الصفحة 58 من 77

أمر واحد، بل على أمرين متضادين، وأحد الفريقين مهتد، وهو نحن، والآخر ضال، وهو أنتم". [1] "

ونقل القرطبي قول بعض أهل العلم:"وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على هدى، وأنتم على ضلال". [2]

ويعلمنا الله هذا الأدب في التعامل مع الآخرين، وهو يؤدب نبيه بقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} (الزخرف: 81) ، قال القرطبي:"وقيل: المعنى: قل يا محمد: إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل، فأنا أول من يعتقده، وهذه مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده، وهذا ترقيق في الكلام كقوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سبأ: 24) ، والمعنى على هذا: فأنا أول العابدين لذلك الولد، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد". [3]

قال الطبري:"لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه: {قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سبأ: 24) ، وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين". [4]

ومثله صنيع إبراهيم عليه السلام من قبل، حيث قال لقومه: {فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين - فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين - فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون} (الأنعام: 76 - 78) .

(1) الجامع لأحكام القرآن (14/ 289) .

(2) الجامع لأحكام القرآن (2/ 14) .

(3) الجامع لأحكام القرآن (16/ 119) .

(4) جامع البيان (25/ 103) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام