سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم ... وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره ... فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفَّر نفسه لكونه كفَّر من هو مثله ...
وقال القرطبي: .. والحاصل أن المقول له إن كان كافراً كفراً شرعياً، فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرَّة ذلك القول وإثمه". [1] "
وفي حديث آخر يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - تكفير المسلم بأعظم ذنب بعد الشرك بالله، وهو تعمد قتل المؤمن، فيقول: (( ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله ) ). [2]
ورمي المسلمين بالكفر باب لشرور عظيمة، لعل أهونها أنه من التنابز بالألقاب الذي نهى الله عنه، قال تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} (الحجرات: 11) .
قال ابن عبد البر:"هو قول الرجل لأخيه: يا كافر يا فاسق، وهذا موافق لهذا الحديث [الحديث السابق] ، فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره [إلا] ببيان لا إشكال فيه". [3]
والتكفير استباحة لما حرمه الله من عرض المسلم، الذي أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرمته في خطبته العظيمة في حِجة الوداع، فقال: (( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب ) ). [4] والقول بكفر المسلم من أعظم ما يقدح في عرضه، وهو مستتبع لهتك ماله ودمه.
قال العز بن عبد السلام:"الأصل [في المسلم] براءة ذمته من الحقوق، وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات، وبراءته من الانتساب إلى"
(1) فتح الباري (10/ 466 - 467) .
(2) رواه البخاري ح (6047) .
(3) التمهيد (17/ 21) .
(4) رواه البخاري ح (67) ، مسلم ح (1679) .