خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الغلو
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فمن القواعد المتفق عليها عند جميع أهل الملل: أن الله تبارك وتعالى إنما يشرع الشيء لمصلحة العباد؛ ولذلك جاءت الشرائع كلها لتحصيل المصالح وتكثيرها، وتقليل المفاسد وإعدامها ما أمكن، ولا تتأتى مصالح العباد إلا بأن يكون التشريع مشتملاً لأضعفهم، لا تتم المصلحة إلا بمراعاة الأضعف، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: (يا رسول الله! اجعلني إمام قومي -إمامهم في الصلاة- قال: اذهب فأنت إمامهم واقتد بأضعفهم) لأن مراعاة الأضعف لا يضر القوي، ومراعاة القوي تضر الضعيف، فتحصيل المصلحة إنما تكون بمراعاة الأضعف؛ لأن القوي لا يؤثر عليه ذلك؛ إذ يستطيع تحصيل ما يحصله الضعيف، إنما لو كان الشرع على قدر القوي لضر ذلك الضعيف.
لذلك كان من سمة ديننا اليسر الذي يستطيعه الأضعف، فقال تبارك وتعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] و(من) هنا للتبعيض، أي: لا يوجد بعض الحرج؛ لذلك إذا نظرت إلى الأوامر والنواهي ترى هذه الرحمة وهذا اليسر.
قاعدة في الأوامر والنواهي
وتوضيحاً لهذا الكلام أقول: كل ما أوجبه الله أمر إيجاب على العبد، بمعنى أنه يعذب إذا لم يفعل، ففي إمكان العبد أن يفعله؛ إذ لا يتصور أن يأمره بما لا يطيق ثم يعذبه، فإن التكليف بما لا يطاق ليس من مذهب أهل السنة والجماعة، فإن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما في إمكان العبد أن يفعله، ولذلك كان فعل هذا النوع من الأوامر من أحب ما يتقرب إلى الله به، كما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
إذاً: أفضل شيء تتقرب به إلى الله أن تفعل ما أمرت به على سبيل الفرض، إذاً ما أمرت به على سبيل الفرض والإيجاب الذي لا خيار لك في الترك، إنما لابد لك من الفعل، ففي إمكانك أن تفعل؛ لذلك يعذبك على الترك.
والمناهي التي نهي العبد عنها نهي تحريم إذا فعلها العبد فإن الله يعذبه.. لماذا؟ لأن بإمكانه أن يمتنع.
أما المستحبات التي لا آخر لها فإن العبد يثاب بقدر ما يفعل، ولا يؤاخذ مؤاخذة تقصيره في الفرض، وذلك ظاهر في قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في تمامه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فهذا الحب هل هو وليد فعل الفرائض أم وليد فعل النوافل؟ في الأول قال: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الفرض الذي يجب أن يفعله، ثم قال تبارك وتعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) إذاً هذا الحب وليد النافلة، هذا الحب ترتب على فعل النافلة؛ لأنه لا يتصور أن يكون هناك رجل مقصر في الفرض وهو مجد في النافلة، وإذا أردت أن تعلم مدى التزام العبد فانظر إليه في النوافل، إن رأيته على قدم وساق، فاعلم أنه يفعل الفرض كما أمر، فلا يتصور أن يتصدق إنسان وهو مدين، مدين ويتصدق؟! هذا غير متصور؛ لذلك كان تأدية النافلة علامة الالتزام، وهي التي استجلبت للعبد حب الله تبارك وتعالى.
ولله المثل الأعلى، لو تصورت أن لك خادماً وتعطيه أجراً على هذه الخدمة، فكلما أمرته امتثل، فإنك تحبه، عاشرك هذا الخادم فترةً طويلة، وعرف مواقع غضبك ورضاك، ما تكره وما تحب؛ فصار يفعل لك الذي تحب، ويتجنب الذي تكره من غير أن تأمره، أتزداد له حباً أم لا؟ تزداد له حباً.
حسناً!! لو افترضنا أنه إذا أمر بالأمر نفذ، وكنت فرضت له أجراً في الشهر كذا، فلو طالبك بزيادة على هذا الأجر نظير امتثاله لما تأمره به لقلت له: أجرك على قدر هذا الفعل. إذاً: أنت لا تعطيه زيادة على أجره، لأنك تعطيه الأجر على الفعل، إنما لو كان هذا العبد ذكياً، فصار يفعل الذي تحب من غير أن تأمره، حينئذٍ لو طلب منك زيادة فسوف تعطيه.
فإذاً: يبلغ العبد رضوان الله تبارك وتعالى بفعل النافلة؛ ولأن النافلة واسعة جداً، ما يبحر فيها إلا قلائل؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فانتهوا) لم يقل: فانتهوا ما استطعتم؛ لأن النهي في مكنة العبد أن يفعله، لكنه لا يستطيع أن يفعل كل ما أمر به، ولذلك في باب الأوامر قال: (فأتوا منه ما استطعتم) فهذا يدل على أن بعض الأوامر لا يستطيع الإنسان في كل أوقاته أن يفعلها، وهي الأوامر التي أمرت بها على سبيل الندب والاستحباب، فشريعتنا كلها سمحة، أما التعقيد الذي يعانيه بعض الناس فإنما هو بسبب انحرافهم، وإلا فاليسر كل اليسر في اتباع أمر النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو اليسر، إذا أردت اليسر فاتبع والزم.
كل ما نهاك الله عنه ففي إمكانك أن تنتهي عنه، وكل ما أمرك به ليس في إمكان الكل أن يأتمر به؛ لذلك الله يعذب الذي يفعل ما نهي عنه، ولو كان النهي ليس في طاقة العبد لما عذبه، إنما يعذبه على ما في مكنته وقد نهاه عنه، فجميع المناهي بإمكان العبد أن يتركها، أما الأوامر فهي كثيرة ومتنوعة، كل ما أوجبه الله على العبد بإمكانه أن يفعله، وكل ما ندبه إليه واستحبه له لا يفعله إلا قلائل.
وتوضيحاً لهذا الكلام أقول: كل ما أوجبه الله أمر إيجاب على العبد، بمعنى أنه يعذب إذا لم يفعل، ففي إمكان العبد أن يفعله؛ إذ لا يتصور أن يأمره بما لا يطيق ثم يعذبه، فإن التكليف بما لا يطاق ليس من مذهب أهل السنة والجماعة، فإن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما في إمكان العبد أن يفعله، ولذلك كان فعل هذا النوع من الأوامر من أحب ما يتقرب إلى الله به، كما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
إذاً: أفضل شيء تتقرب به إلى الله أن تفعل ما أمرت به على سبيل الفرض، إذاً ما أمرت به على سبيل الفرض والإيجاب الذي لا خيار لك في الترك، إنما لابد لك من الفعل، ففي إمكانك أن تفعل؛ لذلك يعذبك على الترك.
والمناهي التي نهي العبد عنها نهي تحريم إذا فعلها العبد فإن الله يعذبه.. لماذا؟ لأن بإمكانه أن يمتنع.
أما المستحبات التي لا آخر لها فإن العبد يثاب بقدر ما يفعل، ولا يؤاخذ مؤاخذة تقصيره في الفرض، وذلك ظاهر في قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في تمامه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فهذا الحب هل هو وليد فعل الفرائض أم وليد فعل النوافل؟ في الأول قال: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الفرض الذي يجب أن يفعله، ثم قال تبارك وتعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) إذاً هذا الحب وليد النافلة، هذا الحب ترتب على فعل النافلة؛ لأنه لا يتصور أن يكون هناك رجل مقصر في الفرض وهو مجد في النافلة، وإذا أردت أن تعلم مدى التزام العبد فانظر إليه في النوافل، إن رأيته على قدم وساق، فاعلم أنه يفعل الفرض كما أمر، فلا يتصور أن يتصدق إنسان وهو مدين، مدين ويتصدق؟! هذا غير متصور؛ لذلك كان تأدية النافلة علامة الالتزام، وهي التي استجلبت للعبد حب الله تبارك وتعالى.
ولله المثل الأعلى، لو تصورت أن لك خادماً وتعطيه أجراً على هذه الخدمة، فكلما أمرته امتثل، فإنك تحبه، عاشرك هذا الخادم فترةً طويلة، وعرف مواقع غضبك ورضاك، ما تكره وما تحب؛ فصار يفعل لك الذي تحب، ويتجنب الذي تكره من غير أن تأمره، أتزداد له حباً أم لا؟ تزداد له حباً.
حسناً!! لو افترضنا أنه إذا أمر بالأمر نفذ، وكنت فرضت له أجراً في الشهر كذا، فلو طالبك بزيادة على هذا الأجر نظير امتثاله لما تأمره به لقلت له: أجرك على قدر هذا الفعل. إذاً: أنت لا تعطيه زيادة على أجره، لأنك تعطيه الأجر على الفعل، إنما لو كان هذا العبد ذكياً، فصار يفعل الذي تحب من غير أن تأمره، حينئذٍ لو طلب منك زيادة فسوف تعطيه.
فإذاً: يبلغ العبد رضوان الله تبارك وتعالى بفعل النافلة؛ ولأن النافلة واسعة جداً، ما يبحر فيها إلا قلائل؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فانتهوا) لم يقل: فانتهوا ما استطعتم؛ لأن النهي في مكنة العبد أن يفعله، لكنه لا يستطيع أن يفعل كل ما أمر به، ولذلك في باب الأوامر قال: (فأتوا منه ما استطعتم) فهذا يدل على أن بعض الأوامر لا يستطيع الإنسان في كل أوقاته أن يفعلها، وهي الأوامر التي أمرت بها على سبيل الندب والاستحباب، فشريعتنا كلها سمحة، أما التعقيد الذي يعانيه بعض الناس فإنما هو بسبب انحرافهم، وإلا فاليسر كل اليسر في اتباع أمر النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو اليسر، إذا أردت اليسر فاتبع والزم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره يلتزم الرفق واليسر، حتى لما أمر ابن عباس أن يلتقط له حصيات رمي الجمرات بـمنى ، ماذا قال له؟ قال له: (مثل حصا الخذف، وإياكم والغلو! فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم) تأمل هذا الحديث! تأمل هذا الأمر ما أجمله! قال لـابن عباس : (مثل حصا الخذف) حصا الخذف الذي هو بقدر حبة الفول، وأصل الخذف: أن تضع حصاة في النبل وترميها، فإنك إذا أردت أن تخذف، فستختار أصغر الحصيات، فلا يختار الإنسان طوبة كبيرة ليخذفها، فقال: (مثل حصا الخذف -بقدر حبة الفول- وإياكم والغلو) الغلو هنا في ماذا؟ في جمع الحصا، لا يعمد أحدكم إلى أن يختار حصا أكبر من حصا الخذف، فالذي يختار حجارة كبيرة قد أو قع نفسه في الغلو (مثل حصا الخذف وإياكم والغلو) يعني: بأن ينتقي أحدكم حصاة أكبر من حصا الخذف.. لماذا؟ لأنه إذا غلا في حصاة غلا في أمر آخر، وهكذا الغلو.
آفات الغلو
جماعة التكفير هؤلاء، ما هي الآفة عندهم؟ يرى أحدهم أنه هو المسلم والكل كافر..! أهناك تزكية للنفس أكثر من هذا؟! مع أنهم -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - فيهم من الظلم والغلو أضعاف أضعاف ما في الذين يكفرونهم، يرى أحدهم أنه هو المسلم الوحيد، وكل من عداه كفره، وآخر أمره: تنظر إليه يخرج من دينه في النهاية، وأسوته في ذلك جدهم الأعلى ذو الخويصرة الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- وقال: (يا محمد! اعدل، فإنك لم تعدل. قال: ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا؟! خبت وخسرت إن لم أعدل. ثم تولى الرجل، فقال
والنبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول يخاطب أبا بكر ، ويخاطب عمر ، ويخاطب علياً ، ويخاطب عثمان ، يخاطب السادة العباد، يقول: أيها العباد! إنه يخرج من أصل هذا رجال يعبدون الله أكثر مما تعبدون! يصلون أكثر مما تصلون! يصومون أكثر مما تصومون! يقرءون القرآن أكثر منكم! أكثر من أبي بكر وعمر! إي نعم، أكثر من أبي بكر وعمر ، مع أن الصحابة كانوا على الغاية القصوى من العبادة، ومع ذلك يخرج من أصل هذا أقوام أكثر اجتهاداً في الصلاة والزكاة والقراءة من هؤلاء الصحابة الأخيار.
لكن ما نفعتهم هذه الصلاة، ولا كثرة الصيام، ولا ظمأ الهواجر، ولا قراءة القرآن، قال عليه الصلاة والسلام: (يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية) أرجو أن تتأملوا هذا التشبيه..! سهم يخرج من الرمية بهذه القوة، كم تكون سرعته؟! ليته إذ خرج من دينه خرج الهوينى، يمشي على مهل، لكنه يخرج من دينه بأقصى سرعة! فأين صلاته؟ وأين صيامه؟ وأين قراءته للقرآن؟! أين ذهبت؟! مع أن المفروض أن أمثال هذه العبادة تثبت العبد على دين الله، لكن ما نفعتهم، لماذا لم تنفعهم؟ بسبب الغلو الذي أخرجهم من الدين كما يخرج السهم من الرمية.
وقد قال أحد السلف: (أخلص دينك لله يكفيك العمل القليل) فإن الله تبارك وتعالى يزن العباد بقلوبهم.
الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا في كل أمورهم وفتاواهم يمشون على الجادة؛ لذلك وصلوا.
والرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه فقال: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا، وعليكم بشيء من الدلجة).
ما هي الدلجة؟ الدلجة: هي الليل، إذا أردت أن تسافر فسافر ليلاً؛ فإن الأرض تطوى بالليل.
وأنا جربت هذا، ولعل بعضكم جرب.
في الليل المسافة تكون أقل.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أراقب عدة مرات الساعة وعداد الكيلومترات أجد أن الفرق بين سير الليل والنهار نصف ساعة، هذا للذي يريد أن يسافر، لكن مقصود النبي عليه الصلاة والسلام، -أو من مقصوده- في هذا الحديث: (عليكم بالدلجة) أي: عليكم بقيام الليل، يعني: صلِّ والناس نيام تَصِلْ، كما أنك إذا أردت السفر تسافر ليلاً فتطوى الأرض لك، فإذا قمت بالليل طويت العبادة لك، وطويت المشقة، فتشعر بهذه اللذة؛ لأن في الليل الإخلاص، إذ لا يتصور أن يقوم مراءٍ منافق من سريره ولا يراه أحد، فيتجشم الوقوف أمام الله رب العالمين ليرائي؛ فلا يقوم بالليل إلا مخلص؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بشيء من الدلجة) لأن هذا هو الذي يناسب أول الحديث: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا.. وعليكم بشيء من الدلجة).
إذاً: هؤلاء الخوارج الذين كفروا جمهور الصحابة، وكفروا عامة المسلمين بارتكاب الكبيرة، لسان حالهم يقول: نحن أبرار، نحن لا نرتكب الكبيرة؛ لذلك نحن مؤمنون وأنتم كفرة.
ما معنى أن يكفر غيره بالكبيرة؟
معناه: أنه لا يفعل الكبيرة، فرجل يبرئ نفسه من الإثم ويرمي به غيره ظالم معتد.
لذلك خرج من تحت عباءتهم -أو شاركهم في بعض ما يقولون- جماعة أتوا فقالوا: إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد! انظر إلى الكلام! إن الله يجب عليه! من الذي أوجب عليه؟! وهل لأحد عليه حق.؟!
إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد..!
وهذا قول المعتزلة، وهذا كله بسبب الغلو.
والجهمية الذين نفوا عن الله تبارك وتعالى صفاته فعلوا ذلك بسبب الغلو، فكل داء خرج من تحت عباءة الغلو.
هناك مناظرة طريفة حدثت بين أبي الحسن الأشعري وبين شيخه أبي علي الجبائي رأس المعتزلة ، وأبو الحسن الأشعري رحمه الله كان رأساً في المعتزلة ؛ لكن بعد هذا المناظرة ترك مذهب الاعتزال.
