-1- |
أرصفة العالم تمتدُّ أمامي |
والتأريخُ المتآكلُ يمتدُّ ورائي |
وأنا أتنقلُ بينهما |
بحثاً عن موتٍ أفضلَ |
أو عن لحدٍ فرعونيٍ يحفظُ أشلائي |
فأساطيرُ المصريين القدماءِ |
لا زالت تستهويني |
وتلاحقني |
تخرج من كفيَّ |
ومن تحتِ ردائي |
وتنيرُ كأطيافِ الشعر سمائي |
-2- |
الطائرةُ |
اخترقتْ بحرَ الغيم الهادر بهدوءْ |
ما أن بدأتْ في رحلتها |
حتى أخذتْ تسبحُ في حباتِ الضوءْ |
وزئيرُ محركِها يذهبُ ويجيء |
والجغرافْيا |
سبحتْ أيضاً في أمواجِ الريحِ |
وكانت ذاكرةُ اللحظةِ بالأحمالِ تنوءْ |
أما كرةُ الشمسِ |
فكانَ الشبقُ الأحمرُ في عينيها |
يرقصُ ويُضيء |
-3- |
الساحلُ |
من "سانتا كروزٍ"* |
حتى "سانتا مونيكا" |
كان يُلوِّحُ كالأطفالِ لنا |
ويُرافقنا في رحلتِنا المحفوفةِ بالخُضرةِ والأنوارْ |
وفؤادُ البحرِ الهادئ |
لم يهدأ أبداً |
فالماءُ يطاردُ بعضَ طيور النورسِ |
والزَبدُ الأبيضُ يدهنُ رملَ الشاطئ بالنارْ |
والموجُ حكاياتُ جلالٍ ووَقارْ |
قلبُ اليابسةِ |
يُغازلُ أحلامَ خيوطِ النورِ |
فتولدُ أغنية |
وقصائدُ لازالت تستهويني |
وتحطُّ على كتفيَّ فراشاتٌ.. كالفرحِ المدرارْ |
-4- |
يَقتاتُ المشهدُ إعجابيَ |
إذْ يتبدَّلُ مثلَ خرائطَ لم تُرسمْ بَعْدْ: |
سلسلةُ جبالٍ |
ثم سهولٌ |
ثم دروبٌ من إسلفتٍ عملاقٍ |
يظهرُ كالأشواك الشريرة عن بُعْدْ |
ثمةَ أنهارٌ تحملُ في داخلها الرقةَ والوجدْ |
يبزغُ في الأفْقِ خليجٌ يحتضنُ مياهَ البحر الهادئ |
بحنانٍ |
كي يُذهِبَ عنها الرهبةَ والبردْ |
تظهرُ "سانتا مونيكا" |
حيثُ النخلُ يُضاجعُ ألوانَ الأفق الممتدْ |
تختلطُ حُبيباتُ المطرِ بألعابِ الأطفالْ |
تمتزجُ الضحكاتُ المجنونةُ بالرعدْ |
إن شتاءَك يستقبلني بصدودٍ |
وعواصفُ قلبيَ تشتدْ |
وجنونك |
يا سانتا مونيكا.. يستهويني |
وأنوثتك المرسومة فوق السفحِ كباقة وردْ |
-5- |
الحدُّ الفاصلُ بين الشاطئ والأمواج |
انهارَ بلا سبب |
وستارُ الليل عن الأفق المرتجفِ انداحْ |
وتداخلت العتمةُ ووجوهَ الناسِ |
وعُلِّقَ في الأجواءِ البدرُ الرائعُ كالمصباحْ |
موسيقى تخرجُ من أعجازِ النخلْ |
وقصورُ نجوم السينما |
ترقصُ طرباً |
وتُدثرُ رأسَ التلِّ بقبعةٍ ووشاحْ |
فعلى أفئدةِ الناسِ |
ارتسمَ الحبْ |
وعلى الأبنية ارتسمَ النورُ |
كقوس القزحِ المُترع بالأفراحْ |
وأنا قلبيَ يعصره الهمُّ |
ويدخلُ في دوامةِ ألمٍ ودموعٍ وجراحْ |
قلبيَ كالمدن المهجورة |
تسكنه الأشباحْ! |
-6- |
سانتا مونيكا |
فيها أضواءٌ فارهةٌ |
ومشاهيرٌ |
فيها ألمٌ.. وعوالمُ سُفلى |
فيها ظلمٌ مدفونٌ تحت الأرضِ |
وفيها أشرارٌ يلتهمون الفقراءَ |
وتُجارٌ يغترفونَ الثروةَ من جثث القتلى. |
تحتَ الإسفلتِ المفرطِ في قسوته |
يرقدُ آلافُ السكان الأصليينْ |
ودخانٌ لحرائقَ يدفنها التاريخُ |
ويهربُ منها |
يتناساها |
يُمعنُ في قتلاها.. قتلا |
يا سانتا مونيكا |
يا فاتنة تخطفُ منا الإعجابْ |
يا امرأةً طاغيةَ الإغراء |
يا غانية تتسلى |
يا ضوءاً مرتعشاً كالقرطِ الباذخ.. يتدلى. |
إن خطايا الإنسان وآثامَ حضارته |
لا يمكنُ أن تزهرَ بالنسيانِ.. |
ولا يمكن يوماً أن تصبح َ أحلى.. |
-7- |
صوتُ السياراتِ |
وثرثرةُ الناسِ |
ورقصةُ بندولِ الساعة |
تضربني في العمقْ.. |
تتمنعُ أنثايَ يُحرضها التصخابْ |
والجدلُ القاتمُ يؤلمني |
يشتدُّ المطرُ العاصفُ، والبرقْ |
فالدنيا أيضا ثائرةٌ |
مثلَ المرأة |
إنْ حُرمتْ من ثورتها |
ما عادتْ تصلحُ للعشقْ |
أما الليلُ، |
فكانَ غريزيَّ النظراتْ |
وكذلك كانت أعيادُ الميلاد |
البالوناتُ |
الأهدابُ |
الأمطارُ العطرية.. واللا عطريةُ.. لا فرقْ |
نلتقطُ الصورَ التذكاريةَ |
نتجولُ وفقَ مِزاج الريحْ |
أعترفُ بأخطاءٍ لم أفعلها.. |
ويدُ الأحزانِ على شباكِ القلبِ تَدُقْ. |
"أيسلانيجرا" |
ديوان الرائع بابلو نيرودا |
ينشلني من وجعِ الواقعِ |
كي يدخلني في عالمه المفعم بالصدقْ |
* |
كاليفورنيا - 9 شباط 2008 |
* |
*مدينة ساحلية في جنوب كاليفورنيا. |
*بلدة ساحلية صغيرة إلى الجنوب من سان فرانسيسكو. |