الشبهة الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:35) .
الجواب: قال إمام المفسرين الحافظ ابن جرير - رحمه الله - في تفسيرها: «يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم، ووعد من الثواب، وأوعد من العقاب. {اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} يقول: أجيبوا الله فيما أمركم، ونهاكم بالطاعة له في ذلك. {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} :يقول: «واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه» .
ونقل الحافظ ابن كثير عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن: معنى الوسيلة فيها القربة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، ونقل عن قتادة قوله فيها: «أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه» ثم قال ابن كثير: «وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه ... والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود» ..
الشبهة الثانية: قوله سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (الإسراء:57) .
الجواب: بَيَّنَ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: «نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنيّون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون» . (رواه مسلم والبخاري بنحوه) ، وفي رواية له: «فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم» .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: «أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك، لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وهذا هو المعتمد في تفسير الآية» . (فتح الباري) (10/ 12 - 13) .
وهي صريحة في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى، ولذلك قال: {يَبْتَغُونَ} أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة، وهي كذلك تشير إلى هذه الظاهرة الغريبة المخالفة لكل تفكير سليم: ظاهرة أن يتوجه بعض الناس بعبادتهم