نداءات الرحمن لأهل الإيمان 102


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.

مازلنا مع النداء التسعين في سورة التحريم. وهذا النداء هو قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].

معنى التوبة النصوح

أمرنا الله تعالى في هذا النداء بالتوبة، وليست أي توبة، بل بتوبة خاصة، وهي التوبة النصوح، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]. والمراد بالتوبة النصوح: هي التي لا يعاود فيها العبد الذنب. بل إذا اقترف ذنباً من كبائر الذنوب وتاب منه لا يعود إليه أبداً، كما لا يعود اللبن إلى الضرع بعد حلبه منه.

هذه هي حقيقة التوبة النصوح التي أمرنا الله بها. وليس منا أحد إلا وهو يذنب، وليس بيننا معصوم، فمن قارف ذنباً قد كتب عليه فليعجل بالتوبة الصادقة، وهي: أن يعزم ويصمم عزماً وتصميماً أكيداً أن لا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى.

وأذكركم ونفسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم كان يقول في المجلس الواحد مائة مرة: ( رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم ). ونحن مذنبون فلنقل هذا. وإن لم يكن لنا ذنب ولا معصية فحسبنا أننا لم نقدر الله حق قدره، ولم نشكره على نعمه وآلائه، ولو قدرنا الله حق قدره لصعقنا إذا ذكر الله، وإن لم نصعق لذرفنا الدموع، وارتعدت فرائصنا، ووجلت قلوبنا؛ وذلك لعظمة الله عز وجل.

ولو وهبك إنسان عينين وكنت لا عينين لك، أو وهبك لساناً تنطق به وكنت أبكم أو أخرس لا تنطق، أو عقلاً وكنت مجنوناً لم تستطع أن تشكره. ولذلك فلن تستطيع أن تشكر الله على هذه النعم، إضافة إلى نعمة الإيجاد والإمداد.

ولو لم يكن لنا ذنب إلا التقصير في الشكر فحسبنا ذلك. فلذلك علينا ألا ننسى أن نقول في أكثر الأوقات والساعات: ( رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم ).

وقد تفضل الله علينا بالجزاء مقابل توبتنا النصوح، فقال في ذكر هذا الجزاء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8]. وذلك يوم القيامة. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم:8]. فهؤلاء لهم نور يسعى بين أيديهم وبإيمانهم. وأما الكافرون والمنافقون فلا نور لهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ومن لا نور له فلن يجتاز الصراط، بل مصيره أن ينتكس ويرتكس في عالم الشقاء في النار دار الخلود والبقاء.

التقوى واقية من عذاب الله

الوقاية الكافية التي تقينا من عذاب الله هي تقوى عز وجل، بأن نطيعه فلا نعصيه، وإن عصيناه تبنا إليه حتى يتوب علينا. وتقوى الله هي طاعته تعالى بفعل الأوامر التي أمر بها، وترك النواهي التي نهى عنها.

ولا يمكن لأحدنا أن يطيع الله في أوامره بالفعل، ولا في نواهيه بالترك، وهو لا يعرف الأوامر ولا النواهي، بل هذا مستحيل.

ومن هنا أوجب أهل العلم معرفة الأوامر والنواهي، وأنه يتعين على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرفا أوامر الله ونواهيه. ومن لم يوفق لمعرفة أوامر الله ونواهيه ومحاب الله ومكارهه فلن يكون أبداً من أولياء الله. ولن يكون كذلك إلا إذا عرف محاب الله، وعمل بها، وجاهد نفسه على فعلها، وترك المناهي والمكاره، وابتعد عنها، وجاهد نفسه في ذلك.

فائدة معرفة أوامر الله ونواهيه وامتثالهما

وقد ذكرنا في هذا النداء الأخير جملة من أوامر الله تعالى ونواهيه؛ من باب التذكير؛ إذ لا بد وأن نعرف ما يحب الله وما يكره؛ حتى نفعل المحبوب له فيحبنا ويكرمنا، ونتخلى ونجتنب ما يكرهه فيكون ذلك أيضاً سبباً لحبه لنا ورضاه عنا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيبين.

وأما الملوثون في أرواحهم خبثاء النفوس من الكافرين والمجرمين والظالمين أشباه الشياطين فهؤلاء لا يحبهم الله، ولا يدنيهم ولا يقربهم. وقد علمنا يقيناً أن روح الكافر إذا قبضت يعرج بها إلى السماء، فلا تفتح لها أبواب السماء؛ لأنها كانت خبيثة منتنة عفنة؛ لأنها لم تفعل المزكيات التي هي أوامر الله، ولا تجنبت المنهيات المخبثة للنفس الملوثة لها.

وقد ذكرت سورة الأعراف حداً فاصلاً وبياناً قاطعاً، ولم تترك تردداً ولا شكاً في قلب ذي العقل؛ فقد قال تعالى فيها: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]. وهذا تعليق على محال، والتعليق على المحال محال. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].

وإني أعجب من مؤمن ومؤمنة يعرفان ما دلت عليه هذه الآية، ثم لا يباليان بها، ولا يحفظانها. فهذا والله أمر عجب!

فإذا وجدت من يعلمك هذه الآية ويحفظك إياها في الطائف، فالتحق بالطائف ولو في فصل الشتاء، ولو كان في تبوك فارحل إلى تبوك. وأنت اليوم في بلادك تستطيع أن تجد من يعلمك آية الأعراف، التي فيها بيان أن أصحاب الأرواح الطاهرة هم الذين تفتح لهم أبواب السماء، وأن أصحاب الأرواح الخبيثة تغلق في وجوههم أبواب السماء.

بيان ما تزكو به النفس وما تخبث به

لقد صدر حكم الله على الخليقة كلها إنسها وجنها، وقد بين تعالى هذا الحكم في قصار المفصل في سورة: والشمس، فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فكن ابن من شئت، أو أباً لمن شئت، أو من أسرة من شئت، أو كن من تكون، فإنك إذا لم تزك نفسك باستعمال أدوات التزكية التي وضعها الله، وأنزل بها كتابه، وبينها رسوله فلن تكون أهلاً للفلاح بحال من الأحوال؛ إذ هذا هو حكم الله الصادر.

وتقرير المصير في الدنيا، وليس في يوم القيامة، بل إنك تقرر في الدنيا مصيرك بنفسك. وأنا أقول: تقرير المصير؛ لأنكم ألفتم في الإعلام الهابط كلمة تقرير المصير للشعوب أو تسمعونها من الأمم المتحدة. فأنت يا ابن آدم! تقرر مصيرك على ضوء حكم الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: النفس، وَقَدْ خَابَ [ الشمس:10] وخسر مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:10]. فالأمر بعد الله هو إليك. فإن عملت على تزكية نفسك وتطهيرها وتطييبها، ثم حافظت على تلك الطهارة والزكاة حتى دقت الساعة، وجاء ملك الموت وأعوانه، وأخرجت الروح عرج بها إلى السماء، فتفتح لها أبوابها، وينزلون بها تحت العرش، ويدون اسمها في كتاب اسمه عليين، كما قال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:19-21]. ثم تعود إلى محنة القبر ساعات، ثم تعود لتسرح في الملكوت الأعلى في الجنة ونعيمها إلى أن تدق الساعة بنهاية الحياة، وحينئذ يتم الخلق من جديد.

ولقد علمنا علماً يقينياً أن فلاحنا في زكاة أنفسنا، وأن خسراننا في تدسية نفوسنا. فلا نشك في هذه اليقينيات. فالنفس تزكو بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، فقد وضع الله الإيمان والعمل الصالح لتطهير النفس كما وضع الماء والصابون لتطهير الأجسام والثياب. فالأرواح لا تطهر إلا بالإيمان الحق والعمل الصالح.

والعمل الصالح هو: كل ما فرض الله علينا وأمرنا به، ودعانا إليه ورغبنا فيه من الأفعال والأقوال والنيات إذا أديت على الوجه المطلوب. فإن قدمت أو أخرت، أو زدت أو نقصت بطل مفعوله، كسائر الأدوات التي تستعمل.

ولهذا يجب العلم. فبعض الناس قد يصلي ولا تكتب له حسنة واحدة؛ لأنه لم يؤدها على الوجه المطلوب. وكذلك لا يكتب للشخص أجر ذكر الله إلا إذا أداه على الوجه المطلوب.

وهنا لا بد من معرفة محاب الله، وكيفية أداءها وتقديمها لله؛ حتى تكتب لنا الحسنات، ولا بد من معرفة مساخط الله ومكارهه ومحارمه من قول أو اعتقاد أو عمل أو صفة؛ من أجل أن نتجنبها؛ فتطهر أرواحنا وتزكو نفوسنا؛ حتى تبقى الروح متأهلة للسماء، والدخول والنزول في الملكوت الأعلى.

أمرنا الله تعالى في هذا النداء بالتوبة، وليست أي توبة، بل بتوبة خاصة، وهي التوبة النصوح، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]. والمراد بالتوبة النصوح: هي التي لا يعاود فيها العبد الذنب. بل إذا اقترف ذنباً من كبائر الذنوب وتاب منه لا يعود إليه أبداً، كما لا يعود اللبن إلى الضرع بعد حلبه منه.

هذه هي حقيقة التوبة النصوح التي أمرنا الله بها. وليس منا أحد إلا وهو يذنب، وليس بيننا معصوم، فمن قارف ذنباً قد كتب عليه فليعجل بالتوبة الصادقة، وهي: أن يعزم ويصمم عزماً وتصميماً أكيداً أن لا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى.

وأذكركم ونفسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم كان يقول في المجلس الواحد مائة مرة: ( رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم ). ونحن مذنبون فلنقل هذا. وإن لم يكن لنا ذنب ولا معصية فحسبنا أننا لم نقدر الله حق قدره، ولم نشكره على نعمه وآلائه، ولو قدرنا الله حق قدره لصعقنا إذا ذكر الله، وإن لم نصعق لذرفنا الدموع، وارتعدت فرائصنا، ووجلت قلوبنا؛ وذلك لعظمة الله عز وجل.

ولو وهبك إنسان عينين وكنت لا عينين لك، أو وهبك لساناً تنطق به وكنت أبكم أو أخرس لا تنطق، أو عقلاً وكنت مجنوناً لم تستطع أن تشكره. ولذلك فلن تستطيع أن تشكر الله على هذه النعم، إضافة إلى نعمة الإيجاد والإمداد.

ولو لم يكن لنا ذنب إلا التقصير في الشكر فحسبنا ذلك. فلذلك علينا ألا ننسى أن نقول في أكثر الأوقات والساعات: ( رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم ).

وقد تفضل الله علينا بالجزاء مقابل توبتنا النصوح، فقال في ذكر هذا الجزاء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8]. وذلك يوم القيامة. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم:8]. فهؤلاء لهم نور يسعى بين أيديهم وبإيمانهم. وأما الكافرون والمنافقون فلا نور لهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ومن لا نور له فلن يجتاز الصراط، بل مصيره أن ينتكس ويرتكس في عالم الشقاء في النار دار الخلود والبقاء.

الوقاية الكافية التي تقينا من عذاب الله هي تقوى عز وجل، بأن نطيعه فلا نعصيه، وإن عصيناه تبنا إليه حتى يتوب علينا. وتقوى الله هي طاعته تعالى بفعل الأوامر التي أمر بها، وترك النواهي التي نهى عنها.

ولا يمكن لأحدنا أن يطيع الله في أوامره بالفعل، ولا في نواهيه بالترك، وهو لا يعرف الأوامر ولا النواهي، بل هذا مستحيل.

ومن هنا أوجب أهل العلم معرفة الأوامر والنواهي، وأنه يتعين على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرفا أوامر الله ونواهيه. ومن لم يوفق لمعرفة أوامر الله ونواهيه ومحاب الله ومكارهه فلن يكون أبداً من أولياء الله. ولن يكون كذلك إلا إذا عرف محاب الله، وعمل بها، وجاهد نفسه على فعلها، وترك المناهي والمكاره، وابتعد عنها، وجاهد نفسه في ذلك.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 72 4026 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 49 3684 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 68 3669 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 47 3648 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 41 3500 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 91 3474 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 51 3470 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 50 3462 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 60 3417 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 75 3371 استماع