{لا ينال عهدي الظالمين} ههنا ليس إلا من المغالطة، إذ مفاد الاية أن الرياسة الشرعية لا تنال الظالم، [1] لأن العدالة في جميع المناصب الشرعية - من الإمامة الكبرى والقضاء والاحتساب والإمارة وغيرها - شرط لتحقيق فائدة ذلك المنصب، ونصب الظالم في أي رياسة موجب لفسادها، فبين الكفر والظلم والإمامة منافاة، ولا يجتمع التنافيان في وقت واحد في ذات أصلا، وهذا هو مذهب جميع أهل السنة أن الإمام لا بد أن يكون وقت الإمامة مسلما عادلا، لا أنه لم يكن قبل الإمامة كافرا وظالما، ومن كفر أو ظلم ثم تاب عنه من بعد ذلك وأصلح فلا يصح أن يطلق عليه أنه كافر أو ظالم أصلا في لغة وعرف وشرع، إذ قد تقرر في الأصول أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفي غيره مجاز، ولا تكون المجاز أيضا مطرودا بل حيث يكون متعارفا ينبغي أن يطلق هنالك، كما تقرر في محله أن المجاز لا يطرد وإلا لجاز «نخلة» لطويل غير الإنسان، و «صبي» لشيخ، وهي سفسطة قبيحة، [2] كذا النائم للمستيقظ والفقير للغني والجائع للشبعان والحي للميت وبالعكس. وقد روى الزاهدي في حديث طويل أن أبا بكر قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمحضر من المهاجرين والأنصار «وعيشك يا رسول الله، إني لم أسجد للصنم قط، فنزل جبريل وقال: صدق أبو بكر» وكذلك ذكر أهل السير والتواريخ في أحوال أبي بكر أنه لم يسجد لصنم قط، فصحت إمامته بملاحظة هذا الشرط أيضا وصارت إجماعا والحمد لله.
الدليل الثالث: أن الإمام لابد أن يكون منصوصا عليه، ولا يوجد نص في غير الأمير، فغيره لا يكون إماما بل هو الإمام. [3]
والجواب بعد أن نذكر ما اسلفنا في تصحيح الدليل الأول من عكس الترتيب وضم قياس آخر معه أن المقدمتين ممنوعتان: أما منع الصغرى فلما مر من قول الأمير: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اختاروا رجلا وسموه إماما كان لله رضًا. وأما منع الكبرى فلأنه لو وجد النص في علي، فإما في القرآن أو الحديث فقد مر الأمران جميعا.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/ 108.
(2) السفسطة: «تمويه بحجة باطل بقضية أو قضايا فاسدة تقود إلى الباطل» . الإحكام لابن حزم: 1/ 37.
(3) الحلي في نهج الحق: ص 171.