المأمون، رُدَّ أحمد من الطريق- وتوفي محمد بن نوح، فأُطْلِق قيده، لأنه مات في القيد، وصلى عليه الإمام أحمد رحمه الله.
ومما يروى عن الإمام أحمد قوله: ما رأيت أحداً على حداثة سنه، وقلة علمه، أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير.
فالذين صبروا على المحنة أربعة أشخاص، كلهم من مرو كما قال أبو العباس بن سعيد المروزي وهم: أحمد بن حنبل، و أحمد بن نصر الخزاعي، و محمد بن نوح، ونعيم بن حماد، وذكر ممن لم يجب أيضاً أبا نعيم الفضل بن دكين، و عفان بن مسلم، و أبا يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، تلميذ الشافعي وصاحبه، و إسماعيل بن أبي أويس، و أبا مصعب المدني، و يحيى الحِمَّاني. ونقل عن البويطي قولته المشهورة:"فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قومٌ يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصْدُقَنَّهم عليه"أي: على الخليفة الواثق.
ويؤخذ أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي، شيخ أهل الشام ومحدثهم، مكبلاً بالحديد فيمتحن ويصر على الرفض بخلق القرآن، ويهدَّد بالقتل، ثم يستجيب تحت التهديد بالسيف، ومع ذلك يعاد بأغلاله إلى بغداد، ويموت في سجنها.
وبعد موت المأمون، أخذ المعتصم بتعذيب العلماء والمحدثين الذين لم يقولوا بخلق القرآن، ومكث أحمد في السجن ثمانية وعشرين شهراً. ويقال: إن المعتصم رقَّ في أمر الإمام أحمد لما رأى ثباته وتصميمه وصلابته؛ ولكن ابن أبي دؤاد قال له: إن تركته، قيل: إنك تركت مذهب المأمون وسخطت قوله، فعاود ضرب الإمام أحمد.
وبعد المعتصم خلفه الواثق وورث الدعوة إلى هذه البدعة، وامتحن الناس، لكنه لم يتعرض لأحمد، إما لأنه خاف من أن يتألب عليه العامة، أو لما علم من صبره، وأنه لا فائدة من تعذيبه، ولكن قال لأحمد: لا أريد أن أرى وجهك في