وإذا كانت العبرة عند الناس بالنتيجة ، فهذا التاريخ البشري قد ازدحمت صفحاته بأسماء الفلاسفة والعلماء والزعماء والمصلحين ، كما سجلت أسماء رسل رب العالمين. فإذا قارنا بين نتائج الدعوات الإلهية ، والدعوات البشرية في مجال إصلاح الأوضاع الإنسانية ، وجدنا الفرق الشاسع. فبينما نجد الإصلاح الإلهي شاملاً لكل جوانب الحياة ، عميقاً ينبع من داخل النفس، دائماً ما دام الناس سائرين عليه ، نجد الدعوات البشرية جزئية لا تشمل جوانب الحياة الإنسانية ، سطحية لا تسيطر على دخائل النفوس ، مؤقتة سرعان ما تنتهي ويتطرق إليها الخلل السريع ، وتختفي أسماء أصحابها. وليس ذلك إلا شاهداً بأن الإصلاح الإلهي هو إصلاح العليم الخبير بما خلق . وإصلاح البشر إصلاح لا يحيط علماً بكل شيء. قال تعالى في أمثال هؤلاء المفسدين:
? وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ? [البقرة: 11، 12] .
وإيماننا بالرسل يقوم على الأدلة الساطعة ، والحجج الواضحة والبينات النيرة، التي تلزم كل عقل بتصديقهم، والتي تقطع كل حجة للكافرين .
قال تعالى: ? لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...? [من سورة الحديد:25] .
وهكذا نجد حياة المؤمن نور على نور .
فهو يعرف خالقه معرفة تشعر بها الفطرة، وتقوم على الأدلة العقلية ، والراهين التي تملأ صفحة الكون، وتعلم من الرسالات السماوية .
والمؤمن يعرف رسول ربه ، الذي يحمل إليه الهدى ، والنور معرفة تقوم على العلم الصحيح، القائم على البينة والأدلة اليقينية ، والحجج والبراهين العقلية .