وأيضا تظهر أهمية هذا الموضوع في هذا الزمن في أن عمق العلم والنظر قلّ، غلب عليه العاطفة والحماس عند الأكثرين، فيُتَلَمَّس شيء من هدي أئمة السلف أو ما كان عليه أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى جميعا، فيقال: إن هذا هو منهج أئمة الدعوة، وهذا هو الذي قرره أئمة الدعوة، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ونحو ذلك، في مسائل قد يتقاصر الكثيرون حين يقررونها عن تَدَرُّس المنهج في تتبعه، وهذا من الاستعجال ومن القضاء بغير علم، ومن المعلوم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «القضاة ثلاث فقاضيان في النار وقاضي في الجنة» ، والقضاء كما يكون في مسائل الخصومات، كذلك أعظم منه القضاء في المسائل العلمية والبت فيها، فإذا كان القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فإن في المسائل العلمية تكون التبعة أكثر؛ لأن البينات والدلائل في المسألة الفردية -يعني فيما يقع من خصومة فردية- هذا هين أو هذا قليل، أما في المسائل العلمية فيحتاج إلى جهد أكبر وجمع أكبر، لهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لعل بعضكم أن يكون الألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما هي قطعة من النار فليأخذ أو ليدع» والقضاء في المسائل العلمية والنظر فيها يحتاج إلى تفرس وإلى تأمل، وخاصة إذا كان سيترتب على هذا النظر منهج، أو سيترتب عليه عمل، أو سيترتب عليه [...] ، أو سيترتب عليه دعوة، أو سيترتب عليه نسبة أشياء إلى السلف الصالح رضوان الله عليهم.