الصفحة 2 من 5

فعلى الأمة أن تُنفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل ما رواه مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) .

وقرر القرآن هذه القاعدة في موضع آخر بخصوص أتباع عيسى عليه السلام ومخالفيه، فقال تعالى في سورة آل عمران: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} [آل عمران:55] .

ويقول الشوكاني في تفسيرها: (أي الذين اتبعوا ما جئت به، وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلو فيه إلى ما بلغ من جعله إلهًا، ومنهم المسلمون فإنهم اتبعوا ما جاء به عيسى عليه السلام ووصفوه بما يستحقه من دون غلو، فلم يُفرِّطوا في وصفه كما فَرّطت اليهود ولا أَفْرطوا كما أفرطت النصارى، وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم، وقيل؛ هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح) .

ويقول أيضًا: (وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم بين العباد بالشريعة المحمدية ويكون المسلمون أنصاره وأتباعه إذ ذاك، فلا يبعد أن يكون في هذه الآية إشارة إلى هذه الحالة) [2] انتهى.

فأتباع عيسى أعزة سواء كانوا الحواريين أو المسلمين، والمشركون به أذلة، وهؤلاء المشركون لا يكرهون عيسى عليه السلام بل يحبونه ولكن أفرطوا في ذلك فرفعوه فوق منزلته فصاروا بهذا أذلة إلى يوم القيامة بحكم القرآن، {فيهم لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ... } [المائدة:72] ، وقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ... } [المائدة:73] .

والذين فعلوا مثلهم واتبعوا سنتهم من الأمة المحمدية ورفعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فوق منزلته ربما أصابتهم الذلة لأن من تشبه بقوم فهو منهم.

ولتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله فيما رواه الشيخان عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُطْرُوني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) .

والاطراء؛ هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه أو هو المدح بالباطل، فالمعنى لا تغلو كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألهية.

فالموحدون الذين يعظمون أمره ونهيه ويهتدون بهديه ويتبعون سنته ويدعون إلى دينه وينصرونه ويوالون من عمل به ويعادون من خالفه هم الأعزة وفوق من خالفه، حتى إن زعموا أنهم يحبونه.

وقررها أيضًا في موضع آخر في قوله تعالى في سورة النمل: {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون} [النمل:37] ، فهم أذلة لأنهم يسجدون للشمس المخلوقة من دون الله الخالق، وسليمان وجنوده

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام