الصفحة 2 من 32

يقول (بودلي) : =في عالم 1918م وليت ظهري العالم الذي عرفته طيلة حياتي، ويممت شطر أفريقيا الشمالية الغربية، حيث عشت بين الأعراب في الصحراء، وقضيت هناك سبعة أعوام، وأتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم، وآكل من طعامهم، وأتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغناماً، وأنام كما ينامون في الخيام، وقد تعمقت في دراسة الإسلام، حتى أنني ألفت كتاباً عن محمد"عنوانه (الرسول) وكانت تلك الأعوام السبعة التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرُّحل من أمتع سني عمري، وأحفلها بالسلام، والاطمئنان، والرضا بالحياة."

وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق؛ فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذاً سهلاً هَيِّناً، فهم لا يتعجلون أمراً، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقاً على أمر.

إنهم يؤمنون بأن ما قُدِّر يكون، وأن الفرد منهم لن يصيبه إلا ما كتب الله له.

وليس معنى هذا أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيدي، كلا+.

ثم أردف قائلاً: =ودعني أضرب لك مثالاً لما أعنيه: هَبَّت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال الصحراء وعبرت بها البحر الأبيض المتوسط، ورمت بها وادي (الرون) في فرنسا، وكانت عاصفة حارةً شديدة الحرارة، حتى أحسست أن شعر رأسي يتزعزع من منابته؛ لفرط الحر، وأحسست من فرط القيظ كأنني مدفوع إلى الجنون.

ولكنَّ العرب لم يشكوا إطلاقاً، فقد هزوا أكتافهم، وقالوا كلمتهم المأثورة: (قضاء ومكتوب) .

لكنهم ما إن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير، فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتها، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء.

فعلوا هذا كله في صمت وهدوء، دون أن تبدو من أحدهم شكوى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام