33 -ورواه مسلم عن عبيد اله بن مقسم أنه نظر إلى عبداللهِ بن عمرَ -رضي الله عنهما- كيفَ يحْكي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يأخذُ الله سماواتِه وأرضيِهِ بيديه فيقبِضُهُما، فيقول: أنا الملكُ ويقبض أَصابِعَهُ ويبسطُها فيقول: أنا الملك ) )حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقِطٌ هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ [1] .
(1) رواه مسلم كتاب صفات المنافقين (4/ 2148) وابن ماجة (1/ 71) رقم (198) من طريق أبي حازم عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى ... هذا الباب، باب قول الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره} معناه أيضًا ذكره الإمام -رحمه الله- في آخر كتاب التوحيد ومناسبة هذا الباب لكتاب أصول الإيمان أن الإيمان بالله الذي هو أعظم أركان الإيمان كما هو معلوم أركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، الإيمان بالله يشمل ثلاثة أنواع: الإيمان بالله ربًا، والإيمان بالله إلهًا، والإيمان بأسماء الله -جل وعلا- وصفاته وأفعاله يعني أن الإيمان بالله يشمل أنواع التوحيد الثلاثة فلا يكون المرء مؤمنًا بالله حق الإيمان حتى يوحد الله في الإلهية وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات، هذا الباب هو في توحيد الربوبية وفيه أيضًا، أو ذكر بعض صفات الله -جل وعلا- وبعض أسماء الله -جل وعلا-.
قوله -جلا وعلا-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} هذه من الآيات العظيمة التي تكررت في غير موضع من القرآن كقوله سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} الآية من سورة الأنعام.
وكقوله في آخر الزمر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} التي ساقها الإمام -رحمه الله-.
قوله جل وعلا- {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني أنه ما من أحد سيبلغ قدر الله -جل وعلا- حق قدره، لابد أن يكون ثم نقص عما هو حق لله -جل وعلا- في عظمته؛ لأن ذلك مبني يعني بلوغ الحق في القدْر مبني على العلم التام بالله جل وعلا- وبما هو عليه سبحانه بأسمائه وصفاته، وأفعاله وربوبيته إلى آخره، وهذا العلم إنما كمل الكمال البشري في الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه، فهم أعظم الخلق تعظيمًا لله -جل وعلا- وأعظم الخلق قدرًا لله -جل وعلا حق قدره والله - سبحانه وتعالى - قدره أعظم ولا يعلم ذلك إلا هو - سبحانه وتعالى -.
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} معناها وما عظموا الله حق تعظيمه فمن عبد غير الله ما عظم الله حق تعظيمه من ألحد في أسمائه وصفاته ما عظم الله حق تعظيمه من أنكر الرسالة وأنكر إنزال الكتاب ما عظم الله حق تعظيمه، وما علم صفة الله -جل وعلا- ولم يعظمه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه فالمسألة عظيمة جدًا، وإذا تأملت في صفة من الصفات وهو أن الله - سبحانه وتعالى - هو العظيم -جل وعلا- وهو الواسع - سبحانه وتعالى - تأمل كيف أن الأرض، كما ذكر -جل وعلا- هنا كيف أن الأرض قَبْضَةُ الله - سبحانه وتعالى - على كبرها عندك، وأن السماوات على اتساعها وكبرها وعظمها وتباعد ما بينها أنها مطويات بيمينه يمين الرحمن -جل وعلا- وأن السماوات السبع بعضها فوق بعض إلى أن تكون السماوات على عظمها وكبرها أن تكون تحت الكرسي وأنها بالنسبة إلى الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس وأن الكرسي هو موضع قدمي الرب -جل وعلا- وأن فوقه العرش وفوق العرش رب العالمين سبحانه وأن الكرسي الذي السماوات كسبعة دراهم فيه بالنسبة إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، والله -جل وعلا- مستو على عرشه وعرشه لا يحيط به - سبحانه وتعالى - علمت عظم الله -جل وعلا- وعظم صفاته وأن الإنسان جُبل على أن يكون ظلومًا جهولاً، لابد أن يكون ظلومًا يغفل عن تعظيم الله وعن قدره حق قدره سبحانه وأن يكون جهولاً بصفات الله -جل وعلا- وبأسمائه ولو نال من ذلك ما نال فهو مقصر؛ لأن عظم الله -جل وعلا- ولأن قدره لا يحيط به محيط، وهذا معنى كون الله -جل وعلا- محيط وكونه سبحانه واسع وكونه سبحانه العظيم وكونه سبحانه الجليل، ونحو ذلك من أسماء العظمة والجلال، إذن من تأمل صفات الله -جل وعلا- ومن تأمل الربوبية وتأمل عظم الله وأسمائه كالجليل والعظيم والواسع والمحيط و {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ} وأشباه ذلك علم أن العباد ما قدروا الله حق قدره، وأن العبد إنما يعظم بتوحيد الله بأنواعه الثلاثة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأن توحيد الربوبية مهم لمن كمله توحيد الأسماء والصفات مهم لمن كمله وتوحيد العبادة هو المهم لمن عبد الله -جل وعلا- ذلك لأنه هو رسالة الأنبياء والمرسلين.
وإذاً الإيمان بَقَدْر الله حق قدره والتأمل في ذلك ووعظ القلب بذلك والتفكر في ذلك هذا يورث الإيمان، ولهذا جعله شيخ الإسلام في هذا الكتاب جعله من أصول الإيمان، فمن أصول الإيمان، الإيمان بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ومن أصول الإيمان التفكر أيضًا في عظمة الله -جل وعلا- وعظمة ربوبيته وجلاله وما يجريه في خلقه - سبحانه وتعالى -، فقد أمر الله بذلك في مواضع من القرآن وأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواضع أيضاً.
فإذاً لابد للعبد من التفكر في عظمة الله -جل وعلا- وعظمة صفاته وكيف أنك إذا تأملت تركيب السماوات بعضها على بعض وعظم السماوات وعظم الأرض بالنسبة لك أنت، ثم عظم السماوات بالنسبة للأرض ثم عظم الكرسي بالنسبة للسماوات، ثم عظم العرش بالنسبة للكرسي تتصاغر وتتصاغر حتى توجب على نفسك تعظيم الله -جل وعلا- حق تعظيمه وتوجب على نفسك الذل؛ لأن العبد لا ينفك إذا آمن بهذا حقيقة أن يكون أذل وألا يترفع وألا يتكبر لأنه يعلم حقيقة نفسه وحقيقة خلقه مقداره، ثم هو يعظم الله -جل وعلا حق تعظيمه وأصل الإيمان التذلل لله بعد الإيمان بربوبيته سبحانه وأسمائه وصفاته وربوبيته، والتذلل فكلما كان العبد أكثر ذلاً وتعظيمًا لله -جل وعلا- وخشوعًا في القلب كلما كان أكثر إيمانًا وأعظم مقامًا عند الله -جل وعلا- {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .