الصفحة 3 من 5

الموحدون أعزة، ومنهم هذا الهدهد الموحد الذي أبلغ سليمان بمنكر هؤلاء القوم الذين يسجدون للشمس من دون الله وقام بواجبه في إزالة هذا المنكر، حتى أسلمت ملكة سبأ وجاءت معلنة هذا بين يدي سليمان عليه السلام بقولها: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [النمل:44] .

إنه الإسلام لله مع سليمان وليس الإسلام لسليمان، فالإسلام ليس استسلامًا لأحد من خلق الله حتى ولو كان النبي الملك صاحب هذه المعجزات، إنما الإسلام إسلام لله رب العالمين ومصاحبة للمؤمنين به والداعين إلى طريقه.

فقد انتقلت بتوحيدها لله من مستنقع الذلة الذي عاشت فيه حينًا من الدهر بسبب سجودها وقومها للشمس إلى قمة العزة، وصارت مصاحبة لسليمان وجنوده الموحدين.

وفي هذا عبرة لمن دأب على السجود على أعتاب الأضرحة والقبور، وتحت أقدام الشيوخ - الحي منهم والمقبور - ظنًا منه أنهم وسيلته وزلفاه إلى مرضاة ربه ولا يزداد بذلك إلا ذلا، ويبقى العز كله في السجود لله وحده لا شريك له وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأعز الله الموحدين في صدر هذه الأمة عندما حققوا التوحيد، كما في قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} [آل عمران:123] .

ويقول الشوكاني: (وأذلة؛ جمع قلة ومعناه أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة، وهو جمع ذليل استعير للقلة إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة بل كانوا أعزة، والنصر؛ العون) [3] .

ونقول: نعم بل كانوا أعزة وتجلت هذه العزة في استغاثتهم بالله ودعائهم إياه دون غيره، ومعلوم أن يوم بدر هو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودفع فيه الشرك وضرب محله وحزبه، أعز الله المسلمين لأنهم حققوا التوحيد، وصور القرآن ذلك في سورة الأنفال: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} [الأنفال:9 - 10] .

فإذا رام الموحدون والأمة عزًا ونصرًا فلا يستغيثون إلا بالله لا يطلبون الغوث من غيره ولا من الإنس ولا من الجن، فإن فعلوا ذلك ما زادوهم إلا رهقا وذلا، {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} [الجن:6] .

ولما حدث شرخ في صرح الموحدين أيام عز الإسلام؛ أعطاهم الله سبحانه درسًا لا ينسى، فلما ركنوا بعض الشيء إلى العدد والقوة وظنوا أنها تغني عنهم شيئًا، وهذا يقدح في كمال التوحيد، كان الانكسار وفقد العزة ولو لحين، كما قال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} [التوبة:25 - 26] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام