قال:"بينما نحن جلوس"عمر هو الخليفة الراشد الثاني أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، من السابقين إلى الإسلام، و من العشرة المبشرين بالجنة و هو معروف رضي الله عنه و أرضاه.
قال:"بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم -"
بينما: ظرف يعني وقتما حالما نحن جلوس جمع جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.
إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
إذ طلع علينا رجل: إيراد رجل بدون أل للتنكير رجلٌ التنوين هنا للتنكير لأن التنوين يقصد به التمكين و التنكير و المقابلة و العوض و الترنم و الغالي و لكن هنا المراد به التنكير يعني غير معروف منكر ... لا نعرفه، وَصَفَه بأنه شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر أو اللحية في رواية، وهذا الذي أثار استغراب الصحابة و عجبهم، و لهذا قال: لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد، فكيف جاء بهذه الحالة هو غير معروف ليس من أهل المدينة لا نعرفه و مع ذلك لا يرى عليه أثر السفر ثوبه أبيض و شعره أسود غير مغبر؛ لأن المسافر ينقلب ثوبه أسود و شعره أبيض من الغبار و التعب و الطريق كما قال:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضا ... و رد وجههن البيض سودا
لكن هذا الرجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد، هذا الذي أثار استشكالهم و استغرابهم قال: حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا هو جبريل يتمثل عليه الصلاة و السلام أحياناً بصورة دحية الكلبي و يأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، و لهذا قال عز و جل: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) ، و أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه أحياناً يتمثل له المَلَك رجلاً، كما في الحديث عند البخاري لما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الوحي أخبرنا كيف يأتيك؟ فقال:"أحياناً يكون مثل صلصلة الجرس و هو أشده علي، و أحياناً يتمثل لي المَلَك رجلاً"إلى آخر الحديث و حينما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعرفه، و لهذا جاء في رواية أخرى لمسلم قال: و الذي نفسي بيده ما اشتبه علي قبل مجيئه الآن و ما عرفته حتى تولى لأنه لما تولى قال: ردوه، قال: فطلبناه جهدنا فلم نستطع فعلم - صلى الله عليه وسلم - أنه جبريل و إلا قبل ذلك فلم يكن يعلم أنه هو كما جاء في الرواية الأخرى، و لكن يعلم أنه جاء عند الإمام أحمد في رواية للحديث عند الإمام أحمد أنه جلس - صلى الله عليه وسلم - و جعل الصحابة يسمعون صوته و لا يرون شخصه و هذه الرواية لا تصح، عارضها ما هو أصح منها و هو أن الصحابة رأوه و استغربوا هيئته و استنكروها.