصدت أن أذمه بل أمدحه. فبهذا تضيع الدنيا، ولا يعرف الفرق بين المدح والذم ولا بين السب، وغير السب إذا جاز اللعب بالمعاني والألفاظ بهذه الطريقة.

ولفظ الجلالة لا يجوز استخدامه بهذه الصيغة إطلاقاً، لأنه علم على الذات الإلهية: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] فلفظ الجلالة له خاصية، وهي: أنه الكلمة الوحيدة التي إن رفعت منها حرفاً لم يتغير معناها: (الله) ارفع الألف تكون (لله)، ارفع اللام تكون (له)، ترفع اللام تكون (هو)!

وبالإضافة إلى ذلك هو اسم علم غير مشتق، وهذا هو أوجه الأقوال، وقول كثير من العلماء أنه مشتق من (أله) فهو (إله)، لكن هو اسم جامد على الذات الإلهية، والعلماء الذين ذهبوا هذا المذهب يقولون: ( إن الذين قالوا بالاشتقاق قالوا: إن لفظ الجلالة الأصل ( له أو لاه )، ثم أضيفت الألف واللام للتعظيم فصارت (الله). فرد عليهم العلماء الآخرون وقالوا: لا. الألف واللام في لفظ الجلالة أصلية، ولم تدخل للتعظيم.

ونحن إذا أردنا أن نفرق ما بين الألف واللام وهل هي أصلية أو غير أصلية ندخل عليها ياء النداء؛ فمثلاً: (الرحمن) هل تريد أن تعرف الألف واللام في الرحمن أصلية أو غير أصلية؟ تدخل عليها ياء النداء، إذاً: تكون (يا رحمن) ولابد أن تحذف الألف واللام، وهذا يدلنا على أن الألف واللام غير أصلية في الكلمة، وإنما دخلت للتعظيم.

وكذلك (الرحيم): يا رحيم، (الرجل): يا رجل.. وهكذا، فكل اسم محلى بالألف واللام وتريد أن تعرف الألف واللام أصلية في أصل الكلمة أو دخيلة للتعظيم أو للعلمية أو نحو ذلك، أدخل عليها ياء النداء، فإذا أدخلت ياء النداء على لفظ الجلالة تصير (يا الله)، لم تحذف الألف واللام، وهذا يدل على أن الألف واللام في لفظ الجلالة أصلية، وهذا يرجح قول من يقولون: إنه اسم جامد علم على الذات الإلهية وليس مشتقاً.

فلما يأتي رجل ويقول: (الله في مدينتي ينام على الرصيف) ثم يأتي يقول لك: أن قصدي الكناية والاستعارة... إلخ.

وهذا وهذا تجهيل للنص ورفع لدلالته، وفيه خرق متسع جداً في مسألة الاتباع، ونحن ينبغي أن نحول بين هؤلاء وبين ما يريدون.

المطالبة بتولية المرأة الخلافة وإبطال نصوص المنع

أحدهم كتب مقالاً يتكلم عن الخلافة العظمى ورئاسة الجمهورية، وأن المرأة يجوز لها أن تتولى رئاسة الجمهورية، وهو يعلم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة) فيأتي ويضع هذا الحديث جانباً أو يزعم أنه مكذوب.

ووالله إن الإنسان ليتعجب عندما يسمع عن امرأة لبنانية، عنست وهي عازبة، تكتب في "جريدة الحياة" حصل نقاش في المجلة في باب (أنت تسأل والمفتي يجيب)، وكان المفتي أحد الباحثين المهتمين بالعلم، فوصلت إليه رسالة من قارئة تقول: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النساء أكثر أهل النار؟ فقال: نعم. هذا صح في البخاري ومسلم، وجاء الرجل بالأحاديث.

وفي الأسبوع التالي أرسلت المرأة مقالاً تستنكر فيه هذا الكلام. فتقول: كيف يكنَّ النساء أكثر أهل النار؟ من الذي صنع القنبلة الذرية غير الرجال؟ ومن الذي صنع الصواريخ والدبابات غير الرجال؟ من هم الذين أضاعوا الكون غير الرجال؟ والحروب التي قامت بين العراق وإيران، من سببها إلا الرجال... إلخ ما ذكرت. وتقول: والنساء ماذا فعلن؟! المفروض أن الرجال هم أكثر أهل النار؛ لأنهم هم الذي ضيعوا الدنيا، والنساء ما فعلن شيئاً، وأضف إلى ذلك أن هذا الكلام ليس مقنعاً.. لماذا؟

لأن الشيخ ذكر الحديث فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم في العيد وعظ النساء، وقال للنساء: تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فجعلت المرأة تلقي القرط من أذنها والمرأة تلقي بالخاتم، فقالت امرأة: لم يا رسول الله -لماذا النساء أكثر أهل النار؟- قال: لأنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، إذا أحسن إليها الدهر، ثم رأت سوءاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط).

فتقول المرأة اللبنانية: فهل يعقل أن الرسول -أبو الذوق كله- في يوم العيد، بدل أن يقول لهن: كل سنة وأنتن طيبات، يقول لهن: أنتن من أهل جهنم وبئس المصير.. هل يدخل العقل أن الرسول أحسن الناس خلقاً يوم العيد يضجر عليهن ويقول لهن: رأيتكن أكثر أهل النار، بدل أن يقول لهن: كل سنة وأنتن طيبات، ومن العائدين إن شاء الله. فتقول: هذا الكلام ليس مقبولاً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجل ذوق، وظلت تدندن في هذه المسألة.

فانظر كيف تعترض لتنتصر لأبناء جنسها؛ لأنها امرأة؛ فعظم عليها أن يكون أكثر أهل النار من النساء، وكأن هذه حقوق مثل الحقوق التي يريدون أن يأخذوها في الدنيا: أن المرأة لها مثل حقوق الرجل.

فاليوم نحن أمام حملة للتجهيل، فهذا الرجل جاء ليزيل العقبات أمام تولي المرأة للحكم، فأي نص يراه يحيل بين تولي المرأة لرئاسة الجمهورية والخلافة العظمى لابد أن يرد عليه، إما أن ينسفه، وإما ينفي دلالته، وإما أن يقول: موضوع، ولابد أن ينفيه.

فقال هذا الرجل: وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فإنه لم يحدث بهذا الحديث إلا أبو بكرة الثقفي

، وحدث به بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بنيف وثلاثين سنة.

حسناً: إلى ماذا يريد أن يصل بهذا الكلام؟ يريد أن يقول: إن أبا بكرة الثقفي افتراه وألفه؟ أو أنه يريد أن يقول: من شرط قبول الحديث أن الرجل عند موت الرسول يحدث بكل ما سمعه. فنقول له: إن الكلام يخرج لمقتضى، ولابد من حادثة حتى يخرج الحديث عليها، ويناسبها.

وأبو بكرة الثقفي رضي الله عنه قال هذا الحديث بسبب: ما حصل من الخلاف بين الصحابة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. فعندما التقى الجمعان وأوشكت الحرب أن تبدأ؛ خطر لـطلحة والزبير بن العوام -رضي الله عنهما وهما من العشرة المبشرين بالجنة- أن يأخذا عائشة رضي الله عنها، وتقوم أمام الناس؛ لأنهم يبجلونها ويوقرونها فهي أمهم؛ هكذا ظنوا، فذهبوا إلى عائشة ، وقالوا: أنت لو خرجتي سيكون هناك خير كثير، وستحقن دماء المسلمين، فرفضتعائشة كل ذلك، وهي تقرأ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] لكنهم في الأخير غلبوها على أمرها.

وأي رجل فينا لا يسعه أن يفعل إلا ما فعلت عائشة ، تصور أنك جالس في المسجد، وجاء إليك شخص يقول: هناك اثنان يتقاتلان بالسكاكين، وهما عند يرونك سوف يكفان عن القتال. فهل ستخرج أم تقعد؟ تخرج مباشرةً، فهذا هو الذي حصل لـعائشة رضي الله عنها، ظنت بإقناع طلحة والزبير أنها عندما تخرج ويراها المسلمون ستضع الحرب أوزارها، فخرجت معهم واستمروا بالسفر، فمروا على ماء، فإذا بكلاب تنبح، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: هذا ماء الحوأب -بئر اسمها الحوأب-. فقالت عائشة : ما أظنني إلا راجعة.. لماذا؟ قالت: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب) والجمل الأدبب هو جمل عائشة ، والذي بسببه سميت موقعة الجمل، والأدبب أي: كثير الشعر.

فقالت: (ما أظنني إلا راجعة). فلا زال طلحة والزبير يرغبانها في حقن دماء المسلمين، فغلباها على أمرها ومضت عائشة ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، ومضت عائشة رضي الله عنها وذهبت إلى هناك وقامت الحرب.

فعندما رأى بعض الصحابة والتابعين عائشة في صف معاوية انحازوا لصف عائشة ، وكما توقع طلحة والزبير أن كثيراً من المسلمين يبجلونها ويوقرونها فسينحازون إليها، فقام عمار بن ياسر يخطب، وقد كان يقاتل في صف علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع- فخطب خطبة وقال: (والله إني لأعلم أنها زوجة رسوله في الجنة، ولكن الله أراد أن يبتليكم أتطيعونه أم تطيعونها؟) وهنا أبو بكرة روى الحديث وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة).

مع أن عائشة رضي الله عنها عقلها يزن بلداً، ولو حكمت دولة الآن لصارت هذه الدولة في السماء بالنسبة للموجودين، فعقلها عقل كبير، وعائشة رضي الله عنها المعلمة، لما تقرأ كلامها في الأدب أو الشعر أو في الطب تقلب كفيك عجباً! منذ أن كانت في التاسعة إلى الثامنة عشر، -تسع سنوات- في بيت النبوة تنهل من العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها ويقربها، فحظيت منه بعلم ما لم تحظ زوجاته الأخرى، وتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام وعمرها ثماني عشرة سنة، وعاشت بعده أربعين سنة تبث العلم، ومع ذلك قام أبو بكرة الثقفي وقال هذا الحديث لأن مناسبته أتت.

مثلاً أخرج مروان بن الحكم المنبر إلى المصلى في صلاة العيد، والمفروض أن الخطيب يخطب في مصلى العيد وهو واقف بدون منبر، وكذلك قدم الخطبة قبل الصلاة، والسنة أنه يصلي ثم يخطب، فـمراون عكس الأمر -وهذا الحديث في صحيح مسلم- فقام رجل يقول: ما هذا الذي تفعله يا مروان ؟ خالفت الرسول عليه الصلاة والسلام وخالفت أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ، فقال له: (ذهب ما هنالك). فلما سمع أبو سعيد الخدري قول الرجل؛ قال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان) .

هل يمكن أن نقول: أن أبا سعيد الخدري ظل يكتم الحديث هذا في قلبه إلى أن أتى هذا الموضوع؟ لا. لكن ليس له مقتضى، كل كلام يخرج له مقتضى، والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه كان ينبه إذا وجد مقتضى التنبيه.

فمثلاً: نحن ما كنا نعلم أن خاتم الذهب لبسه حرام للرجال، وأنه جمرة من نار إلا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس ذهباً. فهل يمكن أن يأتي رجل لا يلبس ذهباً ويقول له: (يعمد أحدكم إلى الذهب فيضعه في يده) فيقول له: أين هو يا رسول الله؟! فلابد أن يكون هناك موقف، والرسول عليه الصلاة والسلام ما قال هذا الحديث إلا لما ظهر لهذا الكلام مقتضى حتى يقع الكلام موقعه. وإذا لم يكن للكلام مقتضى فيوجد له مقتضى حتى يقوله.

كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي هو وبعض الصحابة فوجد جدياً ميتاً أسك، -أي: مقطوع الأذنين- ملقى على قارعة الطريق، فقال لهم: (أيكم يشتري هذا بدرهم -والرسول عليه الصلاة والسلام يسأل وهو يعلم أنه لا يستحق حتى فلساً- قالوا: يا رسول الله! والله لو كان حياً ما اشتريناه -لماذا؟ لأنه أسك مقطوع الأذنين- قال: أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ -يعني: لو كانت غالية عليهم ما رموها على قارعة الطريق- قالوا: نعم يا رسول الله. قال: والله للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها) فأوجد رسول الله للكلام مقتضى.

فخلاصة البحث: أن كل كلام لابد أن يكون له مقتضى.

أفيعاب أبا بكرة الثقفي أن قال هذا الحديث في هذه المناسبة؟ لا. لو لم تأتِ هذه المناسبة أو مثلها ما قال أبو بكرة هذا الحديث -والله أعلم- إلا أن يسأله سائل مثلاً، والسؤال مقتضى.

وضع قواعد وأصول فاسدة لرد النصوص وتجهيل العاملين بها

نحن أمام مدرسة لتجهيل النص، وتجهيل العاملين به، ومحاولة الخلاص من النص، حتى النص الصريح يبتكرون له قواعد ينسفونه بها، وهي قواعد أهل البدع قديماً، فأهل البدع لما وجدوا ضربات أهل السنة قوية أرادوا أن يتترسوا.. فماذا فعلوا؟ جعلوا قواعد، والقواعد هذا مثل متاريس الحرب، فأول ما يأتي أهل السنة يردون عليهم يختبئون فيها، والقواعد هذه ألفوها من عند أنفسهم، كلما تقول له حديثاً يقول لك: هذا الحديث آحاد..

ماذا يعني (آحاد)؟ لماذا ترده؟

يقول لك: أصله آحاد، والآحاد معناه: ما رواه الواحد والاثنين والثلاثة، والواحد من الممكن أن يغلط.

مثلاً: أبو بكر الصديق معصوم؟

-لا. ليس بمعصوم.

يمكن أن يخطئ؟

نعم. يمكن أن يخطئ.

إذاً: ما الذي يدلك على أنه لم يخطئ في هذا الحديث؟ فيخاف الإنسان قليل العلم، ويحس أن المسألة عويصة، لكن رد عليه بنفس أسلوبه..

فقل له: حسناً: ما الدليل على أنه أخطأ؟

لو أننا مشينا بهذه الصورة التي هم يمشون بها سنغلق أبواب الشهادات، الرجل الذي يأتي يشهد أمام القاضي: قل (والله العظيم أقول الحق)، فيقول: والله العظيم أقول الحق.

لمن هذا المال؟ يقول: لفلان. إذاً: خذه يا فلان.

فأعطى المال بحلف الرجل لفلان.

ولو أن الرجل الآخر أتى بشاهد مثله فسوف يقول له نفس الكلام، وبهذا تضيع الحقوق!

إذاً: هناك فرق ما بين الشيء هل وقع حقاً أم هل يجوز أن يقع عقلاً؟ هناك فرق بين المسألتين، مثلاً: هل: الله عز وجل قادر على أن يخلق رجل بمائة ألف رأس أو غير قادر؟ قادر، ويخلق في كل رأس مائة ألف فم؟ قادر، ويخلق في كل فم مائة ألف لسان؟ قادر، ويخلق لكل لسان مائة ألف لغة؟ قادر، لكن هل وقع؟ لا.

إذاً: هناك فرق بين الجواز العقلي والوقوع الفعلي، ولا نخلط بينهما، فالعقل من الممكن أن يذهب إلى أبعد ما تتخيله مما ليس له ظل على الواقع.

فنحن نقول: الأصل أن هذا الرجل -طالما أن العالم ثَبْتٌ وجليل- فإنه لا يخطئ، إلا إذا أقمت الدليل على أنه أخطأ، والأصل أن الرجل -الذي وقف أمام القاضي ليشهد على قضية- أنه عدل إلى أن يأتي رجل يجرحه، ويقول: هذا الرجل مجروح؛ لأنه يشرب الخمر، أو لأنه ساقط المروءة، أو أنه عاق لوالديه... أو نحو ذلك. فإذا لم يأتنا جارح فالأصل فيه العدالة، وهذا ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب القضاء الذي أرسله إلى أبي موسى الأشعري فقال: (والمسلمون بعضهم عدول على بعض إلا مجلود في حد، أو مجرب عليه شهادة زور).

إذاً: الأصل في المسلمين العدالة بالنسبة للشهادة. إذاً: أنت تمضي شهادته، مع احتمال أن يخطئ.

كيف وهذا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء رجلان يختصمان على حق، كل يدعي أن الحق له، فقال: (إنما أنا بشر، وأقضي بينكم على نحو ما أسمع) يعني: قد يكون أحدكم له لسان قوي يقنعني أنه صاحب الحق، وصاحب الحق سفيه أو ضعيف، أو لا يستطيع أن يفصح، فحقه يذهب، ومع ذلك أنا عندما أعطي الحق لغير صاحبه؛ فأنا لم أخطئ، قال: (إنما أنا بشر -وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم- أقضي بينكم على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من الآخر، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار. فبكى الرجلان، وقال كلاهما: حقي لأخي يا رسول الله).

فأنت لما ترى أن الرسول عليه الصلاة والسلام من الممكن أن يقضي للمبطل لأنه ألحن بحجته؛ إذاً: نحن أولى وأولى، ولم يقل له الرسول عليه الصلاة والسلام: إن لسانك فصيح فمن المحتمل أن تكذب، ولذلك أنا لا أعطيك الحق؛ لأنه سيقول نفس الكلمة للرجل الآخر. وضاعت الحقوق.

إذاً: هناك فرق ما بين الجواز العقلي وبين الوقوع الفعلي، ونحن الآن نناقش الوقوع الفعلي.

وأنت تقول: إن الصحابي يمكن أن يغلط، فالسؤال: هل عندك دليل أنه أخطأ، إذا لم يكن عندك دليل أنه أخطأ فلابد من إمضاء قوله؛ لأن هذا الكلام يسري على واضع هذه القاعدة نفسه، كلما يقول شيئاً؛ أقول له: أليس من الجائز أنك أخطأت في وضع القاعدة؟

إذاً: أنت معصوم؟

فيقول: لا.

فأقول: أليس من الجائز أنك أخطأت في وضع القاعدة؟

فيقول: من الجائز أن أخطئ.

أقول: وما الذي يؤمنني أنك لم تخطئ في وضع هذه القاعدة؟

إذاً: نحن استخدمنا هذه القاعدة ولم يبق قول لقائل في الدنيا. فأهل البدع يقومون يوضع قواعد من عند أنفسهم يتقون بها ضربات وهجوم أهل السنة.

فيأتي -مثلاً- يقول لك: أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة.

لماذا؟!

يقول لك: لأن العقيدة لابد من اليقين فيها. الله عز وجل لا يعبد بشك أو باحتمال. إذاً: لابد أن نقبل إما نص قرآني وإما حديث متواتر عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

حسناً.. نحن جئناكم بالقرآن الذي هو قطعي الثبوت ولم يسلم من تأويلكم، وقد نقله الكافة عن الكافة، دعونا من السنة الآن وننظر في القرآن المنزل، ماذا فعلتم بالقرآن؟ أولتم القرآن، ما يؤمنني أنني إذا جئتك بحديث متواتر فعلت فيه مثل ما فعلت في القرآن، وأولت اللفظ بذاك التأويل الباطل: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] يقول لك: لا. ربنا سبحانه وتعالى ليس له يد؛ إذ لو كان له يد إذن: يشبه المخلوقين، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وما خطر ببالك فالله على خلاف ذلك.

حسناً قول الله تعالى: : فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] يقول لك: لا. الله ليس له عين؛ إذ لو كان له عين إذن شبهناه بخلقه.

كذلك حديث النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: (يضع الجبار قدمه في النار) أو (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) يقول لك: لا. ليس له إصبع وليس له قدم.. لماذا؟ يقول لك: لأننا لو أثبتنا له القدم لشبهناه بالخلق.

نقول: لماذا تقيسون الشاهد على الغائب؟ قياس الشاهد على الغائب من أبطل الباطل؛ لأنه يشترط في القياس التماثل، ولابد أن يكون هناك نظير ينطبق على نظير، لكن الضد على الضد لا يكون قياساً، كقياس الليل على النهار قياس باطل، وقياس النار على الماء قياس باطل، كذلك أنتم تقيسون الشاهد على الغائب لماذا؟!

حسناً: خذوا هذه الرمية: الله عز وجل حيِّ؟

يقولون لك: نعم. وأنا حيِّ؟ يقولون لك: نعم: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، هذه حياة الله عز وجل، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] هذه حياتنا نحن كلنا.

إذاً: أنت حيِّ والله حيِّ فكيف؟! يقولون لك: لا. حياته غير حياتنا؛ لأنه لا يقدر أن يقول: إن الله ليس بحيِّ.

أليست هذه مثل تلك؟ له يد كما يليق بجلاله كما أن له حياة تليق بجلاله، حياة كاملة، ونحن حياتنا تليق بقدرنا، كذلك أيدينا تليق بقدرنا، كذلك سمعه سبحانه يليق بقدره، كذلك سمعنا يليق بقدرنا.. وهكذا خذ جميع الصفات، فإذا قرأت قوله تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، هذا نفي، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] إثبات، فنفى المثلية وأثبت لنفسه السمع والبصر.

إذاً: نفهم من الآية: أن كل الصفات الثابتة لله عز وجل تحت قوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشورى:11]، فله يد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وله إصبع لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وهكذا.

فأصحاب البدع إذا أرادوا أن يبتدعوا بدعة؛ وضعوا لها قواعد وأصولاً ليتقون بها أدلة أهل السنة.