الصفحة 44 من 146

دعا غير الله فيما يقدر عليه كأن يقول: يا فلان أعني على جلب الماء فهذا لا بأس فيه. و القاعدة والضابط أنه يجوز دعاء الحي الحاضر القادر، فأما الميت، و أما الغائب، و أما دعاء الإنسان فيما لا يقدر عليه إلا الله ولو كان حياً حاضراً كطلب الشفاعة منه و ما أشبه ذلك أو النفع و الضر فهذا هو الشرك الأكبر يعني دعاءه فيما لا يقدر عليه إلا الله عز و جل فهذا هو الضابط الدعاء الممنوع و الدعاء المشروع أو المباح، و لهذا سمى الله عز و جل دعاء غيره شركاً قال عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا(20 ) ) فعُلم أن دعاء غير الله شرك أكبر كما أن دعاء الله عبادة. و كما قلت لكم القاعدة متى ثبت كون الشيء عبادة فصرفه لغير الله عز وجل شرك، قال عز و جل على لسان إبراهيم (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا(48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعبدون فسمى الدعاء عبادة كما أن دعاء غير الله شرك.

و الدعاء، وهذه الأشياء المذكورة من العبادات المحضة التي لا يجوز صرفها لغير الله عز و جل فإن التصرفات و الأفعال التي يفعلها الإنسان نوعان: منها عبادات محضة تسمى عبادات، و منها عادات فأما العبادات كالمذكورات يعني كالإسلام المذكور مثل: الصلاة، و الزكاة، و الحج، و مثل الإيمان،

و الإحسان، و الدعاء، و الخشية، و الخوف، و الرجاء، و التوكل، و الرغبة، و الرهبة، ... الخ فهذه عبادات محضة لا تصرف إلا لله، و متى صرفت لغير الله فهو شرك أكبر مخرج من الإسلام ناقل من الملة، و أما العادات فإنما تكون عبادات بالنيات. العادات يصح أن تكون عبادة بالنية و يصح أن لا تكون عبادة؛ لأنها ليست عبادة محضة، يعني يصح أن تُنوى لله فتكون عبادة مأجوراً عليها، و يصح أن لا تُنوى لله عبادة بمعنى النوم مثلاً و الأكل هذا إذا نوى به التقوي على طاعة الله و استحضر هذا واستحضر هذا و أحضره فهو عبادة، و إذا عزب هذا عن خاطره فهو عادة لا يشترط لا يجب صرفها لله عز و جل على وجه العبادة، و مثل إطعام الأولاد إذا نوى به الصدقة فهو عبادة، و إذا نوى به العادة المجردة فهو شيء لا يؤجر عليه ولا يثاب إلا برحمة الله عز و جل، إنما يكون عبادة بالنية فهذا هو الضابط بين العبادات و العادات. و الدعاء إنما كان من الإسلام و الإيمان بهذه المنزلة العظمى، قال العلماء: لأنه يتضمن إقرار العبد بأمور، يتضمن الإقرار الباطن أولاً بسمع الله عز و جل لدعائه، و لو نادى ربه نداءً خفياً، و لو دعا ربه تضرعاً و خفية، فإنه يعلم أن الله يسمع دعاءه في جوف الليل وغياهب الظلمات و الوحدة و الخلوة يعلم أن الله يسمعه، وإلا لما دعا، إذاً يتضمن إقرار العبد أن الله يسمع دعاءه. ثانياً: يبصر حاله. ثالثاً: يعلم مراده. رابعاً: يقدر على كشف ما به، و إعطاءه ما سأل. خامساً: فيه التذلل، و الخضوع، و التضرع تضرعاً التضرع هو غاية التذلل والإلحاح، سمي تضرعاً من الضرع و هو مص الفصيل لضرع أمه ولد الناقة أو البقرة ترى من حاله الإلحاح و الحاجة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام