يلج العبد إلى الإسلام بنطقه للشهادتين أعلى شعب الإيمان، ويطمئن قلبه بالإيمان، تشهد له جوارحه بذلك، وهو يركع لله ويسجد، فيُحكم له بالإسلام يقيناً، ويحظى - في الدنيا - بما تستتبعه هذه الكلمة العظيمة من حقوق الولاء وحرمة الدم والعرض والمال، وأما الآخرة فهي دار كرامة الله للمؤمن، فالمؤمن ينجو فيها بإيمانه (( فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي وجه الله ) ) [1] .
والعاصي - وكلنا عاص - يخلص بإسلامه ونطقه لتلك الكلمة الطيبة، فعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن ذرة من خير ) ). [2]
ومثل هذه الشهادات الموثقة للمسلم لا تُنقض إلا بارتكابه جرماً عظيماً ينقض عروة الإيمان وأصله، فتطيش صحائفه ويبور عمله {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} (النساء: 137) .
والذي يهدم أصل الإيمان هو الردة عن الدين والكفر بالله، سواء كان ذلك باللسان أم القلب أم العمل، أم بهن جميعاً.
والكفر في اللغة بمعنى الستر والتغطية , يقال للمزارع:"كافراً"لأنه يغطي البذر بالتراب , ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان"كفراً"، لأن في كفره تغطية للحق بجحد أو غيره , وقيل: سمي الكافر"كافراً"لأنه قد غطى قلبه بالكفر. [3]
وقد عرف أهل الاصطلاح الكفر والردة بمعان تدور حول جحود العبد،
(1) رواه مسلم ح (33) .
(2) رواه البخاري ح (44) .
(3) انظر لسان العرب (5/ 146 - 147) ، ومفردات القرآن (484) .