قال أبو علي الجبائي : إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح لعباده. فقال له أبو الحسن -وكان لا يزال على مذهب المعتزلة: أفرأيت إلى ثلاثة إخوة: أحدهم مات صغيراً قبل أن يحتلم، وكبر اثنان، فآمن أحدهما وكفر الآخر، فدخل المؤمن الجنة، ودخل الكافر النار. فقال: ما حالهم؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: إن الذي كبر وكفر استحق النار، والذي كبر وآمن استحق الجنة. وما حال الصغير الذي قبضته قبل أن يحتلم؟ قال: علمت أنه لو كبر لكفر، فدخل النار، فراعيت مصلحته فقبضته صغيراً، فحينئذ صاح الذي في النار وقال: يا رب! لم لم تراع مصلحتي؟! لم لم تقبضني صغيراً كأخي؟! قال: فانقطع أبو علي الجبائي ، وخرج أبو الحسن من المعتزلة؛ لأنه كلام متناقض على أصولهم، إذا كان الله يجب أن يفعل الأصلح لعباده فما هو الأصلح أن يدخل العبد النار؟!
كل هذا بسبب الغلو، ولا تجد فُرقةً بين المسلمين إلا بسبب الغلو؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو، فقال: (إياكم والغلو! فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين) ولذلك كان كلما خطب عليه الصلاة والسلام يقول: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) لأنه كان هدياً قاصداً، ما فيه عنت؛ لذلك أسعد الناس هم المتبعون للرسول عليه الصلاة والسلام، لا يجدون على الإطلاق مشقة.
قصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعنون به أن رسول الله -عبد أو لم يعبد، جد أو لم يجد- مغفور له.
فهم تقالوا عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذاً يريدون؟ يريدون الغلو، لما تقللوا عبادة النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: لن ننجو إلا إذا أخذنا على بعضنا مواثيق، أو على أنفسنا عهوداً، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، والآخر قال: وأنا أصوم ولا أفطر، والآخر قال: وأنا لا أتزوج النساء! قالوا ذلك لأنه لا يستقيم في نظرهم أن يدخل أحد الجنة إلا بهذا الجد!
لكنه جد على غير طريق الرسول؛ أنى ذلك؟!
فأول ما علم النبي عليه الصلاة والسلام راعه الأمر، ونادى المسلمين جميعاً وقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا؟! أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية).
كيف يخطر ببالك أن تتقلل عبادة رسولك؟ فليس الأمر بكثرة القيام؛ إنما الأمر بالإخلاص؛ لذلك الله تبارك وتعالى يزن الناس بالقلوب: (رب صائم لا يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم لا يأخذ من قيامه إلا النصب) فنهاهم عن ذلك.
التشديد في العبادة وآثاره
ما الذي حصل؟ صار عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ القرآن كل ثلاث، ويصوم يوماً ويفطر يوماً أيام الشباب، ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عمرو بن العاص مجد، لكنه، بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بزمان كبر وشاخ، وصار لا يتحمل، لا يستطيع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لكنه لا يريد أن يقلل من عبادة تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، لا يريد أن يقل، فماذا قال؟ كان يقول: ( يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
شدد على نفسه، وكان بوسعه أن يقبل الرخصة، لكنه لما شدد على نفسه شقي بذلك وتعب، حتى إنه كان يفطر الأيام الطويلة المتتالية يتقوى، ثم يصوم بدلها سرداً -يوم وراء يوم- يفطر عشرة أيام، ويأكل لكي يقوي بدنه، بعد ذلك يصوم عشرة أيام متواصلة، لا يريد أن يكون أقل في العبادة عما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرأيتم إلى الغلو؟
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).
انظر إلى الكلام الجميل!
رجل مستعجل، يريد أن يدرك أقرانه، هو راكب دابة، فمن شدة استعجاله ظل يضرب في الدابة حتى قتلها، فوقف مكانه، لا أرضاً قطع -لا هو مشى- ولا أبقى الظهر الذي كان يركبه، فلما قتلت الراحلة وقف..!
