مملكتي، فاختفى أحمد رحمه الله تعالى بقية حياة الواثق، وبعد أن مات الواثق ظهر أحمد إلى العلن مرةً أخرى.
وفي عهد الواثق توسعت دائرة الفتنة، وشملت كافة الأمصار، وكان الفقهاء يُساقون إلى بغداد ليمتحنوا في هذه المسألة ويُفَتَّش عنهم وعن نواياهم وعن قلوبهم، ولم يبق فقيه ولا محدث ولا مؤذن ولا معلِّم حتى أُخِذ بالمحنة، فهرب كثير من الناس، ومُلئت السجون ممن أنكر المحنة، ومُنِع الفقهاء من الجلوس في المساجد، واستمر الحال في أيام الواثق.
بداية ارتفاع محنة خلق القرآن
ورد كتاب المتوكل برفع المحنة بعد الواثق، وكان من الأسباب التي أدت إلى رفع المحنة مناظرة جرت بين يدَي الواثق، فمنها رأى الواثق ترك الامتحان، لكنه كان لا يزال على القول بخلق القرآن، لكن ترك امتحان الناس بسبب حادثة حصلت، قيل: إنه جيء له بشيخ مقيد، فأذِن الواثق لأحمد بن أبي دؤاد بمناظرة هذا الشيخ، فقال أحمد بن أبي دؤاد: يا شيخ! ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: ولِّنِي السؤال، لماذا أنت تبدأ بالسؤال؟ أنا أبدأ بالسؤال، قال: سَل. فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق، قال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم، و أبو بكر، و عمر، و عثمان، و علي، أم لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه، فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، وعلمتَه أنت؟! قال: فخجل، وقال: أقِلْني، فأعاد عليه السؤال، قال: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: مخلوق. قال: أهذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده، أم لم يعلموه؟ قال: علِموه، ولم يدعوا الناس إليه، فقال: أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم قام الواثق، فدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه، وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، علمتَه أنت! سبحان الله! ويكرر ما قاله الشيخ المقيَّد، ثم أمر برفع القيود عنه وإعطائه أربعمائة دينار، وأذن له في الرجوع، وسقط من عينيه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً في هذه القضية.