الصفحة 15 من 229

من بين مئات الأزهار الطالعة في إحدى الحدائق.. ثم أسأل نفسي: بأي ريشة نسقت هذه الألوان؟ إنها ليست ألوان الطيف وحدها. إنها مزيج رائق ساحر مم الألوان التي تبدو هنا محففة، وهنا مظللة، وهنا مخططة، وهنا منقطة. وأنظر إلى أسفل، إلى التراب الأعفر الذي اطلع على هذه الألوان ؛ إنه ـ بيقين ـ ليس راسم هذه الألوان ، ولا موزع أصباغها. هل الصدفة هي التي أشرفت على ذلك؟ أي صدفة؟ إن المرء يكون غبيًّا جدًّا عندما يتصور الأمور على هذا النحو... وألوان الزهرة هذه ملاحظة شكلية ساذجة بالنسبة إلى ملاحظة قصة الحياة في أدنى صورها. إن إنشاء الحياة في أصغر خلية يتطلب نظامًا بالغ الإحكام. ومن الحمق تصور الفوضى قادرة على خفق"جزيء"في جسم دودة حقيرة ؟ فضلاً عن خفق جهازها الهضمي أو العصبي . فما بالك بخلق هذا الإنسان الرائع البنيان الهائل الكيان. ثم ما بالك بخلق ذلكم العالم الرحب ؟؟ لماذا يطلب مني ـ إذا رأيت ثوبًا مخيطًا أنيقًا ـ أن أتصور خيطًا قد دخل من تلقاء نفسه في ثقب إبرة، اشتبكت من تلقاء نفسها في نسيج الثوب، أو أخذت تعلو وتهبط صانعة الصدر والذيل والوسط والأكمام والأزرار ، والفتحات والزركشة والمحاسن إلخ . إن إحالة الأمور على المصادفات ضرب من الدجل العلمي ، يرفضه أولو الألباب.. لنفرض أن الآلة الكاتبة في أحد الدواوين وجدت بجوارها ورقة مكتوب عليها اسم (عمر) ، ماذا يعني هذا...؟ أحد أمرين: أقربهما إلى البداهة وهو أن خبيرًا بالكتابة طبع الاسم على الورقة. والأمر الثاني أن حروف الاسم تجمعت وترتبت وتلاقت هكذا جزافًا. ص _023

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام