الإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، وهو داخل في الإيمان بالله عز وجل وبروبيته وأسمائه وصفاته، فمن صفاته سبحانه وتعالى صفة العلم، والقدرة، والإرادة، والخلق، ومعلوم أن القدر إنما يقوم على هذه الأسس.
ولاشك أن الإقرار بتوحيد الله وربوبيته لا يتم إلا بالإيمان بصفاته تعالى، فمن زعم أن هناك خالقاً غير الله تعالى فقد أشرك، والله تعالى، خالق كل شئ، ومن ذلك أفعال العباد (1) .
ولم يرد في القران التنصيص على وجوب الإيمان بالقدر، وإنما وردت أدلة مجملة تدل على تقدير الله للأشياء (2) ، كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } [القمر: 49] ، وقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } [الفرقان: 1 - 2] ، وقوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) } [الأحزاب: 38] ، وقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) } [المرسلات: 21 - 23] .
وقد ورد التنصيص على الإيمان بالقدر في السنة، في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره. قال: -يعني جبريل- صدقت» (3) . وعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه» (4) .
(1) شرح العقيدة الطحاوية ص (2/ 356) . الطبعة الأولى، تحقيق عبد الله التركي، شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ.
(2) انظر: القضاء والقدر، عبد الرحمن المحمود، ص 86، وشريط عقيدة أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر، صالح آل الشيخ، تسجيلات النداء الإسلامية، الرياض.
(3) سبق تخريجه ص 1 حاشية رقم 1.
(4) رواه الترمذي: كتاب القدر، باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، ص (6/ 356 - شرح تحفة الأحوذي) ، رقم 2231، الطبعة الثالثة، ضبط عبدالرحمن عثمان، مكتبة ابن تيمية، 1407 هـ، وقد صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 1743، الطبعة الأولى، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1408 هـ. وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 2439، الطبعة الأولى، مكتبة المعارف، الرياض، 1412 هـ.