ومن أعظم ما يدافع به هذه الواردات على ذهن البعض تدبر الآيات التي تنفي المماثلة بين الخالق والمخلوق, فإن تدبر ذلك من أنفع ما يعالج به ذلك, فإن هذه الآيات هي برد اليقين وراحة القلوب وهي السلاح الفتاك لقتل وساوس الشياطين فمن ذلك قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } فإن قوله تعالى { لَيْسَ } نفي وقوله { شَيْءٌ } نكرة وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي والنهي والشرط تعم, فمقتضى ذلك أن الله تعالى لا يماثله شيء أبداً من مخلوقاته لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, فكيف يقبل الذهن ورود ذلك أصلاً وربنا يقول { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وهذا الأستاذ يقول:- كيف ندفع ما يرد في الذهن من ذلك؟ ونحن نقول:- إن الذهن أصلاً لا يقبل تصور ذلك فضلاً عن اعتقاده أو أن يكون شبهة تحتاج إلى جواب, ولكن من قام في ذهنه ذلك فإنما أتي من قلة فهمه ونقص علمه بالله جل وعلا - كما قدمنا - وإلا من تدبر هذه الآيات حق تدبرها فإنه ينتهي عنده الأمر ولا يحتاج إلى إكمال هذا الكتاب الذي سنملؤه إن شاء الله تعالى من الأوجه الكاشفة لهذه الشبهة, فهذه الآية تقطع دابر المماثلة وقوله { كَمِثْلِهِ } الكاف هنا يقال إنها زائدة, وقولهم ( زائدة ) مجمل فيه حق وباطل والقاعدة في المجملات أننا لا نقبلها مطلقاً ولا نردها مطلقاً وإنما نوقفها على التفصيل حتى يتميز حقها فيقبل من باطلها فيرد, فإن أرادوا أنها زائدة أي لا معنى لها, فوجودها كعدمها فهذا باطل إذ أن كل حرف في القرآن فإن له معناه العظيم, ولا يكون المعنى بدونه كالمعنى به والكاف هنا فائدتها تأكيد نفي المثل فهذا التركيب أبلغ مما لو قال:- ليس مثله شيء فالكاف هنا لها معنى مهم وهو تأكيد نفي المثل فهي بهذا الاعتبار ليست زائدة, وإن أريد بأنها زائدة أي أن المعنى يفهم بدونها أي لا يتوقف فهم المعنى المراد من الآية عليها فهي زائدة بهذا الاعتبار فالمعنى من قوله:- ليس مثله شيء