بسم الله الرحمن الرحيم
(أيها الفذ الأديب)
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً دائماً أبداً.
أما بعد: فشاء الله أن أعيد النظر في كتابي: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟) داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان، بعد أن نفذت الطبعة الأولى، وكثر عليه الطلب من داخل المغرب وخارجه، فقررت أن أعيد فيه النظر-نزولاً عند رغبة القراء-تصحيحاً وتحقيقاً وتنقيحاً وزيادة وتخريجاً وتعليقاً وشرحاً فجاء بهذا الحجم الكبير أرجو أن يكون جامعاً مفيداً، وأن يكون الجواب مطابقاً للسؤال-إن شاء الله تعالى-ولما اطلع عليه بعض الأدباء طلب مني أن أتوج-على حد تعبيره-الكتاب بقصيدة عصماء يتيمة، فأخبرته بأنني لست شاعراً مبدعاً، ولا خطيباً مصقعاً مثلك، حتى يكون في قصيدتي ما تريد، فألحَّ قائلاً: (نحن نقبل منك كل ما تجود به قريحتك الجياشة المبدِعة!) ، فأخجلني إلحاحه وإصراره، وأنا أعلم أن صاحبنا أديب بحق، نجمه مع الأدباء، وفكره مع الألباء، وهو في مقدمة الفقهاء، إذا تكلم سحر الألباب، وإذا تحدث أرشد إلى الصواب، لا ترى في نظمه أو: نثره إلا إيجازاً في المقال، وبلاغة في البيان، أما أنا-مقارنة به-فكما قال القائل:
لكنَّ قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يُعذر في القدر الذي حَمَلاَ
ومدحني بأبيات أنا أدرى بنفسي منه، لكن ماذا أقول: وعيبي أنني أستحيي من شيوخي الأفذاذ فقلت له: (وإن كنت لست أهلاً لكل ما جاء في قصيدتكم الميمونة-لا داعي لذكرها هنا لما فيها من المبالغة في المدح-، ولكن لحسن ظنكم بي واستسمانكم لذي ورم، وإنما مثلي معكم كمثل قول القائل:
إذا غاب مُلاح السفينة وارتمت ... بها الريح يوماً دبرتها الضفادع
وقول القائل:
خَلَت الديارُ فسُدْتُ غيرَ مُسَوَّدِ ... ومن الشقاء تفرُّدي بالسؤدد [1]
(1) انظر: (الجامع) للخطيب (1/ 210) ، و (حرمة أهل العلم) (ص:222) .