على ما كان عليه في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد ارتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته لأن الحكم كان ابن أخيه. على أن عثمان قال اعترضوا عليه بذلك: إني كنت أخذت الإذن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول أبي بكر ذلك مني لطلبه شاهدا آخر على إذنه - صلى الله عليه وسلم - له بالدخول المدينة، وكذلك عمر، ولما أدت النوبة إلى عملت بما علمت. [1] وأيضا قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق، والله تعالى الهادي إلى طريق السداد، ومنه التوفيق والرشاد.
ومنها أن عثمان وهب لأهل بيته وأقاربه كثيرا من المال، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه، كما اعطى الحكم مائة ألف درهم [2] وأعطى مروان خمس إفريقية [3] [وسعيد بن] العاص [4] ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة، [5] إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال. [6]
والجواب - على فرض التسليم - أن عثمان - رضي الله عنه - بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال، فإنه كان من المتمولين قبل أن يكون خليفة، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر، فقد كان - رضي الله عنه - يعتق في كل جمعة رقبة، ويضيف المهاجرين والأنصار، ويطعمهم في كل يوم. وقد روي عن الإمام الحسن البصري أنه قال: إنى شهدت منادي عثمان ينادي «يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافرة، يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم، فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله لقد سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل» [7] ومن راجع كتب التواريخ
(1) لم يعرف مصدر الرواية.
(2) نقله المجلسي عن الواقدي في بحار الأنوار: 31/ 300.
(3) ذكرها الإمامية في كتبهم نقلا عن الواقدي. المجلسي، بحار الأنوار: 31/ 221. ولا تصح تاريخيا لأن الطبري روى في قصة الخمس هذه أن عمرو بن العاص عندما كان واليا على مصر، وكان عبد الله بن سعد على جندها وأراد أن يغزو أفريقية قال له عمرو بن العاص: «إن فتح الله عليك غدا أفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا» ، ولم يكن عثمان - رضي الله عنه - يعلم بهذا، فلما علم رد المال وعزل عمرو بن العاص لذلك. تاريخ الطبري: 2/ 597.
(4) في المطبوع خالد بن أسيد بن العاص والصحيح سعيد بن العاص.
(5) رواية شيعية لا أصل تاريخي لها، أخرجها الطوسي في أماليه: ص 711؛ وعنه المجلسي في بحار الأنوار: 31/ 451
(6) الحلي، نهج الحق: ص 293.
(7) تاريخ دمشق لابن عساكر: 39/ 227.