ونفصل القول في كل واحد منهما فيما يلي:
الشكل الأول: الحوار مع المشركين.
لقد حاور القران الكريم المشركين وخاطب عقولهم أن تفكر في هذا الكون وهذه النعم التي تحيط بهم علهم يرجعون إلى رشدهم ويؤمنون بأن الله تعالى واحد لا شريك له وأنه الخالق الرازق المحي المميت الذي لا يستحق العبادة إلا هو.
هذه الحوارات كانت كثيرة ومتكررة لكنها أخذت أشكالاً أو صوراً عدة: فمنها ما كان حواراً مباشرا من رب العزة جل وعلا، ومنها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأه معهم استفهاماً بعد لفظ (قل) ، ومنها ما كان سؤالا منه صلى الله عليه وسلم للمشركين، فهذه ثلاث صور للحوار مع المشركين في القران:
الصورة الأولى: حوار الله تعالى مع المشركين.
خاطب الله تعالى المشركين - وغيرهم - في آيات كثيرة على وجه الاستفهام مذّكراً إياهم ببعض آيات قدرته التي يرونها ملموسة في الكون أمام أعينهم، أو ببعض نعمه عليهم والتي لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر، أو ببعض دلائل قدرته على البعث والنشور، ومن ذلك:
قوله تعالى: {أأنتم اشد خلقاً أم السماء بناها ? رفع سمكها فسواها ? وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ? والأرض بعد ذلك دحاها ? أخرج منها ماءها ومرعاها ? والجبال أرساها ? متاعا لكم ولأنعامكم} (1)
والخطاب في هذه الآيات استفهام توبيخي للمشركين من أهل مكة ومن على شاكلتهم من منكري البعث مفاده: أيهما اشد خلقا في تقديركم أنتم أم السماء؟ التي رفعها الله سبحانه وتعالى عالية مستوية الأرجاء واظلم ليلها واظهر نورها، وكذلك الأرض التي بسطها واخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار، وكذلك الجبال التي ثبت بها الأرض أن تميد بكم، كل ذلك متاع لكم ولأنعامكم التي تركبونها وتأكلونها (2) .
1 -سورة النازعات /27 - 33. ... 2 - يراجع: الجامع لأحكام القران 19/ 203 - 206 وتفسير البغوي 4/ 445،444 والتفسير الكبير 30/ 43 - 49 وتفسير أبي السعود 5/ 469 - 4270 وزاد المسير 9/ 23،22.
هذا الاستفهام يعد حواراً مع المشركين بدعوتهم بالتفكر في آيات قدرة الله تعالى وأقربها وأعظمها السماوات والأرض وما فيهما، ولا شك أن الذي خلقهما قادر على أن يعيد الإنسان للحياة مرة ثانية بعد موته.
الصورة الثانية: حوار النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين بصيغة الاستفهام بعد (قل) .
لقد تكرر الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه جل وعلا بمخاطبة المشركين بلفظ (قل) ، وهذه تعد درجة من درجات الحوار مع المشركين يبدأها النبي صلى الله عليه وسلم نقلا عن رب العزة جل وعلا، ومثال ذلك: