الصفحة 18 من 146

(34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36 ) )

قال ابن كثير: هي ثلاث آيات كريمات يأمر الله عز و جل فيها بالصفح عن شياطين الإنس لكسب مودتهم و بالاستعاذة منه من شياطين الجن لأنه لا ينفع فيهم ممالاءة و لا مداراة و لا مدافعة لا ينفع في شياطين الجن إلا الاستعاذة بالله ولا يكسب ودهم بالدفع والصفح كشياطين الإنس كما في هذه الآية ـ آية فصلت ـ و كما في آية الأعراف (خُذِالْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ(199 ) ) ، و كما في آية المؤمنون (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) والحديث هنا يطول لكننا نتجاوز.

ثم استدل المصنف ـ رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته ـ قال: و الدليل على ما ذكرنا قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3 ) ) هنا قسم و مقسم به و مقسم عليه القسم من الله عز وجل و معلوم أن لله عز و جل أن يقسم بما شاء من خلقه (لَايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23 ) ) أقسم الله بالعصر وهو الجزء من النهار أو جميع الزمان كما أقسم بالضحى و الليل و الفجر كما أقسم بآلات ذلك كالشمس و القمر والكواكب و النجم و غير ذلك و الله عز و جل إذا أقسم بشيء فلمكانته و عظمته.

(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) هذا هو المقسم عليه أو جواب القسم أقسم الله بالعصر و حلفه عز وجل بالعصر كأنه بيان من الله عز و جل بل هو بيان أن أعظم الخسر أن يخسر الإنسان حياته التي يسأل عنها فخسران الحياة هو الخسران الأعظم و العياذ بالله تهون عنده خسارة النفس والحبيب و القريب و المال وكل شيء أما خسارة الحياة باللهو و الباطل فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا و التي سيسأل عنها و عن شبابها و أوقاتها فيجدها ضائعة خسراً و وبالاً و إنما يتبين الخسران حينما يشاهد يوم القيامة جزاءه وكيف أضاع حياته باللهو الباطل و بالحرام و الانكباب على الغفلات و يرى مراتب الصالحين و مواقع المتقين ومنازل الفائزين الذين كسبوا عصرهم و أعمارهم فيحس بهذه الخسارة و الغبن قال تعالى: (قُلْ إِنَّ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام