الصفحة 20 من 56

والتكتل حول الإسلام أعظم وأكبر، ولذلك رضي بالدعوة إلى القومية العربية، وحفز العرب إليها ليشغلهم عن الإسلام، وليقطع بها صلتهم بالله سبحانه؛ لأنهم إذا فقدوا الإسلام حرموا ما ضمنه الله لهم من النصر الذي وعدهم به في الآيتين السابقتين. وفي قوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} .

ومعلوم عند جميع العقلاء أنه إذا كان لا بد من أحد ضررين، فارتكاب الأدنى منهما أولى، حذرا من الضرر الأكبر، وقد دل الشرع والقدر على هذه القاعدة، وقد عرفها المستعمر وسلكها في هذا الباب وغيره. فتنبه يا أخي واحذر مكايد الشيطان والاستعمار وأوليائهما، تنج من ضرر عظيم، وخطر كبير، وعواقب سيئة عافاني الله وإياك والمسلمين من ذلك.

ومما تقدم يعلم القارئ اليقظ أن الدعوة إلى القومية العربية - كما أنها إساءة إلى الإسلام ومحاربة له في بلاده - فهي أيضا إساءة إلى العرب أنفسهم، وجناية عليهم عظيمة، لكونها تفصلهم عن الإسلام الذي هو مجدهم الأكبر، وشرفهم الأعظم، ومصدر عزهم وسيادتهم على العالم، فكيف يرضى عربي عاقل بدعوة هذا شأنها وهذه غايتها؟! ولقد أحسن الكاتب الإسلامي الشهير أبو الحسن الندوي في رسالته المشهورة"اسمعوها مني صريحة: أيها العرب"حيث يقول في صفحة 27، 28 ما نصه.

"فمن المؤسف المحزن المخجل أن يقوم في هذا الوقت في العالم العربي رجال يدعون إلى القومية العربية المجردة من العقيدة والرسالة، وإلى قطع الصلة عن أعظم نبي عرفه تاريخ الإيمان وعن أقوى شخصية ظهرت في العالم، وعن أمتن رابطة روحية تجمع بين الأمم والأفراد والأشتات. إنها جريمة قومية تبز جميع الجرائم القومية التي سجلها تاريخ هذه الأمة، وإنها حركة هدم وتخريب تفوق جميع الحركات الهدامة المعروفة في التاريخ، وإنها خطوة حاسمة مشئومة في سبيل الدمار القومي والانتحار الاجتماعي"انتهى.

فتأمل أيها القارئ كلمة هذا العالم العربي الحسني الكبير (أبو الحسن الندوي) الذي قد سبر أحوال العالم وعرف نتائج الدعوة إلى القوميات وسوء مصيرها، تدرك بعقلك السليم ما وقع فيه العرب المسلمون اليوم من فتنة كبرى ومصيبة عظمى بهذه الدعوة المشئومة، وقى الله المسلمين شرها ووفق العرب وجميع المسلمين للرجوع إلى ما كان عليه أسلافهم المهديون، إنه سميع مجيب.

ثم لا يخفاك أيها القارئ الكريم غربة الإسلام اليوم وقلة أنصاره والمتحمسين لدعوته وكثرة المحاربين له والمتنكرين لأحكامه وتعاليمه، فالواجب على أبناء الإسلام بدلا من التحمس للقومية والمناصرة لدعوتها أن يكرسوا جهودهم للدعوة إلى الإسلام وتعظيمه في قلوب الناس، وأن يجتهدوا في نشر محاسنه وإعلان أحكامه العادلة، وتعاليمه السمحة صافية نقية من شوائب الشرك والخرافات والبدع والأهواء، حتى يعيدوا بذلك ما درس من مجد أسلافهم وحماستهم للإسلام وتكريس قواهم لنصرته وحمايته والرد على خصومه بشتى الأساليب الناجعة وأنواع الحجج والبراهين الساطعة ولا شك أن هذا واجب متحتم وفرض لازم على جميع أبناء الإسلام، كل منهم بحسب ما أعطاه الله من المقدرة والإمكانيات التي يستطيع بها القيام بما أوجب الله عليه من النصر لدينه والدعوة إليه، فنسأل الله أن يمن على الجميع بذلك وأن

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام