الصفحة 10 من 26

فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا أن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح.

ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى:11) . وقوله عز وجل: {ولم يكن له كفواً أحد} (الإخلاص:4) " (الكلام على الصفات ص/20 - 23) "

وقال حافظ المغرب ابن عبدالبر في التمهيد:"أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع، والجهمية، والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون به بما نطق كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله" (التمهيد 7/ 145)

وقال الإمام الفقيه محمد بن الحسن الشيباني -صاحب أبي حنيفة-:"اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عز وجل، من غير تفسير ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإنهم لم يفسروا، ولكن أفتوا بما كان في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه وصفه بصفة لا شيء" (اللالكائي 3/ 342)

والمقصود بقوله (من غير تفسير) أي يخالف ظاهرها اللائق بالله تعالى، وأما توضيح المعنى فقد تواتر عن الصحابة ومن أخذ عنهم العلم من التابعين توضيح معاني القرآن بلا تفريق بين آيات الصفات، وغيرها كما هو منثور في كتب التفسير بالمأثور.

* القرآن الكريم كلام الله عز وجل حقيقة:

ومن الصفات العظيمة الكريمة لله عز وجل صفة الكلام كما أخبر عن نفسه: {وكلم الله موسى تكليماً} (النساء:164) .. {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} (الأعراف:143) .. ولم يزل سبحانه متصفاً بها على الوجه اللائق بكماله وجلاله ومن كلامه القرآن الكريم ..

قال ابن قدامة المقدسي:"ومن كلام الله سبحانه القرآن الكريم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات،"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام