وإما خبر الله ورسوله. وظاهر أن المتواتر لا دخل له ههنا لأن المتواتر يشترط انتهاؤه إلى المحسوس في إفادة العلم الضروري، [1] فلا يكون في غير المحسوسات - مثل ما نحن فيه - مفيدا وإلا يكن خبر الفلاسفة بقدم العالم مفيدا للعلم الضروري وهو باطل بالإجماع، وخبر الله ورسوله لا يكون موجبا للعلم في هذا الباب على أصول الشيعة: أما أولا فلأن البداء في الإخبار جائز عندهم، فيجوز أن يخبر في وقت بعصمة رجل ثم بفسقه في وقت آخر، وأحد الخبرين وصل إلينا دون الآخر، وبجوز البداء في الإرادة أيضا بإجماع الشيعة [2] فيحتمل أن تتعلق الإرادة في وقت بعصمة رجل وفي وقت آخر بفسقه، فارتفع الاطمئنان بأن هذا الرجل يبقى على عصمته إلى آخر العمر. وأما ثانيا: فلأن وصول خبر الله ورسوله إلى المكلفين إما بواسطة معصوم أو بواسطة تواتر، ففي الشق الأول يلزم الدور الصريح، وفي الشق الثاني يلزم خلاف الواقع، لأن كل تواتر ليس مفيدا للعلم القطعي عند الشيعة، [3] كتواتر المسح على الخف، وغسل الرجلين في الوضوء، وإلى المرافق، وأمة هي أربى من أمة في كلمات القرآن، [4]
وصيغة التحيات في قعدة الصلاة، [5] وأمثال ذلك. فلا بد من أن يعين تواتر خاص. وذلك أيضا غير مفيد، إذ حصول العلم القطعي من التواتر يكون بناء على كثرة الناقلين وبلوغهم إلى ذلك المبلغ فقط، ولما كذب الناقلون في مادة أو مادتين ارتفع الاعتماد عن اقسامه كلها.
ولا يمكن أن تجزي هذه الوجوه في عصمة الأنبياء لأن ثبوتها بأخبارهم الصادقة، وقد ثبت صدقهم في كل ما ادعوا بظهور المعجزات الباهرة، فلا يقاس عليهم من عداهم من العباد ولو إماما فإنه أيضا تابع والتابع دون المتبوع لا محالة، فلا يستقيم بها النقض على ما قاله السائل لاختلاف المادة، مع أنه سند منع بصورة الاستدلال للاهتمام لا غير فافهم.
وأما كون الكبرى ممنوعة؛ فلأن الأمير قال لأصحابه: «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنني لست بفوق أن اخطئ، ولا آمن من ذلك في فِعلي» كذا في (نهج البلاغة) وظاهر أن هذا القول لا يصدر من المعصوم، خصوصا إذا كانت
(1) الجويني، البرهان: 1/ 159؛ الشوكاني، إرشاد الفحول: 1/ 88.
(2) روى الكليني عن الفضيل عن أبي عبد الله أنه قال: «لله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء» . الكافي 1/ 149.
(3) كذا قرر السلطان في حاشيته: ص 322.
(4) تقدم الكلام على هذه المسائل ..
(5) إشارة إلى نفي الشيعة لصيغة التحيات رغم تواترها عند أهل السنة، فروى ابن بابويه عن الصادق أنه قال: «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين، بقوله (تبارك اسمك وتعالى جدك) وهذا شيء قالته الجن بجهالة، فحكاه الله عنها، وبقوله (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) يعني في التشهد الأول، وأما الثاني بعد الشهادتين فلا بأس به ... » . من لا يحضره الفقيه: 1/ 401.