وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) [1] ، والصديقون أعلى الخلق درجة بعد النبيين؛ كما يدل لذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً (69) } [2] .
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) } [3] ، وهذا أعلى ما ينال في الآخرة فلا بد أن يكون الإيمان الذي وعدوا عليه هذا الوعد الكريم داخل فيه فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عن فعله، فدل ذلك على أن الإيمان المطلق يدخل فيه الدين كله.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنّ أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدُّريَّ الغابر من الأفق، من المشرق أوالمغرب لتفاضل ما بينهم ) ) [4] . قالوا: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: (( بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) )فهذا إيمان مطلق لم يقيد بالعمل.
فالدين كله داخل فيه، فإيمانهم بالله تعالى ورسله ظاهراً وباطناً - أعني في اعتقادهم وأعمالهم وأخلاقهم وكمال طاعتهم لله ورسوله - أوصلهم إلى درجة الصديقين، وبوَّأهم الغرف.
ومن المعلوم أن الإيمان فرض على كل أحد من المكلفين، وأن الله تعالى قد أرسل رسله تدعوا الناس إليه، فلا يمكن أن يكون معناه خافياً غير معلوم للمدعوين ولابد أن الرسل بينته بياناً لا لبس فيه ولاسيما خاتمهم. فلم يكل الله تعالى عباده في ذلك ولا في غيره مما يترتب عليه
(1) الحديد: 19.
(2) النساء: 69.
(3) التوبة: 72.
(4) مسلم رقم (2832) .