الصفحة 124 من 146

من شمال الجزيرة و الذي أثار عجب الصحابة و استغرابهم أن هذا رجل غريب، و مع ذلك لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منهم أحد فدل على أنه غريب ليس منهم، و لكن الغريب يأتي نظراً لبعد الشُقة و المشقة و السفر و الشعث و الغبار يأتي بشعر أشعث و بثياب متسخة في الغالب و لكن هذا الرجل جاء فجأة و دخل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر فهذا الذي أثار استغراب الصحابة رضي الله عنهم و العادة كما ذكرت كما قال:

رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا

فرد شعورهن السود بيضا ... و رد وجههن البيض سودا

فالمسافر عادة يكون شعره أبيض من الغبار و يكون وجهه أسود من الشمس و التعب و الريح لكن هذا كان بخلاف ذلك قال: لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه، و هذا امتحان لخُلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل يصبر على جفاء السائل أو أنه يحتمل أن يكون أيضاً من تواضع السائل و جلسته جِلْسة المتعلم أمام شيخه و التلميذ أمام أستاذه ... فقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال: ـ أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ـ و في رواية"أن تعبد الله و لا تشرك به شيئاً"ـ و أن محمداً رسول الله، و تقيم الصلاة، و تؤتي الزكاة، و تصوم رمضان، و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"."

فذكر له جواب سؤاله أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها كما في حديث ابن عمر"بني الإسلام على خمس"و ذكرها فسر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة لأنه ذكره مع الإيمان سواء و قد تقدم أنهما متى اجتمعا ذكراً افترقا معنى، و إذا افترقا ذكراً اجتمعا معنى، و قد ذكرت لكم حديث وفد عبد قيس حيث فسر الإيمان بالأعمال الظاهرة، و تقدم أيضاً تفسير الإسلام بالأعمال الباطنة لكن إذا اجتمعا في الذكر فالإسلام غالباً ما يطلق على الأعمال الظاهرة و الإيمان على الأعمال الباطنة.

قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله و يصدقه.

كيف يسأله ثم يردف بما يدل على علمه بذلك فكأنه يختبره حتى جاء في رواية أنهم قالوا: قال الصحابة بعضهم لبعض: انظروا كأنه أعلم منه يسأله و يصدقه، و هذا كان لبالغ أدب الصحابة مع الرسول عليه الصلاة و السلام فقد كانوا إذا تكلم لا يتكلمون و إذا تحدث ينصتون و إذا قال يستمعون و كانوا كل ... ما يسألهم سؤال استخبار و استعلام قالوا: الله و رسوله أعلم، فما تعودوا هذا الأسلوب خاصة من رجل ظنوه أعرابياً لا يفقه و لا يعرف شيئاً فكيف يسأله و يصدقه.

فقال: أخبرني عن الإيمان، فقال: أن تؤمن بالله، و ملائكته، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره و شره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام