الصفحة 4 من 5

وهو يوم القيامة يضع السماوات والأرضين وسائر الخلق على أصابع كَفّيْهِ -سبحانه وتعالى- ثمَّ يَهُزُّهنَّ فيقول: أنا الملك كما ثبت ذلك في الصحاح، وكما قال سبحانه: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [1]

وكما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أنه قال: (تكونُ الأرضُ يومَ القيامةِ خُبزةً واحدةً. يكفَؤُها الجبَّارُ بيدِه كما يكفَؤُ أحدُكم خُبزتَه في السَّفرِ نُزلًا لأهلِ الجنَّةِ (. [2]

فكيف يُظَنُّ في من هذا بعض عظمته - سبحانه- وهو الظاهر فليس فوقه شيء أن يُحيطَ به شيءٌ من مخلوقاته تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، بل هو بكل شيء محيط.

و [فِي] هنا المذكورةُ في قوله: في السماء ليست ظرفيةً وإنما لذلك معنيانِ صحيحانِ:

الأول: أن [فِي] هنا بمعنى [عَلَى] وهذا صحيح في اللغة دلت عليه النصوص كقوله سبحانه: [فسيروا في الأرض] أي: على الأرض

وكقوله سبحانه أن فرعون قال للسحرة: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [3] أي: عليها وغير ذلك.

الثاني: أن السماء هنا العلوُّ وليس السماواتِ السبعَ المعروفةَ

وهذا أيضًا صحيحٌ في اللغة فقد أخبرَ الله - سبحانه- بأنه ينزل الماء من السماء ومعنى ذلك أنه ينزله سبحانه من السحاب.

والسّحابُ غيرُ السماوات السبع، كما قال سبحانه: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [4] وأدلة أخرى كثيرة، ولكن بدّل الذين ظلموا قولًا غيرَ الذي قيلَ لهم وتقطَّعوا أمرهم بينهم زُبُرًا كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون، فخبَّطوا في هذا الباب تخبيطًا عظيمًا مُتَّفِقِين في نَبْذِ كتابِ الله مختلفين في ما ذهبوا إليه من آرائهم وأهوائِهم فقالت طائفةٌ منهم:

إنَّ الله ليس فوقَ العالَم ولا تحتَه ولا داخله ولا خارجه ولا ولا ولا إلى آخر ما قالوه من زندقتهم وجنونهم فلم يزيدوا على أن وصفوا الله سبحانه بالعَدَمِ

وقابلتهم طائفة أخرى - وهم أكثر من ينتسب إلى القبلة الآن-

فزعموا أن الله سبحانه وتعالى في كلِّ مكان كما تقوله الجهميَّةُ -لعنهم الله-

وكلا القولين ونحوهما كفرٌ عظيمٌ من جهتين:

(1) الزمر: 67

(2) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب صفات المقاتلين وأحكامهم, باب نزل أهل الجنة برقم: 2792

(3) طه: 71

(4) البقرة: 164

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام