ولأنه لو وجد النص لكان متواترا إذ لا عبرة للآحاد في الأصول، ولا أقل من أن يعرفه أهل بيته، وهم قد أنكروه، [1] ولأنه لو وجد النص في الإمام لوجد في كل الأئمة، وقد اختلف أولاد كل إمام بعد موته في دعوى الإمامة، [2] ولأنه لو وجد النص لما وقع الاختلاف بينهم، ولأنه لو وجد النص فإما أن يبلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عدد التواتر أو لا، وعلى الأول إما أن يكتموه عند الحاجة إلى إظهاره أو يظهروه، ولا سبيل إلى الثاني بالإجماع، والأول يرفع الأمان عن التواتر ويستلزم كذب المتواترات، وإن لم يبلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عدد التواتر لم تلزم الحجة فيه على المكلفين فتنتفي فائدة النص، بل يلزم ترك التبليغ في حق النبي وهو محال.
الدليل الرابع: أن الأمير كان متظلما ومتشكيا من الخلفاء الثلاثة دائما في حياته، وبين أنه مظلوم ومقهور، وما ذاك إلا لغصب الإمامة منه فتكون الإمامة حقه دون غيره، إذ الأمير صادق بالإجماع. [3]
وأنت تعلم أن هذا الدليل غير مذكور بتمامه، فإن كبراه مطوية وهي «وكل من كان كذلك فهو إمام» فيلوم من بعد تسليمه أن يكون كل من أوذوا وظلموا حقيقة أئمة، وهذا خلف، واعتبار القيود الأخر يبطل التعدد ويجعله حشوا.
وأجيب عن هذا الدليل بمنع صحة تلك الروايات، لأن أهل السنة لم يثبت عندهم إلا روايات الموافقة والمناصحة والثناء بالجميل ودعاء الخير فيما بينهم والمعاونة والإمداد ونحوها. وأكثر روايات الإمامية في هذا الباب موافقة لروايات كما تقدم نقله عن الأمير في نهج البلاغة في قصة عمر، ومن ثنائه عليهم بالخير في حياتهم وبعد موتهم، وارتضائه بأعمالهم وشهادته لهم بالنجاة والفوز. وروايات أهل السنة في هذا الباب أكثر من أن تحصى. ولنذكر منها هنا رواية واحدة رواها الحافظ أبو سعيد ابن السمعان [4] في (كتاب الموافقة)
(1) تقدم هذا عن الحسن المثنى
(2) وفرق الشيعة قد اختلفت كثيرا في أئمتها، فكل فرقة تدعي أن إمامها الحق وغيره باطل.
(3) بحار الأنوار: 28/ 372.
(4) أعلام النبلاء: 18/ 55؛ طبقات الحفاظ: ص 430؛ شذرات الذهب: 3/ 273.