العدول الذين جعلنا الله تعالى شهداء على الأمم وجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - علينا شهيداً, فهذه الأمة آخر الأمم وأحبها وأكرمها على ربها جلَّ وعلا فكتابها خير كتاب ورسولها أفضل الأنبياء والرسل وشريعتها أخف الشرائع وأحسن الشرائع فلا آصار فيها ولا أغلال ولا إفراط ولا تفريط بل هو الوسط الذي لا لبس فيه ولا غموض, فالشريعة التي جاء بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه جلَّ وعلا قائمة على أصل العدل في الشرائع والعقائد, وهذا أصل يجب مراعاته, فإنه حق بين باطلين ووسط بين طرفين فلا جفاء ولا غلو ولا إفراط ولا تفريط وقد دلَّ على هذه الوسطية الأدلة المتواترة من الكتاب والسنة إما بالتنصيص عليها أو بالتحذير من أضدادها ونواقضها أو يمدح المتمسكين بها أو ببيان ثمراتها اليانعة المباركة كما ستراه بحول الله وقوته في سياق الأدلة على ذلك إن شاء الله تعالى, فهذا بالنسبة للوسطية العامة, وقد انبثقت من هذه الوسطية وسطية خاصة وهي وسطية أهل السنة والجماعة بين سائر الفرق المنتسبة لأمة الإسلام ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر في الحديث الذي يصح بمجموع طرقه أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ولو سيرت بالنظر الدقيق إلى غالب عقائد هذه الفرق لوجدتها قد انقسمت إلى ثلاث فرق, ففرقة أفرطت وتجاوزت الحد في هذا الاعتقاد, وفرقة فرطت وقصرت عن الواجب فيه, وفرقة واحدة فقط توسطت, وهذه الفرقة المتوسطة هم أهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة وأهل الحديث والأثر والفرقة الناجية والسلف زماناً واعتقاداً هؤلاء هم الذين توسطوا في سائر أبواب الاعتقاد وسر هذه الوسطية هو توفيق الله تعالى لهم وهدايته وشرح صدورهم للحق بسبب تمسكهم بالكتاب والسنة وأخذهم بكل أطراف الأدلة واقتفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام حذو القذة بالقذة لايتقدمون عليهم بقول ولاعمل ولا يتأخرون عنهم