الصفحة 95 من 291

من روحية ومادية , ولم تظهر هذه العناصر النصرانية وأشباهها إلا بعد أن كان المسلمون قد اختلطوا بالنصارى وأخذوا يحاورونهم ويجادلونهم في العقائد , فكان طبيعيا أن ينتشر بعض هذه العقائد النصرانية , وأن يعمل عمله في البيئة الإسلامية , ويتردد صداه في أقاويل الصوفية ومذاهبهم في الحب الإلهي وفيما يتصل به , من اتحاد بين الرب والعبد , ومن حلول الرب في العبد.

وهذا أمر طبعي ملازم لسنة الحياة وتطورها: إذ لا يمكن وقد تطور التصوف وقد استحال إلى علم له مناهجه ومذاهبه ومنازعه الروحية المصطبغة بصبغة فلسفية , أن يظل الصوفية بمعزل عن هذا الجو الذي امتلأ بالأفكار والعقائد النصرانية وما يدور حولها وجدل بين المسلمين والنصارى دون أن يكون له أثر فيما صدر عنهم من أقوال , وما ذهبوا إليه من مذاهب , لا سيما إذا كانت هذه الأقوال والمذاهب تدور حول مسائل تتصل من قريب أو بعيد بالعقائد) [1] .

ويقول الدكتور التفتازاني بعد الرد على المستشرقين القائلين بأن كثيرا من أمور التصوف مأخوذة من النصرانية , يقول بعد الرد عليهم:

(ومع هذا لا ننكر تأثر بعض الصوفية المتفلسفين بالمسيحية , على نحو ما نجد عند الحلاج الذي استخدم في تصوفه اصطلاحات مسيحية كالكلمة واللاهوت والناسوت وما إليها , ولكن هذا لم يظهر إلا في وقت متأخر(أواخر القرن الثالث الهجري) بعد أن كان زهد الزهاد قد استقر في القرنين: الأول والثاني الهجريين , واصبح دعامة لكل تصوف لاحق.

ولذلك فإن من الإنصاف العلمي القول بأن مذاهب الصوفية في العلم , ورياضاتهم العلمية , ترد إلى مصدر إسلامي , إلا أنه بمرور الوقت وبحكم التقاء الأمم واحتكاك الحضارات , تسرب إليها شيء من المؤثرات المسيحية أو غير المسيحية , فظن بعض المستشرقين خطأ أن الصوفية أخذوا أول ما أخذوا عن المسيحية) [2] .

فهذه هي خلاصة الكلام في ذلك , نكتفي بها ظانين بأنها كافية لجلاء الموضوع , وتنوير الطريق لمن أراد أن يتقدم إليه ويسلك فيه.

(1) أضواء على التصوف للدكتور طلعت غنام ص 84 إلى 88 ط عالم الكتب القاهرة.

(2) مدخل إلى التصوف الإسلامي للدكتور أبي الوفاء الغنيمي التفتازاني ص 29 , 30 ط دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام