تناطح كبار المشككين و المفسدين والمشبهين بحصيلة قليلة لكن إذا تزودت و كنت من الراسخين في العلم فأنت مكلف بذلك فعلم أنه من علم المسألة حق العلم و فهمها حق الفهم لم يتطرق إليه هذا السؤال و معلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل رسله منهم مصعب بن عمير و غيره و لم يكونوا حفظوا العلم كله و لا القرآن كله ولكن كلفهم بما يعلمون.
و على كل حال فينبغي ألا تكون الدعوة إلا بعلم و ينبغي للموفق أن يشتغل بهذا و يشتغل بهذا و إنما تؤتى الدعوة و تتعثر و يحصل لها ما يحصل إذا تصدى للسدة و القيادة أناس ليسوا على علم و لا على فقه ولا على معرفة بشرع الله عز وجل و كيفية تطبيقه فهنا تحصل الطامة و الكارثة و تتسكع الدعوة في ضروب و دروب من الضياع و الانحراف و الانجراف و ربما يحصل المقصود عكسياً كما هو حاصل ومشاهد في كثير من الأماكن فإذا وفقت لطلبة العلم العارفين العالمين بالكتاب و السنة فإنهم بإذن الله يهدون أنفسهم بإذن ربهم و يهديهم الله عز و جل و يهدون الناس إلى صراط مستقيم وإلى طريق صحيح.
المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه:
في هذه الدعوة و العلم و العمل فلابد من الصبر في كل هذه الميادين و المجالات الأربع طلب العلم، والعمل به، و الدعوة إليه، لابد من الصبر و المصابرة و الجهاد و المرابطة و ما أمر الله عز وجل بالدعوة إلا و أتبع ذلك بالصبر لأنه معلوم أن هذا الداعية الذي يدعو إلى الله عز وجل يدعو إلى التوحيد وإلى نفي الشرك إلى تصحيح الأخلاق و العقائد تصحيح الأوضاع و المعاملات و الأحوال الاجتماعية والاقتصادية و العقائدية وما يسمى بالفكرية فإنه لابد أن يصطدم بجملة من أصحاب الأغراض ... و الشهوات و البطالات الذين تفوت مصالحهم باستجابة الناس لهذا الداعية و سيؤذونه و ينتصبون له سواء من ملأ الناس و عامتهم الذين تصدوا للرسل أو من زعمائهم و رؤوسهم أيضاً كما تصدوا لأنبياء الله عز وجل و رسله عليهم صلاة و سلامه، و على الداعية حينئذ أن يتحلى بالصبر، و يتحلى بالأناة و يتحلى بالحلم، و يتحلى بالرأفة و يتحلى بالرحمة، و يتحلى بالدفع بالتي هي أحسن، و الصبر عمن ظلم والصفح عمن أساء و غض البصر و خفض الجناح كما أمر الله عز وجل نبيه لاسيما في وقت استضعاف الدعوة و لهذا قال تعالى: (وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) و قال عز و جل: (خُذِالْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ(199 ) ) و قال عز من قائل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