فهرس الكتاب
الصفحة 257 من 339

ومنها أن أبا بكر استخلف والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف، [1] فقد خالف. [2]

ويجاب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار بالاستخلاف، والإشارة إذ ذاك كالعبارة. وفي زمن الصديق كثر المسلمون من العرب، وهم حديثو عهد بالإسلام وأهله فلا معرفة لهم بالرموز والإشارات، فلا بد من التنصيص والعبارات، حتى لا تقع المنازعات والمشاجرات. وفي كل زمان رجال، ولكل مقام مقال. وأيضا عدم استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لعلمه بالوحي بخلافة الصديق كما ثبت في صحيح مسلم، ولا كذلك الصديق إذ لا يوحى إليه ولم تساعده قرائن فعمل بالأصلح للأمة، ونعم ما عمل، فقد فتح الفاروق البلاد، ورفع قدر ذوي الرشاد، وأباد الكفار [3] وأعان الأبرار.

ومنها أن أبا بكر كان يقول «إن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني» . [4] ومن هذا حاله لا يليق للإمامة. [5]

ويجاب بأن هذا غير ثابت عندنا، فلا إلزام. بل الثابت أنه أوصى عمر قبل الوفاة فقال: «والله ما نمت فحلمت، وما شبهت فتوهمت، وإني لعلى السبيل ما زغت، ولم آل جهدا. وإني أوصيك بتقوى الله تعالى» [6] الخ. نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد: «يا أصحاب الرسول أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي - صلى الله عليه وسلم: الوحي والعصمة من الشيطان» ... وفي آخرها: «إني لست معصوما فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه» . وهذا عين الإنصاف. ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لازما على الخليفة التنبيه على الاختصاص بالجناب الكريم. وأيضا روي في الكافي للكليني في رواية صحيحة عن جعفر الصادق أن لكل مؤمن شيطانا يقصد إغواءه. [7] وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا أيضا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن» فقالت الصحابة: حتى أنت يا رسول الله؟ قال «نعم، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره» . [8] فأي طعن فيما ذكروه؟ والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة

(1) وهل يعترف الشيعة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف؟

(2) ابن المطهر الحلي، نهج الحق: ص 354.

(3) {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}

(4) الطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبري. ورواية ابن سعد عن الواقدي وهو ضعيف بإجماع المحدثين، أما الطبري فرواها عن شعيب بن إبراهيم كاتب سيف بن عمر قال الذهبي عنه: (فيه جهالة) . ميزان الاعتدال: 3/ 377؛ أما سيف بن عمر فحاله ليس بأحسن من حال الواقدي. فهذه رواية لا تصلح للاحتجاج ضعيفة الإسناد.

(5) الحلي في نهج الحق: ص 264.

(6) ابن عساكر في تاريخ دمشق: 30/ 415.

(7) ولفظه: «ما من مؤمن إلا وقد وكّل به أربعة شيطانا يغويه يريد أن يضله، وكافرا يغتاله، ومؤمنا يحسده وهو أشدهم عليه، ومنافقا يتتبع عثراته» . الكافي: 2/ 251.

(8) صحيح مسلم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام