وإذا اختلفت الأمور واشتبهت فالواجب على العلماء وعلى طلاب العلم أن يدعوا المشكوك فيه إلى اليقين؛ لأن الله جل وعلا قال في محكم كتابه ?هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ? [آل عمران:7] ، فتأمّل قول الله حل وعلا في هذه الآية العظيمة ?فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ? فدلت الآية على أن الزيغ وُجد في القلوب أولا، ثم صار الاتباع للمتشابه وليس المتشابه في نفسه سببا للزيغ؛ لكن الزيغ وجد لأسباب كثير ?فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ?، وأما الذين لا يوجد في قلوبهم زيغ ولا هوى وإنما يحبون الحق ويبحثون عنه فإنهم يؤمنون بالمحكم ويعملون به ويردون المتشابه إلى عالمه جل وعلا يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وهذا هو الواجب في هذه المسائل.
لهذا نرى في هذا الزمن كثر الكلام على منهج أئمة الدعوة هذا هو الذي يقرره أئمة الدعوة قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذا هو منهج ابن تيمية هذا هو منهج ابن القيم، هذا منهج السلف، وكثير منها قضاء بغير علم كما يعرفه المتبصر في هذه المسائل والناس في ذلك ما بين غالٍ فيها وما بين جافٍ، وهذه الأمة وسط ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا? [البقرة:143] ، وكذلك وسط بين طرفي الغلو والتفريط.
إذا تبين هذا فإن الإمام المصلح مجدد أمر الدين في زمانه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كان مقتفيا لأثر من قبله؛ حتى إنه لا يُعرف له في مسألة أنه تكلم فيها من غير سابق له من أئمة الإسلام، وإنما كان يتّبع من قبله من الأئمة وخاصة الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله المتوفى 241هـ، والإمام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ والعلامة ابن القيم والحافظ الذهبي وابن كثير ونحو ذلك من العلماء الذين قرروا منهج السلف بوضوح.