هي أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد، تزوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، وأسلمت بمكة قديما وبايعت، وأسلم زوجها السكران بن عمرو، وخرجا جميعا مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، قدم السكران بن عمرو مكة من أرض الحبشة ومعه امرأته سودة بنت زمعة فتوفي عنها بمكة، فلما حلت أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها فقالت: أمري إليك يا رسول الله.

فقال رسول الله: (مري رجلا من قومك يزوجك).

فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود فزوجها، فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وهاجرت إلى المدينة، وهي التي وهبت يومها إلى عائشة بعد أن أسنت وكبرت، وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما جميعا.


لقد أثار فتح بلاد فارس وتطهيرها من عبادة غير الله عز وجل حقدا مجوسيا؛ فحركوا أصابعهم، واستطاعوا بقدر من الله عز وجل أن يصلوا إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقتله، بتحريك ذلك العلج المجوسي؛ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فكان قاتله أشقى الخلق بما أقدم عليه، وكان قتله لعمر مؤامرة منه مع غيره من المجوس الذين جيء بهم أسرى إلى المدينة، وكان هذا المجوسي واسمه فيروز أبو لؤلؤة المجوسي غلاما للمغيرة، بقي فيها لعلمه بكثير من الصناعات النافعة للمسلمين، ولكنه كان صاحب حقد شديد على عمر، فهو مجوسي خبيث ظل يتحين الفرصة للقضاء على عمر، فجهز سكينا ذا حدين وطلاه بالسم، وانتظر عمر بن الخطاب في صلاة الفجر، فلما دخل عمر في الصلاة وكبر طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات في خاصرته وهرب بين الصفوف يطعن المصلين أمامه حتى قام عبد الرحمن بن عوف فألقى عليه برنسه فلما أيقن الخبيث أنه مقبوض طعن نفسه بسكينه ومات, ومات من طعناته تلك ثلاثة عشر رجلا، وأما عمر فقدم عبد الرحمن بن عوف للصلاة بالناس، ثم نظروا أمر عمر الذي احتمل إلى بيته، وجيء له بالطبيب فسقاه نبيذا فخرج النبيذ مشكلا، قال: فاسقوه لبنا.

قال: فخرج اللبن محضا، فقيل له: يا أمير المؤمنين، اعهد.

طلب عمر من ابنه عبد الله أن ينظر من قتله؟ فقال له: قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة.

ثم قال  لعبد الله، اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.

بقي عمر بعدها ثلاثة أيام ثم توفي رضي الله عنه وأرضاه، وصلى عليه صهيب، ثم دفن بجانب أبي بكر في حجرة عائشة، فكان مع صاحبيه كما كان معهما في الدنيا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان قد بقي خليفة عشر سنوات وخمسة أشهر وواحدا وعشرين يوما، كانت حافلة بالفتوحات الإسلامية، وبالعدل المشهور، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.


لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسكين مسمومة وأيقن أنه ميت طلبوا منه أن يستخلف كما استخلفه أبو بكر رضي الله عنه؛ لكنه أبى ذلك، ولكن جعل ستة من الصحابة وكلهم من المبشرين بالجنة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم، وأوصاهم أن يختاروا رجلا منهم يخلفه بعد موته، فلما مات وصلي عليه ودفن اجتمعوا في بيت المسور بن مخرمة، جمعهم المقداد بن الأسود، وحضر عبد الله بن عمر كذلك، وتداولوا بينهم حتى قال عبد الرحمن بن عوف: من يخرج منها بنفسه على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجب أحد، فقال: هو أنا.

يعني أنه ينسحب من الخلافة، ولكن يكون أمر تعيين الخليفة له، فعمل عبد الرحمن جهده وسأل الناس، حتى قيل: إنه لم يترك حتى الصغار سألهم: من يوليها؟ ظل كذلك ثلاثة أيام ثم جمعهم عبد الرحمن ثم سأل عليا أن يسير سيرة الخليفتين قبله، فقال: إنه يعمل بعلمه وطاقته.

وأما عثمان فأجاب بالإيجاب فبايعه عبد الرحمن، ثم بايعه الناس جميعا حتى علي بن أبي طالب، وكان طلحة غائبا عن هذا فلما حضر بايع هو كذلك، وقد قيل: إن عبد الرحمن لما سأل الناس كانوا يكادون يجمعون على عثمان.

فكانت تلك قصة خلافته رضي الله عنه وأرضاه.


كان الوليد بن عقبة هو أمير الكوفة، فقام بغزو أذربيجان وأرمينية بجيش على مقدمته سليمان بن ربيعة، وذلك أن أهلهما قد منعوا ما صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب، فاضطرهم الوليد إلى المصالحة مرة أخرى.


بعد أن تولى عثمان بن عفان الخلافة، وكان عمرو بن العاص هو أمير مصر من قبل عمر بن الخطاب، فعين بدلا عنه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، عينه على مصر وخراجها، وأمره كذلك بالانسياح في أفريقيا والتوغل فيها واستكمال الفتوح.


استكملت الفتوحات التي كانت قد بدأت أيام عمر بن الخطاب، أكملها عثمان بن عفان، فقد غزا حبيب بن مسلمة بعض أراضي سوريا التي كانت لا تزال بيد الروم، فدارت معارك على الشواطئ وغيرها من المناطق.


نقض الروم العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين بعد أن تولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر، فكتب أهل الإسكندرية إلى قسطنطين بن هرقل وهونوا عليه فتح الإسكندرية لقلة الحامية من المسلمين، فأنفذ قائده مانوبل الأرمني على رأس جيش كثيف فاستولى عليها، فكتب عثمان إلى عمرو وولاه الإسكندرية، فسار عمرو إليهم فبدأ القتال في نقيوس، وكانت الدولة للمسلمين، ثم أوقف الحرب عمرو ثم سار إلى الإسكندرية وهدم سورها ورجعت مرة أخرى تحت يد المسلمين.


أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه بتجديد أنصاب الحرم، وفيها زاد في المسجد الحرام ووسعه، وابتاع من قوم، وأبى آخرون فهدم عليهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان، فأمر بهم فحبسوا، وقال: أتدرون ما جرأكم علي؟ ما جرأكم علي إلا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به.

فكلمه فيهم أمير مكة عبد الله بن خالد بن أسيد فأطلقهم.


هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، أبو المضرب, الشاعر ابن الشاعر، وأبوه أشعر منه، كان كعب في الجاهلية شاعرا معروفا ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم وشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فجاء مستأمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمنه وقبل منه، فأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه البردة التي اشتراها بعد ذلك معاوية من بعض ولده فصارت للخلفاء بعد ذلك يتوارثونها.


كان سعد بن أبي وقاص أميرا على الكوفة بعد أن عزل عنها المغيرة بن شعبة، ثم عزل عثمان سعدا عن الكوفة، وولاها الوليد بن عقبة، وكان سبب عزل سعد أنه اقترض من ابن مسعود مالا من بيت المال، فلما تقاضاه به ابن مسعود ولم يتيسر قضاؤه تقاولا، وجرت بينهما خصومة شديدة، فغضب عليهما عثمان فعزل سعدا واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملا لعمر على عرب الجزيرة، فلما قدمها أقبل عليه أهلها فأقام بها خمس سنين وليس على داره باب، وكان فيه رفق برعيته.


أمر عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح أن يغزو بلاد أفريقيا فإذا افتتحها الله عليه فله خمس الخمس من الغنيمة نفلا، فسار إليها في عشرة آلاف فافتتحها سهلها وجبلها، وقتل جرجير ملك الروم وخلقا كثيرا من أهلها، ثم اجتمع أهل أفريقيا على الإسلام، وحسنت طاعتهم.

أخذ عبد الله بن سعد خمس الخمس من الغنيمة، ثم بعث بخمس إلى عثمان، وقسم الباقي بين الجيش، فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار، والراجل ألف دينار.

ثم ضرب عبد الله بن أبي السرح فسطاطا في موضع القيروان، ووفد وفدا من جنده لعثمان، فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: أنا نفلته, وقد أمرت له بذلك، وذاك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد.

قالوا: فإنا نسخطه.

قال: فهو رد.

وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم، قالوا: فاعزله عنا، فإنا لا نريد أن يتأمر علينا، وقد وقع ما وقع.

فكتب إليه أن استخلف على أفريقيا رجلا ممن ترضى ويرضون، واقسم الخمس الذي كنت نفلتك في سبيل الله، فإنهم قد سخطوا النفل.

ففعل، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح أفريقيا.


لما افتتحت أفريقيا أمر عثمان عبد الله بن نافع وعبد الله بن عبد القيس أن يسيرا إلى الأندلس، فغزاها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب معهما: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس.

فخرجوا ومعهم البربر، ففتح الله على المسلمين وزاد في سلطان المسلمين مثل أفريقيا.


كان معاوية بن أبي سفيان قد ألح على عمر بن الخطاب أن يغزو البحر ولكنه أبى ذلك، ثم في زمن عثمان طلب ذلك فوافق عثمان بشرط ألا يجبر أحدا على ركوب البحر؛ بل يخيرهم، من أراد الغزو معه فعل وإلا فلا، ففعل ذلك، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي، ثم غزا قبرص وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار كل سنة، وقد ساعد في ذلك الغزو أهل مصر بإمرة ابن أبي السرح، وكان معاوية على الناس جميعا، وكان بين الغزاة عدد من الصحابة ومن بينهم أم حرام زوجة عبادة بن الصامت التي توفيت في قبرص ودفنت فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بشرها بأنها تكون ممن يغزو البحر كالملوك على الأسرة.


