خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
حق النبي على أمته [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
إن من المستقر عند المؤمنين جميعاً أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فرض، وأنها أحد أركان الإيمان والإسلام، قال صلى الله عليه وسلم في تعريف الإسلام: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) وبقية الأركان مبنية على هذه الشهادة، فالشهادة هي القاعدة، فلا تقبل صلاةٌ ولا زكاةٌ ولا صيامٌ ولا حجٌ ولا سائر الطاعات إلا بعد أن يسلِّم المرء بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
معنى: أن محمداً رسول الله أي: لا متبوع بحقٍ سواه، كما أنه لا معبود بحقٍ إلا الله، فلا متبوع بحقٍ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شريك لله في العبادة، ولا شريك للنبي صلى الله عليه وسلم في الاتباع، واتباعنا للعلماء إنما هو من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإليها المرد في النهاية ، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر الذي يوزن عليه كل أحد.
إن أول حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة: أن لا يوضع في مقابله أحد، إذ لا يزنه أحد أصلاً، إذاً لا يوضع في مقابله أي إنسان كائناً من كان.
هذا ابن عباس أتاه جماعةٌ فجادلوه في متعة الحج، وكان ابن عباس يفتي بوجوب التمتع، فقال له القائلون: إن أبا بكر وعمر كانا لا يريان ذلك، فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: أبو بكر وعمر ؟! ) يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ترجمون بها؛ وذلك لمجرد أنهم رأوا رأياً لأفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأزكاهم باتفاق الأمة، ومع ذلك يستعظم ابن عباس أن يوضع أحد في مقابل النبي عليه الصلاة والسلام، هذا أول حقه علينا.
في مجادلات الناس مع الشباب والشابات وهم في طريق الالتزام، تجد كثيراً من الناس إذا أراد الشباب أن يعفي لحيته، وأن يحضر في حلقات العلم الشرعي، وأن يترك التعامل مع البنوك الربوية، وينتقدها فإنهم يقفون أمامه بالمرصاد ولكن دون جدوى، فالشاب ماض بعزيمة، وأيضاً الفتاة التي تريد أن تلبس الحجاب ماضية بعزيمة.
وفي الأخير: إذا لم يذعن الفتى أو الفتاة لما يريدون، يقولون له: أنت ليس لك كبير. ليس لك كبير أي: قدوة. أقول: لا والله، هذا له كبير ولا أكبر منه في سائر المخلوقات، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أنتم ليس لكم كبير؛ لأنكم خالفتم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ترجعوا إليه، وطاعته واجبة، ومخالفته تساوي ناراً وعذاباً، فمخالفته ليست بالأمر الهين.
فأول شيء عليك أن لا تضع أحداً في مقابله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يزنه أحد.
من لوازم تعظيمه صلى الله عليه وسلم محبته
روى البخاري من حديث عبد الله بن هشام قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد
روى ابن أبي الدنيا في كتاب: العيال: أن سفيان الثوري سئل لما مات ولده محمد ، وكان ولده الوحيد، وكان سفيان الثوري كلما رآه يقول: يا بني! لو مت قبلي لاحتسبتك، وكان يحبه حباً شديداً فلما مات ولده محمد ، سئل: ماذا فعلت يوم مات محمد ؟ قال: بلتُ دماً. بال دماً من الحزن على ولده.
لا سبيل إلى تغيير الطباع فمن المكن أن يحب إنسان إنساناً آخر إلى درجة الهلكة، ويغلب على حبه، مثل حب الوالد لابنه، وحب الطبع لا يحتاج إلى توصية، ولذلك أوصى الله الأبناء بالآباء وليس العكس قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وقال سبحانه: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151] وقال الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] وقال جل شأنه: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8] وقال عز من قائل: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15]، ولم يوص ربنا تبارك وتعالى الوالد بولده إلا في موضع واحد، قال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]؛ لأن الوالد مطبوع على حب الولد، ومغلوب عليه، فمثل هذا الحب المطبوع عليه صاحبه لا يقال له: أحب ولدك.
ولذلك ترى الأب عندما يمرض ولده، يذهب ويبحث في أرجاء الأرض عن طبيبٍ يرفع هذه العلة عن ولده بإذن الله، وينفق ماله كله، ويذهب إلى أبعد مكانٍ في الأرض، ثم يموت الولد ويفلس أبوه..! لا يندم الوالد على هذا الإفلاس أبداً، ولا يقول: يا ليتني سمعت كلام الأطباء عندما قالوا لي: لا تتعب نفسك، لا أمل. الطبيب يقول له: لا أمل، وهو يقول: الكلمة الأخيرة لله، أنا سأسعى. ويسعى بجد ونشاط، فكما قلت لكم: بعدما يموت الولد يكون هو قد أفلس، ومع ذلك لا يندم أبداً أنه أنفق كل ما يملك على ولده، برغم أنه قد سمع كلام الأطباء أنه لا فائدة.
بالمقابل انظر إلى حال الولد مع أبيه المريض الذي طالت علته، والولد ينفق على أبيه من مال أبيه وليس من ماله، ويطوف به على الأطباء، فيقابله صاحب له: ماذا فعل أبوك؟ يقول: ربنا يريحه.. لماذا؟ لماذا قلت هذه الكلمة؟! إذا كانت كلمة بكلمة قل: الله يشفيه، قل: الله يعافيه، قل لصاحبك: ادع لأبي بالشفاء؛ بالعكس إنما قال: الله يريحه، هو يريد أن يقول: الله يريحني منه، لكنه يستحيي أن يقول ما في دخيلة نفسه.
فانظر إلى هذا التباين، ما بين حب الطبع وحب الاختيار!
الولد يحب أباه حب اختيار، والوالد يحب ابنه حب طبع؛ لذلك يكون حب الاختيار أعلى في الميزان من حب الطبع؛ لأن معنى الاختيار أنك تتجاوز هواك، يعني: أن هناك مطاوعة بينك وبين هواك؛ لأن هذا حب اختيار.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم -يبين لنا التباين ما بين الحقَّين- : (لا يجزي ولدٌ والده) مهما فعل الولد، وتخيل كل شيء يمكن أن تفعله لأجل أبيك، فإنك لا تجزيه أبداً إلا في حالةٍ واحدة، إذا فعلتها وهي أن تجد أباك مملوكاً فتشتريه وتعتقه، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه)، في هذه الحالة الوحيدة التي يستوفي الوالد حقَّه من ولده.
إذاً حب الاختيار أمامه عقبات وهي: وقوف الهوى، والنفس، وقرناء السوء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عمر : (أنت أحب إليَّ من كل شيءٍ إلا من نفسي. قال: لا يا
إذاً معنى الحديث: كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر ! إنك لا تكون صادقاً في حبك لي إلا إذا آثرت رضاي على هواك، ولو كان فيه تلف نفسك.. هذا معنى الحديث: لا تصدق في حبي إلا إذا آثرت رضاي على هواك، ولو أدى اتباعي إلى هلاك نفسك.
اعلم يا أخي! أن هذا الحق إنما ينبني على شيءٍ ضروري، وهو: أن تحبه؛ فإن أحببته حققت هذا الحق الذي له صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري من حديث عبد الله بن هشام قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد
روى ابن أبي الدنيا في كتاب: العيال: أن سفيان الثوري سئل لما مات ولده محمد ، وكان ولده الوحيد، وكان سفيان الثوري كلما رآه يقول: يا بني! لو مت قبلي لاحتسبتك، وكان يحبه حباً شديداً فلما مات ولده محمد ، سئل: ماذا فعلت يوم مات محمد ؟ قال: بلتُ دماً. بال دماً من الحزن على ولده.
لا سبيل إلى تغيير الطباع فمن المكن أن يحب إنسان إنساناً آخر إلى درجة الهلكة، ويغلب على حبه، مثل حب الوالد لابنه، وحب الطبع لا يحتاج إلى توصية، ولذلك أوصى الله الأبناء بالآباء وليس العكس قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وقال سبحانه: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151] وقال الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] وقال جل شأنه: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8] وقال عز من قائل: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15]، ولم يوص ربنا تبارك وتعالى الوالد بولده إلا في موضع واحد، قال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]؛ لأن الوالد مطبوع على حب الولد، ومغلوب عليه، فمثل هذا الحب المطبوع عليه صاحبه لا يقال له: أحب ولدك.
ولذلك ترى الأب عندما يمرض ولده، يذهب ويبحث في أرجاء الأرض عن طبيبٍ يرفع هذه العلة عن ولده بإذن الله، وينفق ماله كله، ويذهب إلى أبعد مكانٍ في الأرض، ثم يموت الولد ويفلس أبوه..! لا يندم الوالد على هذا الإفلاس أبداً، ولا يقول: يا ليتني سمعت كلام الأطباء عندما قالوا لي: لا تتعب نفسك، لا أمل. الطبيب يقول له: لا أمل، وهو يقول: الكلمة الأخيرة لله، أنا سأسعى. ويسعى بجد ونشاط، فكما قلت لكم: بعدما يموت الولد يكون هو قد أفلس، ومع ذلك لا يندم أبداً أنه أنفق كل ما يملك على ولده، برغم أنه قد سمع كلام الأطباء أنه لا فائدة.
بالمقابل انظر إلى حال الولد مع أبيه المريض الذي طالت علته، والولد ينفق على أبيه من مال أبيه وليس من ماله، ويطوف به على الأطباء، فيقابله صاحب له: ماذا فعل أبوك؟ يقول: ربنا يريحه.. لماذا؟ لماذا قلت هذه الكلمة؟! إذا كانت كلمة بكلمة قل: الله يشفيه، قل: الله يعافيه، قل لصاحبك: ادع لأبي بالشفاء؛ بالعكس إنما قال: الله يريحه، هو يريد أن يقول: الله يريحني منه، لكنه يستحيي أن يقول ما في دخيلة نفسه.
فانظر إلى هذا التباين، ما بين حب الطبع وحب الاختيار!
الولد يحب أباه حب اختيار، والوالد يحب ابنه حب طبع؛ لذلك يكون حب الاختيار أعلى في الميزان من حب الطبع؛ لأن معنى الاختيار أنك تتجاوز هواك، يعني: أن هناك مطاوعة بينك وبين هواك؛ لأن هذا حب اختيار.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم -يبين لنا التباين ما بين الحقَّين- : (لا يجزي ولدٌ والده) مهما فعل الولد، وتخيل كل شيء يمكن أن تفعله لأجل أبيك، فإنك لا تجزيه أبداً إلا في حالةٍ واحدة، إذا فعلتها وهي أن تجد أباك مملوكاً فتشتريه وتعتقه، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه)، في هذه الحالة الوحيدة التي يستوفي الوالد حقَّه من ولده.
إذاً حب الاختيار أمامه عقبات وهي: وقوف الهوى، والنفس، وقرناء السوء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عمر : (أنت أحب إليَّ من كل شيءٍ إلا من نفسي. قال: لا يا
إذاً معنى الحديث: كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر ! إنك لا تكون صادقاً في حبك لي إلا إذا آثرت رضاي على هواك، ولو كان فيه تلف نفسك.. هذا معنى الحديث: لا تصدق في حبي إلا إذا آثرت رضاي على هواك، ولو أدى اتباعي إلى هلاك نفسك.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: كل شيءٍ أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في القرآن، وقد ورد هذا في القرآن صريحاً كما في سورة النساء، فأغلبه يدور على هذا المعنى، الذي هو من أول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] إلى قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فذكر الفعل مع لفظ الجلالة، وذكر الفعل مع الرسول، وأخلاه من أولي الأمر، ولم يقل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر)، فدلنا ذلك على أن طاعته تبارك وتعالى واجبة، وطاعته صلى الله عليه وسلم واجبة، وطاعة أولي الأمر خاضعة وتابعة لطاعة الله ورسوله، وليست مستقلة، فأوجب علينا تبارك وتعالى هذه الطاعة.
ثم قال بعد ذلك: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68].
يعني: لو أن الله عز وجل كتب عليك أن اقتل نفسك، فلا ينبغي لك أن تتردد، أو اخرج من دارك، فلا ينبغي لك أن تتردد، لو فعلت ما توعظ به لكان خيراً لك، حسن ما هو هذا الخير؟ ختمت هذه الفقرة بالبشارة وبالأجر، أن من أطاع الله ورسوله ولو أدت هذه الطاعة إلى هلاك نفسه، وإلى خروجه من ماله، وخروجه من داره، فهذا الرجل قال فيه الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:69-70].
فهذا هو الأجر، والتكاليف الشرعية في جملتها طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه جماعة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ يحتجون على الله يوم القيامة: الشيخ الهرم الذي جاء الإسلام ولا يعقل، يقول: يا رب! جاء نبيك ولا أدري شيئاً، والمجنون، والصغير -فهؤلاء يحتجون على الله، يعني: لو كنا عقلاء وجاءنا الرسول لآمنا- فيقول الله عز وجل: ألئن أرسلت إليكم رسولاً تؤمنون به؟ قالوا: أجل. فأرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار)، إذاً فجملة التكاليف الشرعية لهؤلاء هي امتثالهم لأمر ربهم بدخول النار.
إن الحرب الضروس على الملتزمين المتدينين لشيء عجيب!!
قال الأولون: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]، أهي جريمة أن أتطهر؟!
مثال واقعي: شاب كان يغازل البنات أو كان في عصابة إجرامية، لا يصلي، فأول ما بدأ يلتزم وأعفى لحيته وواظب على حضور صلاة الجماعة في المسجد، وترك الربا، فبدلاً من أن يفرحوا بتوبته والتزامه، إذا بهم يشعلون الحرب ضده .. لماذا؟ بأي عقل..؟ وفتاة منتقبة تقوم عليها الحرب، وتقوم عليها الأسرة الواسعة الطويلة العريضة، ويجبرونها على خلع نقابها.. لماذا..؟! فهذا الملتزم يعاني من البلاء بسبب التزامه بدين الله، وقد يضحي برقبته في سبيل الله، وقد يسجن ولا يخرج إلا محمولاً على الأعناق، وقد يسجن ويخرج وهو مصاب بأمراض، ومعه عاهات، ومع ذلك هو ثابتٌ على الطريق، كل هذا لو جمعته لساوى النار؛ نار الابتلاء التي ابتلى الله بها أولئك المحتجين عليه بالصغر وبالجنون وبالكبر الذي لا يعقل صاحبه شيئاً .
يقول عليه الصلاة والسلام: (فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، فمن أبى أن يدخلها سحب إليها، ومن دخلها وجدها برداً وسلاماً)، يعني: هذا الذي أبى الدخول في النار لو عاش، وكان سليم الأعضاء وجاءه نبي لعارضه، قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28].
فحب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، المقصود به حب الاختيار، الذي يمليه العقل والإيمان.
إذاً: أنت لا تستطيع أن تطيع النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا أحببته، فما هو السبيل إلى حبه؟ كيف تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
النظر في وصفه صلى الله عليه وسلم يوصل إلى محبته
قال القائل:
وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى إلى غايةٍ ما بعدها لي مطلب
فلما تلاقينا وعاينت حسنها تيقنت أني إنما كنت ألعب
هذا هو الفرق بين إنسان يتعلق بمعنى من معاني المحبة، ولكنه عند مشاهدة من يحبه يعلم أنه كان يلعب، أي: لعظمه ومكانته وحسنه وأنه لم يقدره حق قدره.
إنما يُحب المرء لصفاته وشمائله، فكلما كان أقرب إلى الكمال، كان ينبغي أن يكون هذا الإنسان أوفى في مسألة المحبة له.
إننا إذا وفقنا في الإجابة عن هذا السؤال، فالنظر في وصفه صلى الله عليه وسلم حتى يكون رأي عين يعيننا على استيفاء هذا الحق، وإنما يحسن تصور المرء بقدر ما يعطي قلبه وأذنه للكلام؛ فإنه إذا أعطى أذنه وقلبه عاين، أو كان قريباً من المعاينة، والفرق ما بين المعاينة والسماع المجرد كالفرق بين السماء والأرض.
قال القائل:
وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى إلى غايةٍ ما بعدها لي مطلب
فلما تلاقينا وعاينت حسنها تيقنت أني إنما كنت ألعب
هذا هو الفرق بين إنسان يتعلق بمعنى من معاني المحبة، ولكنه عند مشاهدة من يحبه يعلم أنه كان يلعب، أي: لعظمه ومكانته وحسنه وأنه لم يقدره حق قدره.
إنما يُحب المرء لصفاته وشمائله، فكلما كان أقرب إلى الكمال، كان ينبغي أن يكون هذا الإنسان أوفى في مسألة المحبة له.
وأنت إذا تأملت في صفات الله تبارك وتعالى، وأمعنت النظر فيها؛ غُلبت على حبه، لأجل هذا نتمنى إذا طرح باب الأسماء والصفات على الناس أن لا يطرح بالطريقة الأكاديمية الموجودة في الكتب، إنما نريد أن نحبب الخلق في الله، نريد من الخلق أن يحبوا الله، وأوسع هذه الأبواب باب الأسماء والصفات.
وأنت تقرأ القرآن تأمل خواتيم الآيات، وتأمل أسماء الله وصفاته مع سياق الآيات، إن كنت ذكياً وعاقلاً بحثت في هذا الكون عن مقتضى لكل اسمٍ من هذه الأسماء.
فمثلاً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] عندما تنظر وتتأمل صفة الإحياء المشتملة على الرحمة في قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الحج:5] أرجو أن تعطيني سمعك؛ لأن الآيات لها سياق وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج:5] ثم قال تعالى : وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:5-7]، وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت:39].
انظر إلى هذا الربط ما بين خلق الإنسان وما بين الأرض؛ إنما يتكون المرء جنيناً في بطن أمه، والنساء هن الأرض التي تبذر فيها النطفة، فتخيل امرأةً لا تنجب، وطافت على الأطباء وقالوا لها: لا أمل. تستطيع أن تصف حالتها بأنها ذابلة، وحزينة، ولا أمل لها.
قال تعالى: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً [الحج:5] (هامدة) أي: خاشعة، وأظهر علامات الخشوع: الذل والانكسار.
(فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ...) فمثل المرأة كمثل الأرض، فإذا ذهبت المرأة إلى طبيب وقال: مبروك، أنتِ حامل، اهتزت وربت، وربربت، وتورد وجهها، وصار لها في الدنيا أمل، فإذا تأملت هذا في الناس وفي الأرض علمت معنى المحيي، وبان لك هذا الاسم، هو صحيح موجود في القرآن، لكن إذا ربطته بالواقع زاد إيمانك، إذاً هناك علاقة ما بين نمو الإنسان في بطن المرأة وما بين الأرض، فالمرأة مثل الأرض، كما قالت امرأة أبي حمزة لما هجرها؛ لأنها لا تلد الذكور قالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا غضبان أن لا نلد البنيينا
والله ما ذلك في أيدينا إنما نحن كالأرض لزارعينا
أي: نحن نخرج ما قد يبذر فينا
ولذلك لا عهدة على المرأة في مسألة الذكور والإناث، رجل متزوج امرأة لا تنجب إلا البنات باستمرار، فيذهب الرجل ويتزوج بأخرى لكي تلد أولاداً ذكوراً، فالمرأة ليس لها دخل بمسألة الإنجاب سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً.
فانظر إلى آثار الله عز وجل في هذا الكون، واربطه بأي اسم من الأسماء والصفات...
ومثل اسم (الوكيل) عندما يظلمك إنسان تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وترى المظلوم يذهب إلى القسم ويشتكي ممن ظلمه، ومع ذلك يفتري عليه، مع أنه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، إذاً هذا الإنسان لم يفهم معنى (الوكيل) وإلا لما ذهب وعمل تقريراً مكذوباً، إذاً ما معنى الوكيل أو الكفيل؟
لا يكون الوكيل وكيلاً حتى يحفظ، ولا يكون كفيلاً حتى يحفظ، فإذا لم يحفظ لم يكن لا كفيلاً ولا وكيلاً.
وإليك قصة الخشبة التي رواها البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسلف رجل من رجلٍ ألف دينار، فقال الرجل: ائتني بكفيل. قال: كفى بالله كفيلاً، قال: ائتني بوكيل. قال: كفى بالله وكيلاً. قال: ائتني بشهيد، قال: كفى بالله شهيداً، قال صدقت، وأعطاه الألف دينار على أجل) بعد ما انتهت المدة المضروبة أراد الرجل أن يوفي دينه إلى صاحبه، وكان بينهما بحراً وهاجت الريح وانقطعت حركة الملاحة، وحيل بينهما.
الرجل صاحب المال منتظر على الشاطئ الآخر، والرجل المدين على الشاطئ الثاني، فلما يئس المدين أن يجد مركباً أتى بخشبةٍ فنقرها، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: (ربِّ! إنك تعلم أنني جئت فلاناً فقلت: أسلفني ألف دينار. قال: ائتني بشهيد، قلت: كفى بالله شهيداً. فرضي بك، قال: ائتني بكفيل، قلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك. قال: ائتني بوكيل، قلت: كفى بالله وكيلاً، فرضي بك، وأني استحفظك هذه الخشبة...) -ووضع الألف الدينار في الخشبة وسمر عليها، وقذف بها في البحر.
ما معنى خشبة في بحرٍ لجي، الأمواج فيه كالجبال، أليس من السهل أن تبتلع هذه الخشبة وتذهب؟ لكن الله وكيل، أي: حفيظ، كفى بالله كفيلاً، ولذلك البخاري افتتح كتاب الكفالة بهذا الحديث، ليقول لك: لا يكون كفيلاً إلا من يكون حفيظاً، فإذا ضيع لا يكون كفيلاً، ولا يكون وكيلاً.
... فلما رمى بالخشبة في البحر، وذهبت الخشبة وصلت إلى الرجل في الشاطئ الآخر، وجعلت تتأرجح على الموج تروح وتجيء، (فلما يئس الرجل أن يرى مركباً، ونظر إلى الخشبة فقال: آخذها أستدفئ بها أنا وعيالي، فأخذها، فلما ذهب إلى البيت نقرها فإذا صرةٌ تنزل منها، فتح الصرة فإذا بكتاب من صاحبه إليه: إنه قد حيل بيني وبينك، وإني قد استودعت الشهيد والكفيل الخشبة. فأخذ الرجل الخشبة، وعلم أن صاحبه عجز أن يصل إليه
ولذلك كثير من الناس يفهم كفالة اليتامى غلطاً، النبي عليه الصلاة والسلام لما قال للصحابة -كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد -: (أنا وكافل اليتيم كهاتين ...) فبعض الناس يتصور أنه عندما يلقي بعشرة جنيه أو عشرين جنيهاً لكفالة اليتيم وكفى يتصور أنه حقق الكفالة وسيأخذ هذا الأجر.. أبداً.
(أنا وكافل اليتيم...) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يتم بعد احتلام)، فأول ما يبلغ الولد الاحتلام سقط عنه حكم اليتم، وأول ما تبلغ المرأة المحيض لم تعد يتيمة.
إذاً قبل الاحتلام وقبل المحيض هو طفل صغير، وصبي صغير، أو طفلة صغيرة، لا يدبر أمر نفسه، هذا الولد ماذا فقد؟ فقد أباه، فلا تأخذ هذا الأجر إلا إذا كنت في موضع الوالد من هذا اليتيم، تذهب إليه، وترعاه، وتتفقد أمره، إذا كان مريضاً تسعى في علاجه، إذا كان في المدرسة تتابع ملفاته… أنت ولي أمره، تنزله بمنزلة الولد.
إذا فعلت هذا كنت كافلاً؛ لأن الكفيل بمعنى الحفيظ، وليس من أعطى يتيماً مبلغاً من المال يكون كافلاً له، لا. لكن لا شك أن هذا فيه خير، لكن لا يصل إلى ذلك الفضل أن يكون هو والنبي صلى الله عليه وسلم كهاتين، والحافظ ابن حجر يقول: وإن كان هناك فرقٌ بين الإصبعين لكن ليس بينهما إصبع ثالث، وهذا يدل على المتاخمة، وعلى قرب ما بين هذا الكافل وما بين النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً ظلمك شخص وقلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فإياك أن تعمل شيئاً محرماً، كأن تذهب وتفتري عليه، وتعمل تقريراً مكذوباً.. لماذا؟ لأنك جعلت الله وكيلك، وهذا شرفٌ لك أن يكون الله وكيلك، أنت لا يمكن أن تعطي توكيلاً رسمياً لخائن، أو لشخص تظن انه يمكن أن يبيع أملاكك، لا تعطي عادةً التوكيل إلا لرجلٍ يحفظ لك حقك، سواء كان توكيلاً مؤقتاً أو خاصاً أو عاماً، ولا يتصور أن توكل خائناً أبداً.
فمعنى أن تجعل الله وكيلك فإنه سيستوفي لك يقيناً، أكثر من استيفائك لنفسك، فلما تقول: حسبي الله ونعم الوكيل تحقق من معنى اسم (الوكيل) وتأمله، لو تحققت من معناه وملأ قلبك؛ لتركت كل شيءٍ له، قال سبحانه وتعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] ما الذي حصل لهم؟ قال عز وجل: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174]، فهذا جزاء الوكالة، فأنت لا تحب ربك إلا إذا ربطت ما بين الأسماء والواقع؛ لترى آثار الأسماء الحسنى في حياتك.
حدثني بعض الذين كانوا يوصلون أموال الزكاة إلى الفقراء، قال: ذهبت إلى بعض الفقراء في منتصف الليل، وكنا في الشتاء -ومنتصف الليل في الشتاء يعني لا يوجد أحد قط في الشارع- قال: ولما أوصلت الأمانة للفقير حتى لا يراه الناس ولا يراني الناس وأنا أعطيه؛ حفاظاً على شعوره وإحساسه، قال: وأنا راجعٌ إلى بيتي سمعت غطيط نائم، قال: وكانت الدنيا باردة، والجو مطير وفيه رعد وبرق، فلفت نظري هذا الغطيط، ولا يصدر للمرء غطيط إلا إذا كان مستغرقاً في نومه، قال: فتتبعت الصوت، فإذا رجلٌ متسولٌ نائمٌ على الرصيف، وقد تدثر بملاءة ممزقة!
فبتعلقك بربك، ومحبتك له سبحانه يجعلك تنظر إلى هذا الفقير النائم وتربط حاله باسم من أسماء الله وهو الرحمن، وتعلم علم اليقين كيف أن الله عز وجل جعل هذا الرجل يستمتع بالنوم برغم بؤسه، أكثر من ذلك الغني الذي في بيته وعنده ما يستدفئ به، فقد استووا، إذا وقعت فيما وقع فيه ذلك الفقير أو وقعت في ضائقة تذكرت هذا الرجل المتسول، وتذكرت اسم (الرحمن) فيعطيك الأمل، تقول: كما رحمه سيرحمني.
فإذا أردت أن تحب ربك فراقب بعين التأمل أسماءه الحسنى، ثم ابحث لها عن مقتضى في هذا الكون، ولا بد أنك واجد إذا وظفت عقلك وذكاءك، وهذا الأمر مطرد، إذا أردت أن تحب أي شيء فانظر إلى صفاته، يهون عليك اتباعه والبذل في سبيله، فنبينا صلى الله عليه وسلم الذي لا يجوز لك أن تضع واحداً في مقابله، كيف تحبه؟ وكيف تحقق هذا الحق له فعلاً؟ تحقق الحب كما لو قام الناس في صعيدٍ واحد، وأمروك بضد ما أمر صلى الله عليه وسلم، فإنك تفضل الهلكة على أن تعصيه، كيف تحقق هذا؟ انظر إلى شمائله صلى الله عليه وسلم، هل سبقه أحدٌ في أي باب؟ أبداً، تذكر أي بابٍ من أبواب الفضائل يخطر على بالك ستجده في المقدمة، ونضرب لذلك الأمثال، فإن هذا يعين المرء على حسن التصور..
في باب الوفاء مثلاً: إذا استحضرت أن الغدر مر وسيء، ولا تحتمله نفسك؛ عظمت قيمة الوفاء، فانظر إليه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، ونحن سنمر على أبوابٍ كثيرة؛ لأن هذه المحاضرات تعينك على محبة النبي عليه الصلاة والسلام وتعلمك كيف تحبه حب الاختيار، بمعنى لا تقدم قول أحدٍ على قوله ولو كان فيه تلف نفسك، ولو لم يكن لك فيه مصلحة ألبتة، لا يدفعك إلى سلوك هذا السبيل الصعب إلا الاختيار الذي دافعه الحب والإيمان.
باب الوفاء ضرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة حتى مع أعدائه، جاء في صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: لم أشهد بدراً لا أنا ولا أبي، السبب في ذلك أن المشركين لقوهما مهاجرين إلى المدينة، فقالوا لهما: إلى أين؟ قالا: إلى المدينة . فقالوا لهما: إنكما ستقاتلاننا مع محمد. قالا: بل نحن متوجهان إلى المدينة. قالوا: لا نترككما إلا إذا أعطيتمانا العهد أن لا تقاتلا معه، فأعطوهما العهد على ذلك، ومضيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصا عليه ما جرى، فقال عليه الصلاة والسلام: (وفوا لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) وهم أعداء وهم محاربون لهم، قال: (وفوا لهم عهدهم، ونستعين الله عليهم).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.