في درجته بهذا الفداء والقضاء؟ فإن قالوا: المسيح هو ابن الله ولم يصلح لفداء الخلائق وخلاص الأمم سواه.
قلنا: ليس من العدل أن يجني ابن آدم فَيُقْتَل ابن الله في جنايته. ثم نقول: أليس إسرائيل عندكم في التوراة هو بكر الله، والبِكْرُ أولى وأفضل عند أبيه من غير البكر، فهلا فداه به ولم يدع الناس في العذاب إلى حين مجيء المسيح؟!.
ثم نقول: إن المسيح عند طائفة منكم1 هو الله الأزلي، وعند أخرى2 هو ابن الله، فكيف يستقيم أن يقتل الله نفسه أو ابنه بدلاً عن عبده؟!. و {الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوتِهَا} . [سورة الزمر، الآية: 42] . فكيف يتوفّى نفسه، فيتّحد القاتل والقتيل فيكون قاتلاً قتيلاً؟!.
ثم نقول: أرأيتم لو أنّ رجلاً أمر عبده بأمر فخالفه فغضب عليه وتوعده فخافه العبد وأشفق من عقوبته وراجع خدمته وشمّر في مرضاته فعطف عليه مولاه فرحمه، ثم عمد إلى ولد نفسه فقتله وصلبه على أعلى جذع، ثم التفت إلى عبده فقال: هذا فداؤك، أكنتم تعدونه حكيماً؟!.
ثم نقول: ألستم عبتم قول ربّنا جلّ اسمه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكَِن شُبِّهَ لَهُم} . [سورة النساء، الآية: 157] . وزعتم أن ذلك ظلم وحيف لا يليق بالحكمة؟ فكيف نسيتم نفوسكم هاهنا؟! وجوَّزتم أن يقتل الله المسيح ويصلبه وينكل به فداء عن آدم، ولم تجعلوا ذلك ظلماً وحيفاً؟! والجور لا يجوز على الولد كما لا يجوز على العبد والأجنبي.
1 وهم طائفة اليعقوبية كما سيأتي بيانه في الباب السابع.
2 وهم طائفة النسطورية، كما سيأتي بيانه.