كان بناء المسجد النبوي بالمدينة باللبن والجريد وأعمدة الخشب، فزاد فيه عثمان زيادة كبيرة فجعله بطول مائة وستين ذراعا، وعرض مائة وخمسين ذراعا، وجعل بناءه من الحجارة المنقوشة التي كسرت بطريقة مناسبة للبناء، وجعل الأعمدة من حجارة مع الرصاص لزيادة القوة والتحمل، وسقفه بالساج، وجعل له ستة أبواب كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.


استعاد سعيد بن العاص فتح طبرستان؛ وذلك أنهم كانوا صالحوا سويد بن مقرن بعد أن غزاهم قبل ذلك في عهد عمر بن الخطاب على أن لا يغزوها على مال بذله له إصبهبذها؛ لكنهم نقضوا الصلح، فركب سعيد بن العاص في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة فسار بهم، فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف.


غزا سعيد بن العاص جرجان بعد أن نقض أهلها عهدهم مع المسلمين الذي عقد في عهد عمر بن الخطاب فافتتحها.


بعد أن انتهى عبد الله بن أبي السرح من قتال الروم في المغرب مع ابن الزبير عاد إلى النوبة التي كانت هددت مصر من الجنوب فغزاهم من جديد، بعد أن كان غزاهم قبله عمرو بن العاص، فقاتل أهلها قتالا شديدا؛ ولكنه لم يتمكن من الفتح فهادن أهلها وعقد معهم الصلح، وكان فيها بعض المبادلات الاقتصادية.


هو يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي الفارسي آخر الأكاسرة مطلقا، انهزم من جيش عمر, فاستولى المسلمون على العراق، وانهزم هو إلى مرو، وولت أيامه، ثم ثار عليه أمراء دولته وقتلوه، وقيل: هرب بأبهته في جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل من بعض أهلها مالا فمنعوه وخافوه على أنفسهم، فبعثوا إلى الترك يستفزونهم عليه، فأتوه فقتلوا أصحابه وهرب هو حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحية -يعني حجارة الرحى- على شط، فأوى إليه ليلا، فلما نام قتله.


انتقض أهل خراسان (وهي موزعة الآن بين إيران وأفغانستان وروسيا) على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسل إليهم عبد الله بن عامر عامله على البصرة، فاشتبك مع أهالي تلك البلاد في مرو ونيسابور وغيرها ففتحها من جديد، ثم توجه الأحنف بن قيس -وهو الذي كان على مقدمة جيش عبد الله بن عامر توجه- إلى طخارستان فحاصرهم حتى صالحوه، ولكن انضم لهم أهل مرو الروذ وغيرهم فاشتبكوا مرة أخرى فهزمهم الأحنف ففتح جوزجان عنوة، ثم الطالقان صلحا وغيرها من البلاد.


لما أصاب المسلمون من أهل أفريقيا وقتلوهم وسبوهم، خرج قسطنطين بن هرقل في جمع لم تجمع الروم مثله مذ كان الإسلام، خرجوا في خمسمائة مركب عليهم قسطنطين بن هرقل، وركب المسلمون البحر على غير ميعاد مع الروم وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أمير مصر حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في جمع لم يروا جمعا مثله قط, فقال عبد الله بن أبي السرح: أشيروا علي، قالوا: ننظر الليلة، فبات الروم يضربون بالنواقيس، وبات المسلمون يصلون ويدعون الله، ثم أصبحوا فقال المسلمون للروم: إن شئتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم فالبحر.

قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء.

ثم أصبحوا وقد أجمع قسطنطين أن يقاتل في البحر، فقربوا سفنهم، وقرب المسلمون فربطوا السفن بعضها إلى بعض، واقتتلوا أشد القتال، ووثب الرجال على الرجال يضربون بالسيوف على السفن، ويتواجئون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما حتى صارت كالجبل العظيم عند الساحل، وقتل من الفريقين خلق كثير، ثم نصر الله المسلمين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج منهم إلا الشريد، وانهزم قسطنطين.

وأقام عبد الله بذات الصواري أياما بعد هزيمة القوم، ثم أقبل راجعا.

قيل: عرفت بذات الصواري لأن صواري السفن ربطت ببعضها بعضا، سفن الروم وسفن المسلمين.

وقيل: لكثرة السفن التي شاركت في القتال وكانت كلها ذات صواري كبيرة.