كان العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه والي البحرين، وكان يسابق سعد بن أبي وقاص في الفتح، فلما كتب الله النصر في القادسية، وكان له الصدى الواسع أحب العلاء أن يكون له النصر على فارس من جهته، فندب الناس إلى الجهاد، فاجتمع الجيش وعبروا البحر إلى فارس، ولكن كل ذلك دون إذن عمر بن الخطاب، واتجه العلاء إلى إصطخر وقاتلوا حتى انتصروا وفتحوها، ولكن الفرس قطعت طريقهم إلى سفنهم فبقوا محاصرين مما أدى إلى عزل العلاء، وطلب منه الالتحاق بسعد بن أبي وقاص وطلب من عتبة بن غزوان أن ينجد العلاء، فانتصر المسلمون ثم عادوا إلى البصرة.


لم يزد أبو بكر الصديق رضي الله عنه في عهده بالمسجد النبوي الشريف لانشغاله بحروب الردة، ولكن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضاق المسجد بالمصلين لكثرة الناس، فقام عمر بشراء الدور التي حول المسجد النبوي الشريف وأدخلها ضمن المسجد، وكانت توسعته من الجهة الشمالية والجنوبية والغربية.

فقد زاد من ناحية الغرب عشرين ذراعا، ومن الجهة الجنوبية "القبلة" عشرة أذرع، ومن الجهة الشمالية ثلاثين ذراعا.

ولم يزد من جهة الشرق لوجود حجرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.

فأصبح طول المسجد 140 ذراعا من الشمال إلى الجنوب، و120 ذراعا من الشرق إلى الغرب.

وكان بناء عمر كبناء النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت جدرانه من اللبن وأعمدته من جذوع النخيل، وسقفه من الجريد بارتفاع 11 ذراعا، وقد فرشه بالحصباء، والتي أحضرت من العقيق.

وجعل له سترة بارتفاع ذراعين أو ثلاثة، وتقدر هذه الزيادة بحوالي 3300 ذراعا مربعا، وجعل للمسجد 6 أبواب: اثنين من الجهة الشرقية، واثنين من الجهة الغربية، واثنين من الجهة الشمالية.


أرسل سعد بن أبي وقاص العساكر إلى الجزيرة، فخرج عياض بن غنم إليها وفي صحبته أبو موسى الأشعري, وعمر بن سعد بن أبي وقاص -وهو غلام صغير السن ليس إليه من الأمر شيء- وعثمان بن أبي العاص، فنزل الرها, فصالحه أهلها على الجزية, وصالحت حران على ذلك, ثم بعث أبا موسى الأشعري إلى نصيبين, وعمر بن سعد إلى رأس العين, وسار بنفسه إلى دارا, فافتتحت هذه البلدان، وبعث عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية, فكان عندها شيء من قتال قتل فيه صفوان بن المعطل السلمي, ثم صالحهم عثمان بن أبي العاص على الجزية، على كل أهل بيت دينار.


أصاب الشام في ذلك العام طاعون عام شديد حصد الكثير من الناس، وسمي ذلك العام بعام عمواس من شدة ما حصل من الموت, وقد مات فيه خمسة وعشرون ألفا, وكان ممن توفي فيه أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم كثير، وعمواس هو اسم المكان الذي انتشر فيه الطاعون، وهو مكان قريب من الرملة في فلسطين.


هو أمين الأمة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه، اشتهر بكنيته, أبي عبيدة، أحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة أيضا، وكان يدعى: القوي الأمين، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري، كان من القواد الفاتحين زمن عمر، حيث عينه قائدا لجيوش الشام بعد عزل خالد بن الوليد، وكان عمر يجله كثيرا حتى قيل: إن عمر قال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته, وقال عمر لأصحابه يوما: تمنوا.

فقال رجل أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل.

ثم قال: تمنوا.

فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به.

ثم قال: تمنوا.

فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين.

فقال عمر: أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.

توفي في طاعون عمواس على المشهور.


خرج نعيم بن مقرن من واج روذ في الناس إلى دستبى، فلقيه الزينبي أحد قادة الفرس بمكان يقال له: قها مسالما ومخالفا لملك الري، وقد رأى من المسلمين ما رأى، فأقبل مع نعيم والملك يومئذ بالري وهو سياوخش بن مهران، فاستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال الملك: قد علمتم أن هؤلاء قد حلوا بالري، وإنه لا مقام لكم، فاحتشدوا له.

فالتقوا مع المسلمين في سفح جبل الري، فاقتتلوا به، وقد دبر الزينبي حيلة مع نعيم حيث أدخل المدينة خيلا ليلا، ولم يشعر القوم بهم، وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم، ثم إنهم انهزموا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأفاء الله على المسلمين بالري نحوا من فيء المدائن، وصالح نعيم بن مقرن الزينبي على أهل الري ومرزبه عليهم نعيم، فلم يزل شرف الري في أهل الزينبي الأكبر، ومنهم شهرام وفرخان، وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينتهم، وهي التي يقال لها: العتيقة -يعني مدينة الري- وأمر الزينبي فبنى مدينة الري الحديثة, وكتب نعيم إلى عمر بالفتح، وأرسل له الأخماس.


سار سويد بن مقرن إلى جرجان فعسكر بها ببسطام، وكتب إلى ملك جرجان، وهو زرنان صول، وكاتبه زرنان صول وصالحه على جرجان على الجزية، وكفاية حرب جرجان، وأن يعينه سويد إن غلب، فأجابه سويد إلى ذلك، وتلقاه زرنان صول قبل دخوله جرجان فدخل معه وعسكر بها حتى جبى الخراج وسمى فروجها، فسدها بترك دهستان، ورفع الجزية عمن قام بمنعها، وأخذ الخراج من سائر أهلها، وكتب بينهم وبينه كتابا.


بعد أن توفي أبو عبيدة بن الجراح بطاعون عمواس، وكان أبو عبيدة القائد العام على جيوش الشام بعد عزل خالد، فلما توفي عين عمر بن الخطاب بدلا عنه معاوية بن أبي سفيان الذي أصبح أميرا على بلاد الشام بقية خلافة عمر، ومدة خلافة عثمان.


حاصر المسلمون عين شمس وارتقى الزبير بن العوام السور، فلما أحس أهلها بذلك انطلقوا باتجاه الباب الآخر الذي عليه عمرو بن العاص؛ ولكن الزبير كان قد اخترق الباب عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو؛ ولكن أهل عين شمس كانوا قد سبقوه وصالحوا عمرا, وكتب لهم عمرو كتاب أمان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم، وملتهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصلبهم، وبرهم، وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك، ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم فعليهم خمسين ألف ألف، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا، على ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.


بعد أن فتحت نهاوند أمر عمر بن الخطاب بالانسياح في فارس كلها، وأعطيت الأوامر لسبعة أمراء بالتوغل في أعماق فارس، فسار النعمان بن مقرن إلى همدان ففتحها، ثم إلى الري "طهران اليوم" ففتحها ثم قوس فأخذها سلما أخوه سويد، ثم جاء هو إلى جرجان وطبرستان وصالحوه، ثم بعض بلاد أذربيجان، وأما سراقة بن عمرو فذهب إلى باب الأبواب على سواحل بحر الخزر، وسار الأحنف بن قيس إلى خراسان ففتح هراة عنوة، ثم إلى مرو، ثم بلخ حتى أصبح الأحنف سيد خراسان، واتجه عثمان بن أبي العاص إلى إصطخر وفتح جزيرة بركاوان وإصطخر وشيراز، واتجه سارية بن زنيم وقاتل بعض حشود الفرس، وفيها الحادثة المشهورة التي قال فيها عمر من المدينة: يا سارية، الجبل.

أما عاصم بن عمرو سار إلى سجستان ففتحها ودخل زرنج فصالحوه بعد حصار طويل، وأما سهيل بن عدي ففتح كرمان، وانطلق الحكيم بن عمير إلى مكران وفتحها، واتجه عتبة بن فرقد إلى شمال غرب فارس فافتتحها.


أول من دخل أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس، وقيل: أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي، فسبى وغنم.


هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرات، كانت تحت زيد بن حارثة، ثم طلقها فزوجها الله تعالى نبيه، وفيها نزلت الآيات: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} [الأحزاب: 37].

كانت كثيرة الخير والصدقة، كانت صناع اليد، تعمل بيدها، وتتصدق به في سبيل الله، ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمها برة فسماها زينب، ومن ورعها موقفها من عائشة في حادثة الإفك، قالت عائشة: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش عن أمري ما علمت أو ما رأيت؟ قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا.

قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع.

وكانت أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوقا به، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودخل قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش، ودفنت في البقيع رضي الله عنها وأرضاها.


هو فلافيوس أغسطس هرقل إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، من أصول أرمينية, بدأ صعوده إلى السلطة عام 608م، قاد ثورة ناجحة ضد الإمبراطور فورس الذي تسلم السلطة بعد خلع الإمبراطور موريس، ودون شعبية تذكر في ظل القلاقل التي عانت منها الإمبراطورية.

كان والد هرقل -وهو هرقل الأكبر- قائدا عسكريا ناجحا، شارك في حروب الإمبراطور موريس، ويعتبر هرقل مؤسس السلالة الهراقلية التي استمرت بحكم الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 711.

 انتصر هرقل على الفرس في معركة نينوى 5 هـ، ثم كانت هزيمة جيوشه على يد المسلمين في معركة اليرموك عام 14 هـ، وقد تنبأ هرقل بانتصارات المسلمين، كما في صحيح البخاري قال هرقل لأبي سفيان قبل أن يسلم: فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
  كاد هرقل أن يسلم لكن خوفه على ملكه منعه عن الإسلام، كما ورد خبره في صحيح البخاري، قال ابن الناظور:كان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود.

فبينما هم على أمرهم، أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون.

فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر.

ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي.

وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت.

فسجدوا له ورضوا عنه.

هلك هرقل بعد أن هرم وتخلى عن قيادة الجيوش.


كما أصاب الشام طاعون عمواس فقد أصيبت الحجاز بقحط شديد جدا وجفاف عام، وسمي ذلك اليوم بعام الرمادة، حتى طلب عمر الغوث من مصر ومن الشام، فأرسل له عاملاه عليها المؤونة التي خففت عن الناس.


بعد انتصار المسلمين في موقعة عين شمس مكن هذا النصر معسكرات المسلمين من أن تشرف على حصن باب ليون مباشرة من جهته الشمالية والشرقية، وكانت أسوار هذا الحصن تضم مساحة تزيد عن الستين فدانا, ضرب المسلمون حصارا قويا على الحصن المنيع، غير عابئين بمجانيق الروم، تدفعهم حماستهم، وحب الجهاد ونيل الشهادة في مهاجمة الحصن، والقيام بسلسلة من المناوشات التي كانت نتائجها تضعف معنويات المحاصرين، ولم يكد يمضي على الحصار شهر حتى دب اليأس في نفس "المقوقس" حاكم مصر، فأرسل في طلب المفاوضة والصلح، فبعث عمرو بن العاص وفدا من المفاوضين على رأسه عبادة بن الصامت الذي كلف بألا يتجاوز في مفاوضته أمورا ثلاثة يختار الروم واحدة منها، وهي: الدخول في الإسلام، أو قبول دفع الجزية للمسلمين، أو الاحتكام إلى القتال، فلم يقبل الروم العرضين الأولين، وأصروا على مواصلة القتال، وحاول المقوقس أن يعقد صلحا مع عمرو بعد أن تيقن أنه لا قبل له بمواجهة المسلمين، وآثر الصلح وحقن الدماء، واختار أن يدفع الجزية للمسلمين، وكتب شروط الصلح، وأرسلها إلى هرقل إمبراطور الروم للموافقة عليها، وأسرع إلى الإسكندرية مغادرا الحصن، وأردف شروط الصلح برسالة إلى هرقل يعتذر فيها لهرقل عما أقدم عليه من الصلح مع المسلمين، فما كان من هرقل إلا أن أرسل إليه وإلى قادة الروم يعنفهم على تخاذلهم وتهاونهم إزاء المسلمين، ولم يكن لهذا معنى سوى رفض شروط الصلح، استأنف المسلمون القتال وشددوا الحصار بعد فشل الصلح، وفي أثناء ذلك جاءت الأنباء بوفاة هرقل ففت ذلك في عضد الجنود داخل الحصن، وزادهم يأسا على يأس، في الوقت الذي صحت فيه عزائم المسلمين، وقويت معنوياتهم، وفي غمرة الحصار تطوع الزبير بن العوام بتسلق سور الحصن في ظلام الليل، وتمكن بواسطة سلم وضع له أن يصعد إلى أعلى السور، ولم يشعر الروم إلا بتكبيرة الزبير تهز سكون الليل، ولم يلبث أن تبعه المسلمون يتسابقون على الصعود، تسبقهم تكبيراتهم المدوية فتنخلع لها أفئدة الروم التي ملأها اليأس، فكانت تلك التكبيرات أمضى من كل سلاح قابلهم، حتى كان قائد الحصن يعرض الصلح على عمرو ومغادرة الحصن.


لما افتتح المسلمون باب ليون ثم افتتحوا قرى الريف فيما بينها وبين الإسكندرية قرية فقرية، حتى انتهوا إلى بلهيب -قرية يقال لها: الريش- أرسل صاحب الإسكندرية الى عمرو بن العاص: إنني كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلي منكم: فارس والروم، فإن أحببت الجزية على أن ترد ما سبيتم من أرضي فعلت.

فكتب عمرو إلى عمر يستأذنه في ذلك، ورفعوا الحرب إلى أن يرد كتاب عمر، فورد الجواب من عمر: لعمري جزية قائمة أحب إلينا من غنيمة تقسم ثم كأنها لم تكن، وأما السبي فإن أعطاك ملكهم الجزية على أن تخيروا من في أيديكم منهم بين الإسلام ودين قومه، فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين، ومن اختار دين قومه فضع عليه الجزية، وأما من تفرق في البلدان فإنا لا نقدر على ردهم.

فعرض عمرو ذلك على صاحب الإسكندرية، فأجاب إليه، فجمعوا السبي، واجتمعت النصارى وخيروهم واحدا واحدا، فمن اختار المسلمين كبروا، ومن اختار النصارى نخروا وصار عليه جزية، حتى فرغوا.

وكان من السبي أبو مريم عبد الله بن عبد الرحمن، فاختار الإسلام وصار عريف زبيد.


تجمع الفرس في نهاوند بقيادة ذي الحاجب بعد أن ذهبت أكثر مدنهم، وبقوا فترة على ذلك لعدم سماح عمر رضي الله عنه بالانسياح في فارس، ولكن لما كثر نقض العهود بسبب تقويهم بمن بقي في نهاوند، شاور عمر المسلمين في أمر الفرس المجتمعين في نهاوند، وكان يهم أن يسير بنفسه لملاقاتهم، فأشار عليه علي: أن ابعث إلى أهل الكوفة فليسر ثلثاهم، وكذلك تبعث إلى أهل البصرة.

فقال عمر أشيروا علي من استعمل عليهم؟ فقالوا: أنت أفضلنا رأيا وأعلمنا بأهلك.

فقال: لأستعملن عليهم رجلا يكون لأول أسنة يلقاها.

بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه السائب بن الأقرع، مولى ثقيف -وكان رجلا كاتبا حاسبا- فقال: الحق بهذا الجيش فكن فيهم، فإن فتح الله عليهم فاقسم على المسلمين فيئهم، وخذ خمس الله وخمس رسوله، وإن هذا الجيش أصيب، فلا أراك، واذهب في سواد الأرض، فبطن الأرض خير من ظهرها يومئذ.