هكذا الغالي، يظل يغلو حتى يخرج من الهدي الصالح، وهو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال الصحابة إياه خشية التشديد
في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (أيها الناس! إن الله فرض عليكم الحج فحجوا. فقام
أكل عام؟ سكت؛ يخشى أن ينزل الوحي (بكل عام)؛ فيصير هذا الرجل مجرماً في حق جميع المسلمين إلى قيام الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم المسلمين جرماً في المسلمين من سأل مسألة فحرمت لأجل مسألته) كانت حلالاً، كل المسلمين يستمتعون بهذا الحلال فقام شخص يسأل، فلا يزال يتنطع حتى يحرم الله ذلك الحلال، فيحرم المسلمون جميعاً منه، إذاً كأنه أجرم في حق جميع المسلمين إذ حُرم عليهم بعدما كان حلالاً، كل هذا بسبب الغلو والتنطع، لذلك ما من مصيبة تكون إلا بسبب الغلو.
الرفق بالمسلمين
كان محسناً حتى إلى الدواب والأنعام.
رأى عائشة رضي الله عنها تضرب جملها -وهي وصفته- قالت: كان جملاً صعباً بليداً لا يكاد يمشي، فلما رآها تضربه وتسبه قال: (يا
بإيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات
بيده نوران، ليس نوراً واحداً، بيده كشاف، ومع ذلك كلما وجد نقرة وقع فيها، إذاً ما فائدة النورين؟ ما فائدة النور في يدك إذا كان لا يهديك إلى طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
غربة الإسلام في هذا الزمان
الغلو والجهل أخطر الأدواء
هناك فرق بين الورع والغلو، لكنه فرق طفيف جداً لا يدركه ولا يراه إلا أهل البصيرة والفقه، أرأيت إلى رجل يتوضأ فيغسل العضو عشرين مرة.. هل هذا ورع أم وسواس؟ وسواس، وليس هو بسبيل إلى الورع، الورع له ضوابط، إذا اختلت هذه الضوابط انتقل العمل من باب الورع إلى باب الوسواس.
كما أن هناك فروقاً طفيفةً جداً، مثلاً بين الغيبة والنميمة وبين قول الحق، هناك فرق بين أن تغتاب الشخص وبين أن تذكره بما فيه تبصيراً للمسلمين، لكن لا يدرك هذا إلا أهل العلم.
وأكبر آفات الغلو: أن ينظر الغالي إلى الناس من مكان عالٍ، فيراهم أقل منه، فيحتقرهم ويزدريهم، لذلك لا يغلو عبد إلا خرج من الهدي الصالح في آخر الأمر.
جماعة التكفير هؤلاء، ما هي الآفة عندهم؟ يرى أحدهم أنه هو المسلم والكل كافر..! أهناك تزكية للنفس أكثر من هذا؟! مع أنهم -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - فيهم من الظلم والغلو أضعاف أضعاف ما في الذين يكفرونهم، يرى أحدهم أنه هو المسلم الوحيد، وكل من عداه كفره، وآخر أمره: تنظر إليه يخرج من دينه في النهاية، وأسوته في ذلك جدهم الأعلى ذو الخويصرة الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- وقال: (يا محمد! اعدل، فإنك لم تعدل. قال: ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا؟! خبت وخسرت إن لم أعدل. ثم تولى الرجل، فقال
والنبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول يخاطب أبا بكر ، ويخاطب عمر ، ويخاطب علياً ، ويخاطب عثمان ، يخاطب السادة العباد، يقول: أيها العباد! إنه يخرج من أصل هذا رجال يعبدون الله أكثر مما تعبدون! يصلون أكثر مما تصلون! يصومون أكثر مما تصومون! يقرءون القرآن أكثر منكم! أكثر من أبي بكر وعمر! إي نعم، أكثر من أبي بكر وعمر ، مع أن الصحابة كانوا على الغاية القصوى من العبادة، ومع ذلك يخرج من أصل هذا أقوام أكثر اجتهاداً في الصلاة والزكاة والقراءة من هؤلاء الصحابة الأخيار.
لكن ما نفعتهم هذه الصلاة، ولا كثرة الصيام، ولا ظمأ الهواجر، ولا قراءة القرآن، قال عليه الصلاة والسلام: (يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية) أرجو أن تتأملوا هذا التشبيه..! سهم يخرج من الرمية بهذه القوة، كم تكون سرعته؟! ليته إذ خرج من دينه خرج الهوينى، يمشي على مهل، لكنه يخرج من دينه بأقصى سرعة! فأين صلاته؟ وأين صيامه؟ وأين قراءته للقرآن؟! أين ذهبت؟! مع أن المفروض أن أمثال هذه العبادة تثبت العبد على دين الله، لكن ما نفعتهم، لماذا لم تنفعهم؟ بسبب الغلو الذي أخرجهم من الدين كما يخرج السهم من الرمية.
وقد قال أحد السلف: (أخلص دينك لله يكفيك العمل القليل) فإن الله تبارك وتعالى يزن العباد بقلوبهم.
الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا في كل أمورهم وفتاواهم يمشون على الجادة؛ لذلك وصلوا.
والرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه فقال: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا، وعليكم بشيء من الدلجة).
ما هي الدلجة؟ الدلجة: هي الليل، إذا أردت أن تسافر فسافر ليلاً؛ فإن الأرض تطوى بالليل.
وأنا جربت هذا، ولعل بعضكم جرب.
في الليل المسافة تكون أقل.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أراقب عدة مرات الساعة وعداد الكيلومترات أجد أن الفرق بين سير الليل والنهار نصف ساعة، هذا للذي يريد أن يسافر، لكن مقصود النبي عليه الصلاة والسلام، -أو من مقصوده- في هذا الحديث: (عليكم بالدلجة) أي: عليكم بقيام الليل، يعني: صلِّ والناس نيام تَصِلْ، كما أنك إذا أردت السفر تسافر ليلاً فتطوى الأرض لك، فإذا قمت بالليل طويت العبادة لك، وطويت المشقة، فتشعر بهذه اللذة؛ لأن في الليل الإخلاص، إذ لا يتصور أن يقوم مراءٍ منافق من سريره ولا يراه أحد، فيتجشم الوقوف أمام الله رب العالمين ليرائي؛ فلا يقوم بالليل إلا مخلص؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بشيء من الدلجة) لأن هذا هو الذي يناسب أول الحديث: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا.. وعليكم بشيء من الدلجة).
إذاً: هؤلاء الخوارج الذين كفروا جمهور الصحابة، وكفروا عامة المسلمين بارتكاب الكبيرة، لسان حالهم يقول: نحن أبرار، نحن لا نرتكب الكبيرة؛ لذلك نحن مؤمنون وأنتم كفرة.
ما معنى أن يكفر غيره بالكبيرة؟
معناه: أنه لا يفعل الكبيرة، فرجل يبرئ نفسه من الإثم ويرمي به غيره ظالم معتد.
لذلك خرج من تحت عباءتهم -أو شاركهم في بعض ما يقولون- جماعة أتوا فقالوا: إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد! انظر إلى الكلام! إن الله يجب عليه! من الذي أوجب عليه؟! وهل لأحد عليه حق.؟!
إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد..!
وهذا قول المعتزلة، وهذا كله بسبب الغلو.
والجهمية الذين نفوا عن الله تبارك وتعالى صفاته فعلوا ذلك بسبب الغلو، فكل داء خرج من تحت عباءة الغلو.
هناك مناظرة طريفة حدثت بين أبي الحسن الأشعري وبين شيخه أبي علي الجبائي رأس المعتزلة ، وأبو الحسن الأشعري رحمه الله كان رأساً في المعتزلة ؛ لكن بعد هذا المناظرة ترك مذهب الاعتزال.
قال أبو علي الجبائي : إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح لعباده. فقال له أبو الحسن -وكان لا يزال على مذهب المعتزلة: أفرأيت إلى ثلاثة إخوة: أحدهم مات صغيراً قبل أن يحتلم، وكبر اثنان، فآمن أحدهما وكفر الآخر، فدخل المؤمن الجنة، ودخل الكافر النار. فقال: ما حالهم؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: إن الذي كبر وكفر استحق النار، والذي كبر وآمن استحق الجنة. وما حال الصغير الذي قبضته قبل أن يحتلم؟ قال: علمت أنه لو كبر لكفر، فدخل النار، فراعيت مصلحته فقبضته صغيراً، فحينئذ صاح الذي في النار وقال: يا رب! لم لم تراع مصلحتي؟! لم لم تقبضني صغيراً كأخي؟! قال: فانقطع أبو علي الجبائي ، وخرج أبو الحسن من المعتزلة؛ لأنه كلام متناقض على أصولهم، إذا كان الله يجب أن يفعل الأصلح لعباده فما هو الأصلح أن يدخل العبد النار؟!
كل هذا بسبب الغلو، ولا تجد فُرقةً بين المسلمين إلا بسبب الغلو؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو، فقال: (إياكم والغلو! فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين) ولذلك كان كلما خطب عليه الصلاة والسلام يقول: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) لأنه كان هدياً قاصداً، ما فيه عنت؛ لذلك أسعد الناس هم المتبعون للرسول عليه الصلاة والسلام، لا يجدون على الإطلاق مشقة.
ذهب ثلاثة إلى بيوت النبي عليه الصلاة والسلام يسألون عن عبادته، فلما سمعوا بعبادة الرسول عليه الصلاة والسلام كأنهم تقالوها، فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه!.
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعنون به أن رسول الله -عبد أو لم يعبد، جد أو لم يجد- مغفور له.
فهم تقالوا عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذاً يريدون؟ يريدون الغلو، لما تقللوا عبادة النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: لن ننجو إلا إذا أخذنا على بعضنا مواثيق، أو على أنفسنا عهوداً، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، والآخر قال: وأنا أصوم ولا أفطر، والآخر قال: وأنا لا أتزوج النساء! قالوا ذلك لأنه لا يستقيم في نظرهم أن يدخل أحد الجنة إلا بهذا الجد!
لكنه جد على غير طريق الرسول؛ أنى ذلك؟!
فأول ما علم النبي عليه الصلاة والسلام راعه الأمر، ونادى المسلمين جميعاً وقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا؟! أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية).
كيف يخطر ببالك أن تتقلل عبادة رسولك؟ فليس الأمر بكثرة القيام؛ إنما الأمر بالإخلاص؛ لذلك الله تبارك وتعالى يزن الناس بالقلوب: (رب صائم لا يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم لا يأخذ من قيامه إلا النصب) فنهاهم عن ذلك.
وانظر إلى أثر التشديد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، الذي رواه الشيخان وأحمد -والسياق لـأحمد - قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (زوجني أبي امرأةً ذات حسب من قريش، و
ما الذي حصل؟ صار عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ القرآن كل ثلاث، ويصوم يوماً ويفطر يوماً أيام الشباب، ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عمرو بن العاص مجد، لكنه، بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بزمان كبر وشاخ، وصار لا يتحمل، لا يستطيع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لكنه لا يريد أن يقلل من عبادة تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، لا يريد أن يقل، فماذا قال؟ كان يقول: ( يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
شدد على نفسه، وكان بوسعه أن يقبل الرخصة، لكنه لما شدد على نفسه شقي بذلك وتعب، حتى إنه كان يفطر الأيام الطويلة المتتالية يتقوى، ثم يصوم بدلها سرداً -يوم وراء يوم- يفطر عشرة أيام، ويأكل لكي يقوي بدنه، بعد ذلك يصوم عشرة أيام متواصلة، لا يريد أن يكون أقل في العبادة عما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرأيتم إلى الغلو؟
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).
انظر إلى الكلام الجميل!
رجل مستعجل، يريد أن يدرك أقرانه، هو راكب دابة، فمن شدة استعجاله ظل يضرب في الدابة حتى قتلها، فوقف مكانه، لا أرضاً قطع -لا هو مشى- ولا أبقى الظهر الذي كان يركبه، فلما قتلت الراحلة وقف..!
هكذا الغالي، يظل يغلو حتى يخرج من الهدي الصالح، وهو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.