قال الشعبي:"كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، ولا يميل في الحكم. وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، ويميلون في الحكم. ثم اتفقا على أنهما يأتيان كاهنا في جهينة، فيتحاكمان إليه، فنَزلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية"؛
وقيل نزلت في"رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف; ثم بعد ذلك ترافعا إلى عمر بن الخطاب، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله، فنزلت الآية".
وهكذا ينبغي أن يفعل بالمتحاكمين إلى الطواغيت؛ فإذا كان هذا الخليفة الراشد، قد قتل هذا الرجل، بمجرد طلبه التحاكم إلى الطاغوت، فمن هذا عادته التي هو
عليها، ولا يرضى لنفسه وأمثاله سواها، أحق وأولى أن يقتل، لردته عن الإسلام، وعموم فساده في الأرض.
فإنه لا صلاح للخليقة، إلا بأن يكون الله معبودها، والإسلام دينها، ومحمد نبيها الذي تتبعه، وتتحاكم إلى شريعته، ومتى عدم ذلك عظم فسادها، وظهر خرابها.
فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} سورة النساء آية: 60.
، بيان بأن من زعم الإيمان بالله وبرسوله، وهو يحكم غير شريعة الإسلام، فهو كاذب منافق، ضال عن الصراط المستقيم، كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة النساء آية: 65.،
فأقسم بنفسه: أن الخلق لا يؤمنون، حتى يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النِّزاع؛ فإذا حكم انتفى الحرج باطنا، وحصل التسليم الكامل ظاهرا؛ فمن لم يحصل منه ذلك فالإيمان منتف عنه.
وقد تظاهرت الأدلة الشرعية، بالدلالة على ذلك، فذم الله في كتابه من أعرض عن حكم رسوله، قال الله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَاتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سورة النساء: 48 - 49 - 50 - 51
واعلم: أنه ما دعا داع إلى حق، إلا كان للشيطان شبهة عنده، يصد بها الناس عنه، ومن ذلك أنه إذا قيل لأهل الطاغوت: ارجعوا إلى حكم الله ورسوله، واتركوا أحكام الطواغيت، قالوا: إنا لا نفعل ذلك إلا خوفا من أن يقتل بعضنا بعضا، فإني إذا لم أوافق صاحبي، على التحاكم إلى"شرع الرفاقة"قتلني أو قتلته.