وبعث عمر إلى أهل الكوفة أن يمدوا جيش المسلمين فسار النعمان بقرابة ثلاثين ألفا، ومعه حذيفة بن اليمان، والزبير بن العوام، والمغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وعمرو بن معدي كرب، وابن عمر، حتى أتوا نهاوند فالتقوا بالفرس يوم الأربعاء، فحث النعمان الناس على القتال، فأشار المغيرة بن شعبة أن يتعجل الفرس بالقتال، فقال النعمان: إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وتحضر الصلاة، ويطيب القتال، وينزل النصر، فما منعني إلا ذلك.

ثم دعا: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وذل يذل به الكفار، ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة، أمنوا يرحمكم الله.

فأمنوا وهم يبكون، ثم قال النعمان: إني هاز اللواء ثلاث مرات، فالهزة الأولى فليقض الرجل حاجته وليتوضأ، والهزة الثانية فليرم الرجل ثيابه وسلاحه، والهزة الثالثة فاحملوا ولا يلوي أحد على أحد، فإن قتل النعمان فلا يلوي عليه أحد، وإني داع الله بدعوة فعزمت على امرئ إلا أمن عليها، فقال: اللهم ارزق النعمان شهادة بنصر المسلمين وفتح عليهم.

فأمن القوم، فهز اللواء ثلاث مرات وحمل وحمل الناس معه, وكان الأعاجم قد شدوا أنفسهم بالسلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرمي النعمان بنشابة فقتل رحمه الله، فلفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه، وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ثم دفع الراية إلى حذيفة بن اليمان، وقتل الله ذا الحاجب قائد الفرس، وافتتحت نهاوند، فلم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة.

كتب إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما أتاه قال له: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام وأهله، وأذل به الكفر وأهله.

قال: فحمد الله عز وجل، ثم قال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين.

قال: فبكى عمر واسترجع، قال: ومن ويحك! قال: فلان وفلان.

حتى عد له ناسا كثيرا، ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم.

فقال عمر وهو يبكي: لا يضرهم ألا يعرفهم عمر، ولكن الله يعرفهم.


هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن محزوم القرشي المخزومي، سيف الله، أبو سليمان، كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه أعنة الخيل في الجاهلية، وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية، كما ثبت في الصحيح: أنه كان على خيل قريش طليعة، ثم أسلم في سنة سبع بعد خيبر، وقيل قبلها، أرسله أبو بكر إلى قتال أهل الردة فأبلى في قتالهم بلاء عظيما، ثم ولاه حرب فارس والروم، فأثر فيهم تأثيرا شديدا، وفتح دمشق، واستخلفه أبو بكر على الشام إلى أن عزله عمر، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سله الله على الكفار).

وقال خالد عند موته: ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو فعليكم بالجهاد.

مات خالد بن الوليد بمدينة حمص وقيل: توفي بالمدينة.

فلما توفي خرج عمر إلى جنازته فقال: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة.

قال ابن حجر وهذا يدل أنه مات في المدينة.


بعد أن فتحت نهاوند اطمأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للانسياح داخل فارس كلها، فأمر بذلك، وكان ممن أمر بذلك نعيم بن مقرن أخو النعمان، فسار إلى همذان ففتحها واستخلف عليها يزيد بن قيس، ثم سار هو باتجاه الري -موقع طهران اليوم-  ففتحها كذلك، ثم بعث بأخيه سويد بن مقرن إلى قومس فأخذها سلما، وصالح أهلها، وجاء إليه أهل جرجان وطبرستان وصالحوه، وكان نعيم قد بعث وهو بهمذان بكير بن عبد الله إلى أذربيجان، ثم أمده بعبد الله بن سماك بن خرشة ففتح بعض بلاد أذربيجان، في حين كان عتبة بن فرقد يفتح البلاد من الجهة الثانية.


سار عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع إلى زويلة، واتجه إلى بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس ففتحها بعد حصار شهر، ثم فتح صبراته وشروس، ثم منعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من التقدم غربا أكثر من ذلك.