ومنها حديث الأعمى الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له أن يعافيه، فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين -كوسيلة بين يدي الدعاء1.
وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته، ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق؛ فإنه صلى الله عليه وسلم بدعائه لهذا الأعمى، رد الله عز وجل عليه بصره، لا بتوسل الأعمى بذاته صلى الله عليه وسلم وجاهه. ولو كان السر في دعاء الأعمى وحده وتوسله بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه دو دعائه؛ لكان كل من دعا بهذا الدعاء من العميان مخلصا، يعافى من وقته أو بعد حين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك لو كان كل أعمى توسل به ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة، أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى. فعدلوهم عن هذا إلى هذا -مع أنهم السابقون الأولون؛ المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ فإنهم أعلم منا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما يشرع من الدعاء وما ينفع، وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره، وهم في وقت رورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق ممكن -دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه2.
واستدلال المخالفين بحديث الأعمى على جواز التوسل بالذات أو الجاه مردود لما يلي:
1-إن الأعمى إنما جاء طالبا الدعاء؛ فالمسألة من بدايتها توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
2 إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء، وهو صلى الله عليه وسلم لا يخلف وعده أبدا. وقد دعا له كما وعده.
3-إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الأعمى دعاء يدعو به، وفيه قوله:"اللهم فشفعه في، وشفعني فيه". والشفاعة هي الدعاء."فشفعه في": أي شفع نبيك صلى الله عليه وسلم في، أي اقبل دعاءه لي بأن ترد علي بصري."وشفعني فيه"؛ أي اقبل دعائي في أن تقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لي3.
وثمة أدلة أخرى استدلوا بها، كلها في مصاف الموضوعات، التي لا تنهض بها الحجة4.
1 أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 138. والترمذي في جامعه، كتاب الدعوات، باب 119، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم في المستدرك 1/ 519، وقال: صحيح الإسناد. ووافقته الذهبي.
2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 326.
3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/ 287-387. والتوصل إلى حقيقة التوسل للرفاعي ص229-232، والتوسل حكمه وأقسامه ص59-66.
4 انظر: مجمموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 142-368، وكذلك: ما جمعه علي بن حسين أبو لوز من شبهاتهم في كتاب: التوسل حكمه وأقسامه ص79-103.