خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
طبقات الناس الأربع
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الإخوة الكرام! جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام الترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: فرجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يتقي الله فيه، يصل به رحمه، ويعرف لله فيه حقه؛ فهذا بأفضل . ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته؛ فهما في الأجر سواء. ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله، لا يرعى لله فيه حقه، ولا يصل به رحمه؛ فهذا بأخبث المنازل. ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته؛ فهما في الوزر سواء
هذا الحديث قسم الناس إلى طبقات أربع، لا يخرج رجل على الإطلاق من واحدة منها، هناك طبقة أساسية وأخرى تابعة، فالناس في الحقيقة طبقتان رئيسيتان: الطبقة الأولى: هي أفضل المنازل، والطبقة الثانية: هي أخبث المنازل، والرجل الثاني والرابع كلاهما تابع.
بأفضل المنازل على الإطلاق، فهو رجل آتاه الله مالاً وعلماً، فما الذي رفع الرجل الأول؟ إنه العلم، والرجل الثالث: بأخب المنازل لقد آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فما الذي انحط بهذا الرجل؟ إنه الجهل.
إذاً الممدوح في هذا الحديث هو العلم وليس المال، لذلك كان الرجل العالم الثاني الفقير بأفضل المنازل أيضاً، وهذا يدلك على أن صاحب المال غير ممدوح إلا إذا انضاف إلى هذا المال علم.
لا يشترط أن يكون الغني عالماً، ولو كان عالماً فبها ونعمت، ولو لم يكن عالماً فليتعلق بعالم.
إن المال وحده لا يمدح صاحبه بمجرده، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة -وفي رواية: القرآن، وفي رواية: العلم- فهو يقضي بها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) إذاً الرجل الثاني: (رجل آتاه الله مالاً) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وإنما ذكر صاحب المال بعد صاحب العلم؛ لأن المال لا يمدح إلا بعلم؛ ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما ذكر صاحب العلم لم يذكر معه شيئاً، قال: (رجل آتاه الله علماً) ولما ذكر صاحب المال قال: (ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) فذكر هذا القيد (في الحق)؛ لأن العبد إذا سلط ماله على هلكته في الباطل كان مذموماً، من أين للرجل الجاهل الغني أن يعلم أن هذا حق أو باطل إلا بعلم؟! فإما أن يكون عالماً أو يتعلق بعالم.
إذاً الممدوح الأعظم في هذا الحديث هو العلم، ولله در علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قال: ( كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس بأهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه ). لو رميت أي إنسان بالجهل احمر وجه من الغيظ حتى لو كان كذلك، عيره بأي شيء إلا الجهل، هذا مما يدلك على أن العلم ممدوح.
ومن شرف العلم أن يخلد ذكر صاحبه عبر القرون، أين الأغنياء أيام الإمام مالك وأيام الإمام أحمد وأيام الإمام البخاري ؟ هل لهم ذكر؟ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [مريم:98] ؟
إنما نحن الآن نذكر هؤلاء الأئمة أكثر من آبائنا وأمهاتنا، وكلما ذكرناهم ترضينا عنهم، هذه بركة العلم، لذلك قدمه الرسول عليه الصلاة والسلام.
والعلم ممدوح في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تبارك وتعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، وقال تبارك وتعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]وقال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، قال البخاري رحمه الله: قدم العلم على كلمه التوحيد؛ لأن الله عز وجل لا يعرف إلا بالعلم.
والعلم بحر لا ساحل له، يرده الناس فكل يأخذ على قدر ما طاقته، كل إنسان معه إناء يغترف من البحر على قدر الإناء الذي معه، هناك إنسان يرد على القرآن فلا يكاد يأخذ منه شيئاً، وهناك رجل يرد فيغترف منه الكثير، لذلك هناك فرق بين الذي يقرأ القرآن وهو عالم به والذي يقرأه هذاً.
مثلاً: من أوسع أبواب زيادة الإيمان، باب أسماء الله عز وجل وصفاته، كلما تدبرت هذا الباب كلما ارتقى إيمانك مع كل مرة تتدبر فيها، مثلاً اقرأ قوله عز وجل -وهذه الآية أولى الناس بها هم النساء-: تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت:39].
الخشوع هو الذل سواءً كان في أهل النار، كما قال الله عز وجل: أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [النازعات:9]، أو في المؤمنين المخبتين قال: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] خاشعون: أي ذليلون.
وقال تعالى: تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [فصلت:39] وكذلك المرأة التي لا تحمل تراها خاشعة ذليلة منكسرة؛ لأن مهنتها الأولى في الحياة أن تلد، تحمل وتضع، هذا بعد عبادة الله عز وجل، إذا لم ترزق المرأة بالحمل فإنها تكون في غاية الذل والخشوع، كالأرض تماماً: فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [فصلت:39] فإذا أنزلنا عليها الماء -أي: حملت- اهتزت وربت، ترى البشرى على وجهها، وتحس هذه المرأة وتشعر بطعم الحياة، مثل الأرض تماماً.
وهذا مثل المرأة التي قالت لزوجها:
مالِ أبي حمزة لا يأتينا غضبان ألا نلد البنينا
تالله ما ذاك بأيدينا إنما نحن كالأرض لزارعينا
نخرج ما قد يغرس فينا
فالمرأة كالأرض تماماً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت:39] وترى هذا المعنى جلياً واضحاً في أول سورة الحج، أي: الربط ما بين الأرض والمرأة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج:5] هي هذه المرأة والحمل وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:5-6].
فإذا قرأت المرأة هذه الآيات وتدبرتها على هذا النحو؛ ازداد إيمانها إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى [فصلت:39] أحياها بعد أن كانت تحتضر كل يوم، فأحياها الله عز وجل، وأحيا أملها، وجدد رغبتها في الحياة لما حملت ووضعت.
فلما نقرأ القرآن على هذا النحو، تقرأه بقلب شاهد خاشع، فإننا سنخرج بمعان جديدة، وآلة ذلك: العلم؛ لذلك العلم ممدوح في ذاته، فأول رجل ممدوح على وجه الأرض بعد النبيين، وهو هذا الرجل الذي آتاه الله علماً ومالاً.
أول بركات العلم أنه يحيي قلبك ويسددك.
الرجل الثاني: الذي آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، وقد وصل إلى هذه المنزلة الرفيعة بالعلم.
لذلك أحسن اختيار من يتأسى به، فهذه من بركة العلم، إما الرجل الرابع الجاهل الذي لم يحصل الدنيا ولا الآخرة، لا علم ولا مال، لما أراد أن يقلد بسبب جهله اختار أسوء رجل، فمثله كمثل الرجل الذي ورد ذكره في الحديث الضعيف الذي رواه أبو الشيخ في كتاب الأمثال، وأنا أذكره ليس كحديث: (مثل الذي يسمع الحكمة فيأخذ شر ما فيها، كمثل رجل أتى راعي غنم، فقال: يا راعي الغنم! أعطني شاة ناوية -أي: سمينة- فلما رآه الراعي طماعاً، اختار له، فقال له: لا، أريد الأخرى. قال: دونك الغنم، اختر ما شئت، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم). لما وكله إلى اختيار نفسه اختار الكلب، استسمنه فاختاره؛ لأنه وكله إلى اختياره هو.
فهذا الرجل الرابع لما أراد أن ينظر إلى من يتأسى اختار أشر رجل، أما صاحب العلم فقد اختار أفضل رجل؛ لذلك ما ضره أن يكون فقيراً؛ فقد رفعه الله بالعلم حتى صار بنيته مع صاحب العلم والمال.
الرجل العالم إذا آتاه الله المال وضع المال في موضعه، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (آتاه الله علماً ومالاً فهو يتقي الله فيه: يصل به رحمه، ويرعى لله فيه حقه؛ فهذا بأفضل المنازل) فانظر كيف رتبها، قال: (يصل به رحمه)، ثم: (يرعى لله فيه حقه).
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح) لاحظ هذه (الحاء) كأنه فحيح ثعبان!
أحد أرحامك يحقد عليك، يكرهك، ينفث عليك كالثعبان كاشح.
أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الذي يكرهك، من الذي يتبنى هذا؟ أهل العلم.
لما تستل غيظ هذا الرجل وتنزع سخيمة صدره بخمسة جنيهات، هذا أرخص ما يكون، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أفضل الصدقة) والأفضلية هنا يوضحها الحديث الآخر: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صلة وصدقة) .
أهل العلم هم الذين يقدرون المصالح والمفاسد، لذلك أول ما يصل يصل رحمه، وأما صاحب الجهل فهمه هم نفسه.
أهل العلم يتصدقون على أصحاب المعاصي، وهم يرون أن ذلك ربما كان أنفع من الصدقة على الإنسان المستقيم، وأسوتهم في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إني لأعطي الرجل وأدع غيره وهو أحب إلي، أكِله إلى إيمانه) .
إن رمضان داخل على الأبواب، وأغلب الناس يخرجون زكاة المال في رمضان، فأعط أصحاب المعاصي من مالك، ولكن لا تعطهم بغير رقابة منك؛ حتى لا يستعين به على معصية الله، وتأسى بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ( ومالك لن تسع به كل الخلق؛ فخص به أهل الفضل ) أنت لست دولة من الدول لكي تنفق على كل الخلق، لكن اجعل لمالك مردوداً دعوياً.
رجل -مثلاً- لا يصلي، فأنت أعطه منه المال، وقل له: نلتقي في المسجد، فإذا لم تره في المسجد؛ اتصل به: هل
أنت مريض؟! ما رأيتك في المسجد اليوم، سيقول لك: أنا صليت في مسجد آخر.. هذه حركات أنت تفهمها، لكن تابعه.
تقول له: إذاً نلتقي في المسجد المرة القادمة، أين أولادك؟ لماذا لا يحفظون القرآن؟ كل هذا بعشرة جنيهات.
الإحسان يدق العنق، لكن لا تتبع الإحسان بسيئة؛ فإن الإحسان لا يحيا إلا بإحسان، أنت لو أحسنت إلى إنسان ثم أسأت إليه وذلك بأن ذكرته بالإحسان يقول لك: لكن أنت أسأت إلي. فيضيع إحسانك في مقابل الإساءة.
فأنت لو أردت أن تحيي إنساناً أحسن إليه، لا يحيي الإحسان إلا الإحسان، وقد ضربنا مثلاً في هذا المجلس قبل ذلك بحديث أم زرع ، قلنا: لو أن رجلاً أتى بكسوة ونفقة وأكل وشرب، وصعد إلى الدور الخامس يحمل كل هذه الأشياء، وما وصل إلى باب الشقة إلا وقد عرق عرقاً شديداً، ثم وضع هذه الأشياء وقال: خذوا لعل ذلك يثمر فيكم. فهذا يكون قد ضيع ماله كله. ولو دخل وليس معه أي شيء وقال: والله لو استطعت أن آتي لكم بلبن العصفور لأتيت لكم به، أنتم تستحقون أكثر من هذا، لكن الله المستعان، ربنا يوسع علينا. سيقولون لك: يكفينا رؤيتك، ربنا يعطيك العافية.. فهذا أوجد الإحسان بالكلمة الطيبة!
انظر إلى الرجل الذي ذهب ليزور أخته، ودخل فارغ اليدين، لم يحضر معه موزاً ولا برتقالاً ولا تفاحاً ولا أي شيء، لما دخل قال لها: والله يا أختي أنا مررت بموز ممتاز، وتفاح أحمر جميل وبرتقال أصفر يقول: هيت لك، ولكن لم يكن معي مال لأشتريه، قالت له: لا تتعب نفسك، فزيارتك لنا كافية. لم يأت بشيء، هذا كله كلام في كلام!
فالإنسان إذا لم يستطع أن يفعل الشيء إذاً يتكلم الكلام الجميل، الإحسان لا يحيا إلا بإحسان، أنت إذا أردت أن تحسن إلى هذا الرجل فأمد في الإحسان إليه، ولا تشعره أبداً أنك متفضل عليه، بل قل له: أنت المتفضل علي؛ لأنك الذي أعطيتني الحسنة، أنا ما أعطيتك شيئاً، هذا مال الله، لكن لقبولك هذا المال أنا أجرت، إذاً أنت لك الفضل علي.
بهذه الطريقة تأخذ أصحاب المعاصي، وتكون قد ضممت رجلاً شارداً إلى ركب المؤمنين، ولا يفعل هذا إلا أهل العلم.
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول -كما روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه-: (قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج فوجد امرأة لا يعرفها، فوضع الصدقة في يدها، فأصبح الناس يقولون: تصدق الليلة على زانية. فعلم أن ماله وقع بيد هذه المرأة، فقال: الحمد لله على زانية -هو غضبان لأن الصدقة لم تقع في موقعها الذي يريد، هو يريدها لرجل مستحق، لكنه أعطى زانية!- فقال: لأتصدقن الليلة بصدقة -هو يريد أن يعيد الصدقة حتى تقع في موقعها الذي يريد هو- فقابل رجلاً فأعطاه الصدقة، فأصبح الناس يقولون: تصدق الليلة على سارق. فقال: الحمد لله على سارق. لأتصدقن الليلة بصدقة، فقابل رجلاً فأعطاه الصدقة، فأصبح الناس يقولون: تصدق الليلة على غني. فجاءه ملك في صورة رجل، قال له: أما صدقتك فقبلت -طالما ابتغيت بإخراجها وجه الله - وأما الزانية فلعلها تستعف، وأما السارق فلعله يتوب، وأما الغني فلعله يخرج الذي عنده) هذه الصدقة ذهبت إلى ثلاثة لا يستحقها أحد منهم من وجهة نظر المعطي، لكن انظر إلى آثارها، كم من امرأة سلكت سبيل الزنا بسبب الحاجة؟! كم من رجل سرق بسبب الحاجة؟!
هذه أحد الأسباب الرئيسية في وجود مثل هذا النمط، يعني المرأة لماذا تعمل، مع أن الرجل مسئول عن النفقة عليها، وهي شرط قوامته على المرأة؟ قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] إذاً الرجل له القوامة على المرأة بشيئين: بما فضل الله بعضهم على بعض، والشطر الثاني: وبما أنفقوا من أموالهم، إذاً هو الرجل المسئول، لا المرأة، فلا ينبغي للمرأة أن تأخذ الوظيفة ويظل الرجل قاعداً على الرصيف لا يجد عملاً، لماذا لا تدخل المرأة إلى بيتها، وتُعطى نصف المرتب، ويعطى الرجل النصف الآخر، ويزاد عليه نصف آخر، فيتزوج هذا الرجل العاطل وينفق؟!.
لكن أي رجل لا يجد عملاً ولا يجد مصدراً للرزق ماذا يفعل؟ يدخل في أي عصابة من العصابات، إذاً نحن ندفع شراً عظيماً عن المجتمع بأن نوجد لهؤلاء عملاً يسترزقون منه.
إذاً أنت لا بد أن تعرف أن كثيراً من الذين عصوا الله عز وجل إنما عصوه بسبب الحاجة، الرجل هذا لو كان -مثلاً- من أهل العلم فلا يضره أن يقول الناس: أعطى سارقاً، أو أعطى زانية، هذا لا يضره؛ لأن الرجل عالم وعارف. فأنت أعط هذا الشارد وتابعه.
وأنت تعرف قصة أصحاب الغار، كان منهم الرجل صاحب المرأة، حيث قال: (اللهم! إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأصابتها سنة -أي: مجاعة وحاجة- فجاءتني تطلب مالاً، فراودتها عن نفسها فأبت، فجاءتني تطلب مالاً، فراودتها عن نفسها فرضيت).
نفهم من كلمة: (جاءتني فأبت ثم جاءتني فرضيت)، أنها اعتصمت بعفتها، وصانت عرضها، وذهبت تبحث عن من يعطيها مالاً ولا تفرط في عرضها فلم تجد، فرجعت إلى ابن عمها.
وهذا مثال حي: امرأة قبلت الزنا بسبب الحاجة.
إذاً صاحب العلم هو الذي يقدر مثل هذا.
ويقول الله عز وجل: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] أي: نعم ما فعلت أن تظهر الصدقة أمام الناس، هذا محله إذا أمنت من الرياء؛ لأنك إذا تصدقت ورآك رجل آخر، فقال: وأنا لماذا لا أخرج؟! فيخرج، فيراه الثالث فيخرج، إذاً إظهار الصدقة خير للفقير من إخفائها، بينما إخفاؤها خير لك أنت؛ لأنك ستحفظ عملك وتحفظ إخلاصك، ولذلك قال تعالى : وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] وليس لهم، فالخير لهم أنك تظهر الصدقة ولا تخفيها؛ لأن هناك نوعاً من الغيرة والتنافس، فالرجل هذا يتصدق ويقتدي به هذا ويتصدق، ولذلك هنا يقول لك: (وأما الغني فلعله يخرج الذي عنده).
قال في الحديث: (ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو صادق النية -هكذا عند
(هو ونيته) ترجمة هاتين الكلمتين في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فالنية عبادة مستقلة لا تفتقر إلى غيرها، وكل العبادات تفتقر إلى النية، وانظر إلى الرجل الثاني كيف وصل إلى مرتبة الأول! لتعلم جلالة النية وخطورتها.
إنما ضيعنا على أنفسنا كثيراً من العبادات والأعمال المباحات بعدم عقد النية،انظر إلى ما يقول الحديث : (إنما الأعمال بالنيات -يعني: لا عمل إلا بنية- وإنما لكل امرئ ما نوى -ثم ذكر النيتين- فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله) التكرار علامة التعظيم والإكبار؛ هذه هي طبيعة التكرار.
والتكرار إما أن يكون للتأسيس أو التوكيد، فهذا تعظيم وتفخيم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -لم يقل: فهجرته إليهما، إنما قال:- فهجرته إلى الله ورسوله) كقول الله تبارك وتعالى: قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ [يوسف:74]* قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:75] هذا أعظم من تعيين العقوبة، لو قالوا: جزاؤه من وجد في رحله أن يجلد؛ لكان أقل، إنما: قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:75] يعني الذي يخطر على بالكم افعلوه، إذاً هذا أبلغ للعقوبة من أن يعين عقوبة.
وكذلك قول الله عز وجل: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] هذا أعظم من تعيين الأجر كأن يقول: له الجنة، له الفردوس الأعلى، له كذا وكذا.. لا، طالما وقع أجره على الله، فتخيل أنت كيف يكون الأجر!
فهنا تعظيم الهجرة إلى الله ورسوله، بخلاف الشطر الثاني: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها) ما قال: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، إنما أضمر وأجمل، والإجمال تحقير.
وتأمل هنا: (فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة) والمرأة من الدنيا، فكان كافياً أن يقول: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فأفرد ذكر المرأة للاهتمام بها والإشعار بفتنتها وخطورتها.
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (أضر: أفعل تفضيل، أعظم فتنة يبتلى بها الرجل المرأة، تجد الرجل الضخم يصير صغيراً جداً أمام المرأة!
ربنا سبحانه وتعالى قال هكذا، قال يوسف عليه السلام: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ [يوسف:33] من الصبوة، أي: يصير كالصبي، وكم من أملاك الناس انتقلت إلى النساء في لحظات إقبال الرجل على شهوته، فبينما هو في أوج شهوته تقول له: وقّع، فيوقع على كل شيء، ويعمل أي شيء، وينفذ كل طلباتها، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر النساء! ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم منكن!).
إذا رأيت الرجل خارج البيت وجلست معه تقول: هذا الرجل لو أن عقله وزع على أمة من المجانين لصاروا عقلاء، لكن هذا العقل الكبير يتوارى أمام المرأة! لذلك كانت فتنة النساء فتنة عظيمة ولا يعصمك منها إلا الله.
يوسف عليه السلام نبي عريق النسب، النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن يوسف فقال: (هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) من مثله؟! فلو جاز لإنسان أن يعصم من الدنايا لعراقة نسبه لعصم يوسف عليه السلام، ومع ذلك قال لله عز وجل: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33] إنها فتنة عظيمة!
لذلك كل المؤتمرات التي تعقد باسم التنمية والبيئة المقصود بها النساء: مؤتمر السكان، مؤتمر الغذاء، مؤتمر الكساء، أي مؤتمر تجد المرأة لها نصف جدول الأعمال في ذلك المؤتمر.
مؤتمر السكان كان المقصود به إفساد المرأة، لأنهم خرجوا من المؤتمر بثلاثة أشياء:
الشيء الأول: الدعوة إلى الاختلاط في الدراسة.
بعض المدارس هنا في القاهرة كانت تفصل بين الجنسين، والآن بدأت تفتح باب الاختلاط بدعوى أن الميزانية انتهت. لذلك نجد الاختلاط من الابتدائي إلى الجامعة، الوالد بجانب البنت، وهذا الاختلاط يكون نتيجته ظهور الفواحش.
إن الزنا لا يكون إلا برضا المرأة، تسعمائة وتسعة وتسعين امرأة من الألف تجد المرأة هي المسئولة عن الزنا، وامرأة واحدة من الألف تغتصب، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى لما ذكر الزناة قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2].
ممكن البنت تكون متربية في بيئة نظيفة، فحتى مع هذا الاختلاط لا يصل الولد إليها، فقالوا: لابد إذاً من عامل مساعد حتى تتم الفاحشة، ما هو العامل المساعد؟ تجريم الختان!!
ظهر التقرير الرسمي في الصحف أنها عادة جاهلية لا تمت إلى الإسلام بصلة، كأنهم يخاطبون الصم البكم العمي، افتح أي كتاب فقه صغيراً أو كبيراً ففيه الحديث عن سنن الفطرة، تجد الختان مذكوراً، افتح أبواب الطهارات والغسل تجد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) وما زال إلى الآن في الأزهر ومناهجه تدرس الختان، كيف تأتي وتقول: عادة جاهلية؟!! هذا الرجل يتهم خمسة عشر قرناً بمن فيه من المسلمين بارتكاب العادة الجاهلية!
إذاً: ما هي الأدلة؟
قال: بنات الرسول عليه الصلاة والسلام لم يختتن.
فهل عندك دليل أنهن لم يختتن؟
لا لم يرد دليل.
إذاً لم يختتن كيف؟!.
أنت يا رجل تدعي دعوى، أين الدليل على أن بنات النبي صلى الله عليه وسلم لم يختتن؟ يعني بنت أبي جهل تختتن وابنة الرسول لا تختتن.
وآخر يقول لي: وأنت ما أدراك أن بنت أبي جهل اختتنت؟
أقول لك: إن الختان كان عادة فاشية في العرب، هذا هو الأصل في البيئة العربية، فهل اليهود يختتنون والمسلمون لا يختتنون؟! كان العرب يختتنون، وكان العرب عندهم إذا أراد أحدهم أن يسب الآخر يقول له: يا ابن القلفاء. والقلفاء: هي المرأة التي لم تختتن.
والمرأة إذا لم تختتن تكون كثيرة الحنين للرجال، فكأنه لما شتمه قال: يا ابن المرأة الكثيرة الحنين إلى الرجال، أي: غير عفيفة.
فإذا كان هذا الخلق فاشياً عند العرب فلماذا بنات الرسول عليه الصلاة والسلام هن اللاتي يستثنين دون نساء العرب؟
انظر كيف يتهم الرسول!! ويهون عليهم أن يرموا بناته بمحاربة الاختتان، من أجل أن يصل إلى قضية! أراد أن يبني قصراً فهدم مصراً!
والراجح في المسألة: وجوب اختتان المرأة وليس استحباب ختان المرأة، ولا يوجد دليل صارف عن الوجوب إلا حديث منكر في مسند الإمام أحمد ، ويتضح من لفظ الحديث وسياقه أن عليه صنعة الفقهاء، كأنه فتوى، والرجل المجرب لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: هذا ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، والحديث يقول (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء) هل هذا شكله حديث؟! وسند الحديث ضعيف، وهو منكر.
وآخر يقول: إذاً ما دعواك على وجوب الختان، وأن المرأة إذا لم تختتن فهي آثمة؟ الدليل قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123].
حسناً! ما هو وجه الاستدلال في الآية؟
نقول: إن هذه الآية لما يضم لها قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم) ( على قولين: قالوا: إنه اسم المكان الذي اختتن فيه.
لكن الراجح أنه اسم الآلة التي قطع بها الجلدة التي تواري الحشفة.
إذاً اختتن إبراهيم عليه السلام بالقدوم، وقد أمرنا أن نتبع ملة إبراهيم وجوباً، إذاً يجب علينا أن نختتن.
لكن يأتي آخر ويقول لك: الكلام هذا للرجال، ما الذي جعلك تدخل النساء فيه؟
نقول: إن كل الأدلة الشرعية إذا قيلت؛ فإنه يقصد بها الرجال والنساء معاً، حتى يأتي دليل على تخصيص فئة دون فئة، هذا هو الأصل في الأدلة ( مثل قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي) للرجال والنساء، (: خذوا عني مناسككم) للرجال والنساء، (: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) للرجال والنساء، كل دليل من القرآن والسنة فالأصل فيه قصد الرجال والنساء إلا أن يأتي دليل يخصص الرجال عن النساء.
فهل ورد دليل يخصص الرجال عن النساء في هذا؟
أبداً، لم يرد دليل صارف، إذاً بقي الأمر على الوجوب، وهذه فتوى الشافعي ، بل جماهير الشافعية على أن الختان واجب.
فلما يأتي آتٍ فيقول: لا يوجد الختان في دين الله. ينبغي أن يعاقب؛ لأن إخرج الحق من الدين مثل إدخال الباطل فيه.
والرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (إذا التقى الختانان) قال الإمام أحمد : لما قرأت هذا الحديث استدليت به على مشروعية ختان المرأة، أي: إذا التقى فرج الرجل مع فرج المرأة، هذا اختتن وهذا اختتن فقيل: الختانان.
ثم إن الختان من سنن الفطرة، وسنن الفطرة هي القدر الثابت في كل الشرائع الذي لا يتبدل، ولهذا كانت اللحية على قول من صحح الحديث من سنن الفطرة.
فقال: إذاً نحن لما نجرم الختان، فهذا يكون عاملاً مساعداً لتهيج المرأة حتى لو كانت عفيفة، فتطلب رجلاً، هذا ثانياً.
ثالثاً: حسناً.. إذا هيجناهم ووقعوا في الفاحشة، ماذا ستكون الثمرة؟
ستكون الثمرة حملاً، لكن نحن مجتمع مسلم، أضف إلى ذلك نحن مجتمع شرقي، سيقتلون الطفل مباشرة، إذاً ما العمل؟
قال: نبيح الإجهاض.
انظر مع أن الإجهاض محرم في قانون الطب حتى الآن، لكن القوانين معهم، سيلغون قانون تحريم الإجهاض، ويضعون قانوناً يبيحه، وعيادات الأطباء التي تجهض الحمل عيادات سيئة السمعة، وأي طبيب نساء وولادة لما تقول له: أنت تجهض؟ يقول لك: أعوذ بالله، لا أعمل هذا الشيء أبداً. ويرفض.
لكن ستمضي بك الأيام حتى تقرأ لافتة في عيادة طبيب النساء والولادة: عندنا إجهاض، تفضل، وتصبح المسألة أمراً طبيعياً.
إن في إفساد المرأة فساد الدنيا والآخرة، ولذلك اليهود أفسدوا الدنيا بالمرأة.
لما سافرت إلى أمريكا حكوا لي حكاية شاب ملتزم من بلد يعلوه الإسلام، وكان هناك يحضر الدكتوراه، المهم وهو في سكنه طُرق الباب، فتح فوجد بنتاً في غاية الجمال، هذه البنت ما أتت لتعرض نفسها، هذه البنت أتت لتبشر بالإنجيل، تدعو إلى الله على مذهبها.
فقالت: معنا كذا وكذا وكذا، وأريدك فقط أن تتبعني، أعطني خمس دقائق فقط لأعرض عليك ما عندي. قال لها: لا، قالت: ما رأيك أن أستمع لك أنت؟ قال: نعم. فاستمعت إليه حتى انتهى.
ثم قالت: حسناً.. أنا استمعت لك، ومن العدل أن تستمع لي، كلامك جميل، لكن استمع لي، نحن نقول: كذا وكذا وكذا.
المهم بعد نحو شهرين حصل نوع من العلاقة ما بين هذا الرجل وهذه المرأة النصرانية، هي ما استقطبته في واقعة، هي تريد أن تدعو لدينها، ولا تريده نصرانياً، وهي لا تريده مسلماً، إذا صار نصرانياً ماذا سيفيدهم؟ لن يستفيدوا شيئاً.
كانت نهاية هذا الرجل المحزنة أن اشترك في قناة جنسية، تعرض على التلفاز.
إن المرأة إحدى جزئيات الدنيا، فهي داخلة فيها، فكان يكفي أن يقول: دنيا، حتى نعرف أن المرأة من الدنيا، لكن أفرد المرأة بالذكر إشارة إلى عظمة فتنتها، كقول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ [الأنعام:162] المحيا تدخل فيه الصلاة والنسك، لكن الله أفرد الصلاة والنسك إعلاماً بشأنهما، ثم ذكر العموم بعد ذلك قوله: (ومحياي).
ولقد صح أن أبا طلحة رضي الله عنه جاء يخطب أم سليم ، فقالت له: يا أبا طلحة ما مثلك يرد، لكن أنت امرؤ كافر وأنا مسلمة، فإن تسلم، فذلك مهري لا أطلب غيره.
فقال: وكيف لي بذلك؟
قالت: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
فجاء أبو طلحة ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءكم
قال ثابت بن أسلم البناني : فما أعلم أن امرأة كانت أكرم مهراً منها. لأن مهرها كان الإسلام.
لكن يمكن أن يأتي أحدهم ويقول: هذا أبو طلحة أسلم ليتزوج أم سليم ، فهل هذه الصورة داخلة في الحديث : (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)؟
فيقال: قال العلماء: إذا تزاحمت نيتان فأولاهما أسبقهما، كيف؟
رجل ذهب إلى الجهاد بقصد إحراز الغنيمة، فإذا كان إحراز الغنيمة متقدماً على جعل كلمة الله هي العليا، لم يأخذ شيئاً من جهاده، كذلك الرجل إذا ذهب إلى الحج بقصد التجارة، فإن كان قال في نفسه: سأذهب وأتاجر وفي نفس الوقت أحج، يكون أسبق النيتين هي الماضية والحاسمة.
فواحد يقول: إذاً ما أدراك أن الإسلام كان أسبق؟
نقول: هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (جاءكم
إذاً النية عبادة مستقلة، لا تفتقر إلى عمل، فلو نوى رجل الجهاد في سبيل الله وانعقد قلبه على هذه النية فمات؛ كان له ذلك وإن لم يحمل سيفاً.
الرجل الثاني في الحديث يقول: (لو أن لي كفلان، فهو ونيته -أي: له ما نوى- فهما في الأجر سواء).
فواحد يقول: إذاً الرجل الأول تعدى خيره بشيئين، والرجل الثاني تعدى خيره بشيء واحد، ولا شك أن من تعدى خيره بشيئين أفضل ممن تعدى خيره واحد، فكيف صار مثله؟!
الرجل الأول رجل آتاه الله علماً ومالاً؛ فنفع الناس بالعلم والفتوى، وأطعم الفقراء بالمال، إنما الرجل الثاني نفع الناس بالعلم فقط؛ إذاً الرجل الأول المفروض أنه أفضل منه للناس. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (فهو ونيته فهما في الأجر سواء).
فالراجح من أقوال العلماء: إن هذه التسوية سببها أن فقر الرجل الثاني ليس اختيارياً، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره من حديث ابن عمر وأبي موسى الأشعري قالا: قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس) ثم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الديانات الثلاث: (أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها إلى نصف النهار، ثم عجزوا) معنى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام كرجل استأجر أجراء، وقال لهم: اشتغلوا من الصباح إلى المساء بأجرة كذا، فجاء واستأجر اليهود، فاشتغلوا إلى نصف النهار وتعبوا، وقالوا: لن نستطيع أن نكمل، ولا حاجة لنا في أجرك. فأتى بأجراء آخرين فاشتغلوا من العصر إلى غروب الشمس -الذي هو عمر هذه الأمة- فأعطى الآخرين مثل أجر الفريقين جميعاً، فقال الأولون: كنا أكثر عملاً منهم وهم أكثر أجراً منا! هذا مثل، ففي الحديث قال الله لليهود والنصارى: : (هل ظلمتكم من أجوركم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء).
أنا قلت لك: تشتغل إلى آخر النهار بعشرة جنيهات، ونصف النهار بخمسة جنيهات، وأنا أعطيتك خمسة جنيهات، لكن هذا الرجل جاء واشتغل ساعة واحدة فقط فأعطيته مائة جنيه، أنا ما ظلمتك، أنا أعطيتك الأجر المتفق عليه، وهذا مالي الذي أعطيته.
فالله عز وجل تفضل على الرجل الثاني ورفعه إلى مرتبه الرجل الأول؛ لأن فقره ليس اختيارياً، هل عرض عليه مالاً وأبى؟! لا. لكن الله قدر الفقر عليه فلا يؤاخذه بما قدر عليه من الفقر.
الرجل الثالث -الذي آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً- شيخ هذه الطائفة قارون، آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، وكل أغنياء الأرض الآن رأس مالهم كله هي الفكة التي كانت مع قارون: وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] رجل غني جداً.
قارون يضرب به المثل في الغنى، والله تبارك وتعالى قد سجل قصته في آخر سورة القصص، قال عز وجل: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76]* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77] انظر إلى النصائح الجميلة! قالوا له: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ [القصص:77].
هنا نكتة لطيفة: كلمة: (ما)، في (فيما)، كان قارون معه مالاً، فقالوا له: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ [القصص:77] أي: ما معك سخره للدار الآخرة. فـ(ما) هنا يقول العلماء: إنها من صيغ العموم، لكن المقصود بهذا العموم المال دون سواه؛ لأن الذي جاء به السياق هو المال، مع أن اللفظ جاء عاماً شاملاً لكل شيء.
والعلماء يقولون: قد يكون الكلام على جهة العموم ومعناه على جهة الخصوص، كيف؟
مثلاً لفظة: (الناس) عموم، يدخل ضمنها اليهود والنصارى والمسلمين والمجوس وكل الناس، قال الله تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، أي: كل الناس، وقد أكد ذلك بمؤكدين: كلمة (الناس) فيها الألف واللام إذا دخلت على النكرة تفيد العموم، وكلمة (جميعاً) في آخر الآية أفادت العموم أيضاً، فالمقصود بالناس هنا كل الخلق.
ونقرأ قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ [الحج:27] الناس هنا هم المسلمون فقط، مع أن هؤلاء ناس وهؤلاء فهذا لفظ عام لكن معناه الخصوص.
إذاً: ما الذي يجعلنا نعرف أن (ما) في هذه الآية تفيد الخصوص؟
قلنا: السياق؛ لأن السياق من المقيدات، أنت مثلاً لو جاءك ضيف: وقلت له: تفضل، أنت عزيز علي وكريم، تفضل، وعزمته على العشاء. ماذا تفهم: هل أنا أهين أم أكرم؟ أُكرم.
لكن عندما نقرأ قول الله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] إهانة أو إكرام؟ إهانة، دل على ذلك سياق الآيات.
كذلك نحن نقول: السكوت علامة الرضا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تستأذن البكر. قالوا: يا رسول الله! إن البكر تستحيي) يعني إذا قلت لها: يا ابنتي! جاء فلان الفلاني يريد أن يتقدم إليك ويخطبك، فإنها تستحيي وتخفض رأسها ولا تتكلم، إذاً سكوتها هذا علامة رضا، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذنها صماتها).
لكن جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري في حديث طويل جاء فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فبلغ فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم الغرفة ووكل بالغرفة رباح -غلام الرسول- وقال له: اجلس على باب الغرفة حتى لا يدخل أحد، قال عمر بن الخطاب : فجئت فاستأذنت رباحاً . فقلت له: ائذن لـعمر . فدخل ثم خرج، قال: ذكرتك له فصمت. قال عمر : فجلست بجانب المنبر
ففهم عمر أن السكوت هنا ليس علامة رضا فلم يدخل، لأن السياق يفهم أن الرسول غضبان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه على حسب الإشاعة الشائعة التي ظهرت.
إذاً نحن نعرف أن السكوت علامة للرضا أو للغضب من خلال السياق.
كذلك قصة كعب بن مالك في تخلفه عن غزوه تبوك قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر -تبسم- استنار وجهه كأنه قطعة قمر، ولما رجع الرسول عليه الصلاة والسلام من تبوك، جاء المعذرون من الأعراب الذين تخلفوا عن غزوه تبوك يعتذرون، والرسول صلى الله عليه وسلم يقبل منهم. قال
فالعلماء يقولون: إن السياق من المقيدات.
إذاً كلام قوم موسى مع قارون هو بخصوص المال، و(ما) هنا وإن كان ظاهرها العموم لكن المراد بها المال، أي: ابتغ في مالك الدار الآخرة.
وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] وهنا درس للدعاة إلى الله عز وجل: أن يراعي مقتضى الحال.
عندما تقول لغني: اخرج من كل مالك، دعه وراء ظهرك وتعال ورائي، هذه ليست طريقة دعوة؛ لأنه لن يخرج، لكن إذا قلت له: استمتع بالمباح، كل واشرب على مزاجك، طالما أنه حلال فلا بأس.
لكن هناك من العلماء من قال في تفسير: ولا تنس نصيبك من الدنيا أنه الكفن، وهذا التفسير فيه قسوة في الدعوة، والأصح أن نجري اللفظ على ظاهره: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] أي: تمتع بالمباحات ما شئت، دون إسراف، ولا تجرده من المال كله.
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77] انظر إلى التذكير! يا إخوان! الغنى الطارئ يسوء به الخلق، لذلك تجد الطبيب الذي أبوه طبيب يعامل زملاءه معاملة رقيقة، وطالما أنه أستاذ في الجامعة، أول ما يرى زميله يقول: تعال، تفضل أنت زميلي، ويظهر له التودد والتلطف، هناك فرق بين معاملة هذا الطبيب الذي هو طبيب وأبوه طبيب وجده طبيب وبين الطبيب الذي هو الوحيد في أسرته طبيباً.
كذلك الإنسان العريق في الغنى تجد في غناه طعماً، بخلاف الإنسان الذي طرأ عليه الغنى مثل قارون، يكون لئيماً خسيساً، لا يتذكر نعمة الله عليه.
ولا أدل على ذلك من القصة الشهيرة التي رواها مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان ثلاثة ممن كانوا قبلكم أراد الله أن يبتليهم: أقرع وأبرص وأعمى في بني إسرائيل، فأرسل إليهم ملكاً، جاء للأبرص وقال له: ما تشتهي؟ قال: أشتهي لوناً حسناً وجلداً حسناً، وأن يذهب عني ذلك الذي قذرني الناس من أجله. قال له: أي المال تحب؟ قال له: الغنم. أعطاه الغنم وقال له: بارك الله لك فيه. ذهب للأقرع: ما تشتهي؟ قال: شعراً حسناً، وأن يذهب عني ذلك الذي قذرني الناس من أجله. قال له: أي المال تحب؟ قال له: البقر. قال له: خذ البقر، بارك الله لك فيها. ذهب للأعمى: ما تشتهي؟ قال: أن يرد الله علي بصري، وأن يذهب عني ذلك الذي قذرني الناس من أجله. قال له: أي المال تحب؟ قال: الإبل. قال: هذه ناقة عشراء، بارك الله لك فيها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فكان للأول وادي من الأغنام، وللثاني وادي من الأبقار، وللثالث وادي من الإبل
ثم جاءت ساعة الامتحان، فجاءهم نفس الملك، لكن أتى الأبرص بصورة رجل أبرص، لكي يحنن قلبه، عندما يراه يقول: سبحان الله! أنا كان شكلي هكذا، الحمد لله الذي جملني، فيتذكر.
ربنا سبحانه وتعالى من لطفه يعطيه مقتضى يتذكر به البلاء فيشكر؛ لأن هناك من الناس من ينسى، فيذكره.
فلما جاء في صورة الأبرص، قال له: (أنا عابر سبيل انقطعت بي الحبال، ولا حيلة لي إلا بالله ثم بك، فهل تعطيني -ما قال له: نصف الغنم أو ثلثها أو ثلاثة أرباعها- غنمة واحدة فقط، أتبلغ بها في سفري، حيث أنني عابر سبيل انقطعت بي الحبال، وليس لدي أي حيلة؟ قال له الرجل (اللئيم): الحقوق كثيرة
وهناك أناس يعاملون الله عز وجل بهذه المعاملة، يكون تاجراً كبيراً ويقول لك: والله هذه السنة أنا خسران، وتجده قد بنى عمارة وبدَّل السيارة. المعلوم أن التاجر الخسران يبيع، لا يسدد ولا يشتري. هذا التاجر يحسب من الألف مثلاً يكسب خمسين جنيهاً، إذا خسر عشرين يعتبر نفسه خسران، هو يحسبها هكذا، ويقول لك: والله هذه السنة أنا خسران.
إن الله عز وجل يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] وهل الله عز وجل يريد منك شيئاً؟! أنت ملكه!
ولقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يد الله ملأى لا يغيضها شيء، سحاء الليل والنهار... ينفق كيف يشاء) انظر كم أنفق منذ خلق السماوات والأرض، لما قرأت هذا الحديث اقشعر جلدي، ثم طلعت في دماغي فكرة: الشارع الذي أسكن فيه به حوالي خمسين بيتاً، فقلت: أنظر الخمسين بيتاً هذه كم تساوي مليوناً، وطبعاً افترضت تفصيل الشقق عندهم مثل شقتي، هناك طبعاً أناس تفصيلهم مختلف، مثلاً واحد هنا يملك (فيلا) في ميدان لبنان مكونة من شقتين فوق بعض، في عمارة بها سبع عشرة غرفة، يريد أن يبيعها بمليون وسبعمائة ألف، يقول لي الشخص الذي كان يستقبل مكالمات المشترين: أحدهم اتصل بي، يقول لي: الفيلا بكم؟ قلت له: بمليون وسبعمائة ألف. قال: الظاهر أن تفصيلها غير جيد.
انظر يا أخي! هذه الدنيا كيف تمشي، سبحان الله!
فأنا قلت: سأحسب تكلفة هذه المباني بعد أن حصرت البيوت، المهم عملت حسبة كانت نتيجة الخمسين بيتاً نحو خمسة وستين مليوناً، باعتبار أن متر الأرض بألفي جنيه، ولك أن تحسب: المتر الأرض بكم، وانظر البيان الكلي بكم، والتخطيط بكم...!
هذا نصف شارع في بلد أو ربعه، فلو أخذت الشارع الذي بجانبه، ثم تأخذ المدينة، ثم تأخذ المحافظة، ثم تأخذ الدولة، ثم تأخذ الوطن، ثم تأخذ العالم كله، ثم انظر هذا العالم كله كم يساوي مليوناً.. فالله سبحانه وتعالى يصرف عليه منذ خلق السماوات والأرض.
إذاً: هذا العالم كله في النظام العالمي الجديد، لو أرادوا أن يعملوا تكييفاً مركزياً للعالم ليدفئوه لنا في الشتاء، هل يستطيعون؟ وكم يصرفون على ذلك؟
إن هذه الشمس تأتي وتدفئ الكون في أقل من دقيقتين، هذا هو التكييف المركزي فعلاً، والله عز وجل لا يحتاج إلى أحد، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38]، فهذا لما يقول: والله أنا خسران هذه السنة، ويقتر هذا التقتير، هذا يوشك أن يذهب الله بماله.
فهم يذكِّرون قارون: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77] لم يكن معك فأعطاك الله كل هذا، يحننون قلبه أن يتذكر الفقر، وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ [القصص:77] يعني: بحجب حق الله في المال، وسبب كثير من الفساد الموجود في الأرض أن الأغنياء لم يخرجوا زكاة المال، ولو أخرجوا زكاة أموالهم لرفعوا شراً عظيماً من الأرض.
المهم: أن قارون لم يستجب للنصيحة، بل أخذته العزة بالإثم، وأراد أن يكسر قلوب المؤمنين، في الأول واعترض عليهم قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، هل تظنون أن هذه المسألة ضربة حظ؟ لا هذه عبقريتي وذكائي وتخطيطي، كنت أعلم أنني سأكون غنياً لأنني أسير في طريق صحيحة.
فالله سبحانه رد عليه: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78]، فماذا قام يعمل؟ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ [القصص:79]، كسر قلوب الطائفة المؤمنة من بسطوته، وخرج يركب خيلاً، وأمام الخيل بعض الحمير ووراءه بعض الحمير، لكي يوسعوا له الطريق، فهذه قصة قديمة بوصف عصري، فخرج الناس على جانبي الطريق يتفرجون على قارون وهو خارج في الفخامة هذه، قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79] هذه هي الحياة الحقيقية فعلاً، يأكل الذي يريد، ويعطي كيفما يريد، ويتنزه في أوروبا ويذهب إلى أمريكا.
إذا رأيت إنساناً يملك سيارة (مرسيدس) قيمتها الآن اثنين (مليونا) جنيه تقريباً، وفيها تكييف، وهو ممسك بالهاتف ويضحك، تقوم أنت تقول: يا ليتني مثل هذا، هذه هي الحياة الحقيقية فعلاً.
إذاً: أنا أريد أن أعطيك نوعاً من المقايضة: أنا أريدك أن تأخذ مشاكله وأمراضه مع سيارته!
إذاً أنت في نعمة لم تشكر الله عليها:
لا تحسد أحداً على نعمائه إن الحسود لحكم ربك شانئ
الحسود معترض على الله، وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32] ، وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه:131].
خذ الرجل هذا بمشاكله، فلو لم يكن عند هؤلاء إلا الكبر الذي ينتقل من السيارة له لكان كافياً، لا يكاد يعصم من هذا الداء العضال إلا من أكرمه الله.
أما رأيت الحادثة التي حصلت في مصر الجديدة: ولد يركب سيارة آخر موديل، اصطدم بسيارة أجرة فحطمها، بينما السيارة الأخرى سيارة فخمة لم يحدث لها شيء، فما كان من الولد إلا أن اتصل بأبيه يخبره القصة كذا وكذا، ارجوك أسرع. أتى الأب فرمى لصاحب السيارة الأجرة بألفي جنيه لإصلاحها، وقال للولد على مرأى ومسمع من الناس: أنت لن تركب السيارة مرة أخرى، لابد أن أعاملك من الآن فصاعداً معاملة الأوباش، سأدخل السيارة في (الجراش) وعليك أن تركب السيارات العادية مثل الناس.
انظر لو لم يكن في المسألة كلها إلا الكبر لكان كافياً.
ولقد تنازع العلماء في أيهما أفضل: الفقير الصابر أم الغني الشاكر؟
وكثير من المحققين على أن الغني الشاكر أفضل؛ لأن الصبر موجود في الفقراء، والشكر غير موجود في الأغنياء، إلا في القليل النادر.
إذاً قلما يقوم بحق المال إلا أفذاذ الرجال، فالعوام لا مذهب لهم، مذهبهم أينما كانت مصلحتهم.
فهم خرجوا على الجانبين، أول ما رأوا قارون قالوا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:79-80]، الصبر الموجود في هذه الآية هو أحد أقسام الصبر الثلاثة، لكنه أجلها وأفضلها.
الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر على بلاء الله، وصبر عن معصية الله.
وأجل هذه الأنواع الثلاثة هو: الصبر عن معصية الله، لاسيما إذا كان للرجل رغبة في المعصية فصبر واحتسب، هذا أجل من الطائع؛ لوجود الدواعي المقتضية للفعل.
واعتبر بقصة يوسف عليه السلام لكي تعلم أن الذي فعله يوسف عليه السلام كان بتوفيق الله: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ [يوسف:33] كل الدواعي مهيأة ليوسف عليه السلام ليقع في المرأة:
أولاً: هو مملوك، والمملوك حريص على إرضاء مالكه.
ثانياً: هو شاب أعزب لم يتزوج، عنده قوة شبق.
ثالثاً: هو غريب، والغريب يفعل في دار الغربة ما يأنف منه إذا كان بين خلانه وأقرانه وأهله.
رابعاً: المرأة جميلة.
خامساً: هي الداعية إلى نفسها.
سادساً: ذات سلطان، فكان يمكن يقول: أنا مضطر، ماذا سأعمل؟! أنا عملت الذي علي، لكن المرأة مفترية.
سابعاً: الدار آمنة، غلقت الأبواب، وهي صاحبة الدار، وتعرف متى يأتي الرجال، فهي قد أمنت دخول الداخل عليها بغتة.
إن مقتضى واحد من هذه المقتضيات كان يمكن أن يوقع أي رجل في الزنا، ومع كل هذه المقتضيات يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، يا له من محتسب صابر لما قال هذا الكلام!!
كان صبره عن معصية الله في بلاء المرأة أعظم من صبره لما ألقوه في الجب.
إذاً الصبر عن معصية الله أجل أنواع الصبر، لاسيما إذا توافرت الدواعي على الفعل.
وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:80] عن معصية الله؛ لأن المقام مقام معصية وتكبر وتجبر، فكأنهم قالوا لهم: اصبروا على فقركم ولا تتمنوا ما عند قارون.
الصنف الرابع: (ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً) وهو هذا الذي: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
هذا الرجل ليس لديه مال ولا علم، لذلك أساء اختيار من يتأسى به، وأول ما أحب أن يختار اختار كلب الغنم الذي ذكرنا قصته من قبل.
العالم لأنه عالم أول ما أراد أن يتأسى اختار أفضل رجل على وجه الأرض: رجل آتاه الله مالاً وعلماً.
أما هذا الرجل الذي ما عنده علم فقد اختار أسوأ رجل على وجه الأرض، الذي هو: رجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فهذا بأخبث المنازل).
الإنسان العامي ليس له مذهب، مذهبه مصلحته، ولذلك ممكن يبدل مذهبه كل يوم. العامي رجل سياسي، والسياسي لا دين له، والذين قالوا هذه العبارة هم السياسيون أنفسهم، قالوا: إن السياسة ليس لها مبادئ، ولا دين لها، ممكن يتخذ القرار الآن ويتراجع عنه غداً؛ لأن الوضع يستلزم هذا.
العوام سياسيون، يقول لك: خذه بالسياسة.
العوام هم الذين خذلوا علي بن أبي طالب رغم أنهم كانوا مثل الرمل كثرة.
ولما سأل الحسين رضي الله عنه رجلاً عن أهل العراق: ( ما أخبار أهل العراق؟ قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) هو يذبحك ومع ذلك يترحم عليك.
مذهب العوام بالكيلو، وليس بالحصر، هل تعلم ما معنى بالكيلو؟
يأتي رجل مثلاً يقول للناس: إن السنة كذا وكذا.
فيقول له: يعني كل هؤلاء لا يفهمون وأنت الذي تفهم.
مذهب العوام كلما وجد أن العدد أكثر كلما كان هذا دلالة على أنه حق، مع أن الله عز وجل قال: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ [الأنعام:116].
العامي يجد ويجتهد في طلب شهوته وهواه، فإذا لم يحصل رجع إلى العكس، أحدهم سافر إلى الخارج، فقيل له: ماذا تعمل يا أخي هناك ؟!
يقول لك: أغسل الصحون.
حسناً: أنت عندما كنت تأكل في طبق الفول، وأبوك أو أمك يقول لك: ضعه في المطبخ. كنت تقول: هذا ليس عملي.
فلماذا تذهب هناك تغسل أطباق الخنازير وكئوس الخمر؟! لماذا؟
لقد خرج ليجمع المال فرجع بخفي حنين .
هل تعرف قصة خفي حنين ؟
كان لدى حنين جمل سمين، وكان هناك لص ذكي، مثل قصة الخروف التي حصلت في القاهرة، حيث محاكم القاهرة الكبرى التي فيها العجائب!
شخص سمع خروفاً يصيح على عمارة، فصعد العمارة وأخذ الخروف ووضعه على كتفيه ونزل، قابل شخصاً على السلم، فخاف أن يكون صاحب الخروف، فماذا قال اللص؟
قال له: إنتم بتعرفوا أكل اللحم؟ تريدون شراء فروق بستين جنيهاً؟!
فالرجل قال له: خير، لماذا زعلان؟ ما الموضوع؟
قال: يطلعوني إلى الدور الخامس وينظرون إلى الخروف، ثم يقولون لي: هذا جلد على عظم، ويعطونني فيه ستين جنيهاً!
قال له: يا أخي لا تغضب، هات الخروف وخذ ستين جنيهاً.
قال: حلال عليك.
أخذ اللص ستين جنيهاً وصعد الرجل بالخروف، الجيران كان لديهم خروف، والرجل من فرحته نزل ليشتري البرسيم ليأكل الخروف، وصاحب الخروف الأصلي أيضاً صاعد يطعم الخروف.
قال له: إيه يا عم؟! متشكرين جداً، والله ما كنت أعرف أنك تعز الخروف، اشتريت له برسيماً على حسابك؟
قال له: لا، هذا خروفي.
خروفك! كيف خروفك؟ أنا الآن اشتريته.
وتشاجرا مع بعض، واللص أخذ القيمة وهرب بها..!
وهذا مثل لص حنين ، رأى الناقة جميلة فقال: أنا أريد أن أسرق هذه الناقة، لكن كيف أسرقها وصاحبها راكب عليها؟ فقام ووضع فردة حذاء على شجرة في الطريق، وبعد نحو نصف كيلو متراً قام ووضع الفردة الثانية على فرع شجرة أخرى، فـحنين كان يمشي فوجد الفردة الأولى، قال: يا سلام! لو كان لها أخت! وتركها.
وهذا مثل الرجل المغترب الذي نزل إلى القاهرة، ولم يجد أي فندق ينام فيه، فوجد (لوكندة) للنوم، فقرأها لو كَنده للنوم -أي: لو كان هذا للنوم- هو قرأها هكذا..
وهذا كان يقول: لو أن أختها موجودة!
المهم مشى نصف كيلو متراً فوجد أختها، قال: أنا سأربط الناقة وأذهب لكي آتي بالفردة الأولى.
وكان اللص له بالمرصاد، أول ما ترك حنين الناقة؛ قام اللص وركب الناقة وهرب.
رجع حنين بفردة الحذاء الأخرى .. أين الناقة؟ لم يجدها.
فلما رجع إلى قومه قالوا: يا حنين ! بم رجعت؟ قال: بالخفين.
إذاً (رجع بخفي حنين) مثل يضرب للذي يرجع بالخيبة والخسران.
فهذا سافر إلى الخارج وغسل الأطباق ورجع بدون مال، أول ما يعود، يقال له: يا فلان أين المال؟ يقول: والله يا أخي المال ليس كل شيء، يعني هؤلاء الذين لديهم المال ماذا صنعوا به؟!
إذاً لماذا لم تقل هذا الكلام قبل أن تخرج؟
إذاً العامي على استعداد أن يرجع إلى الصفر إذا كان سيريح نفسه، أو إذا كان هذا يرضيه، فهذا هو مذهب العوام.
وانظر إلى الجماعة الذين يقولون: نحن أكبر جماعة في العالم، نحن اليوم انضم إلينا خمسة آلاف، أربعة آلاف، ثلاثة آلاف.
هذا الكلام لا قيمه له مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ [الأحزاب:23] أي: ليس كل المؤمنين رجال.
يقول العلماء: هذا على مذهب العوام الطغام، ومن سار سيرتهم من أشباه الأنعام. العوام لا مذهب لهم، أخفقوا في الاختيار لمن يقلدونه ويتأسون به؛ لذلك نالوا الخزي والخسران بدون شيء. فالرجل الرابع لا معه دنيا ولا معه آخره، لذلك كان بأردأ المنازل وأخبثها.
إن على كل شخص منا أن يسأل نفسه وليكن أميناً في الجواب: من أي الأصناف أنا؟
الإمام البخاري كان اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، نحن كلنا نعرف البخاري ، لكن لا نعرف والده.
كان أبوه -رحمة الله عليه- تاجراً غنياً، لما حضرته الوفاة دعا ابنه الإمام البخاري ، وقال له: يا بني! لقد تركت لك ألف ألف درهم، ما أعلم درهماً فيه شبهة. يستحيل أن يقترب من الحرام. كيف تأتى لمثل هذا الرجل ألا يقع في كل ماله درهم فيه شبهة؟!
إن ذلك بسبب الاتصال بالعلماء، كان يمشي معهم دائماً.
الإمام البخاري لما ترجم لوالده، وأحب أن يذكر منقبة من مناقبه، ومعروف أن الإنسان إذا أوجز يذكر أفضل ما يجد، لو قلت لك: صف لي أباك في كلمة واحدة؟ فإنك ستذكر أفضل ما تتخيله في أبيك.
فالإمام البخاري لما ترجم لوالده ترجمه ترجمة موجزة في سطر؛ لقد بحث عن أجل عمل عمله فقال: رأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه فقط.
إذا قيل العمران: أبو بكر وعمر ، الشيخان: البخاري ومسلم ، الحمادان: حماد بن زيد وحماد بن سلمة ، السفيانان: سفيان بن عيينة وسفيان الثوري .
قالوا في ترجمة حماد : لو قيل له: القيامة غداً؛ ما قدر أن يزيد في عمله شيئاً، انظر إلى الجلالة!
أنا أذكر وأنا طفل صغير أنهم كانوا يقولون: القيامة ستقوم يوم الأحد، لا أنسى هذا اليوم أبداً، في هذا اليوم كان كل الناس في المسجد تبكي.
المهم: هذا المنظر لا أنساه أبداً، وحماد لو قيل له: القيامة غداً لا يقدر أن يزيد في عمله شيئاً، هذا يستحق أن يُرى أم لا؟ لكن انظر اتصاله بأهل العلم، يأخذ الفتوى مجاناً.
فلماذا قصرت في طلب الفتوى ودخلت في البيوع المحرمة والبيوع التي فيها شبهة؟! أنت رجل صاحب مال، ليس عندك وقت تتعلم، إذاً اتصل بعالم، اجعله مستشاراً لك، لا تقدم رجلاً ولا تؤخر أخرى، فأنت إذا قلت له: ما حكم الله في ذلك؟ هو إذا أخطأ؛ فلا جناح عليك.
إذاً نحن يا إخواننا! ننظر بعد هذا الحديث من أي الأصناف الأربعة نحن؟!
إذاً الصنف الثالث والرابع نعوذ بالله وإياكم أن نكون منهما، إذاً ما بقي إلا الصنف الأول والثاني، وإنما صار الصنف الأول والثاني ممدوحين بالعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.