كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ وَأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِهَا أَبَدًا وَأَنَّ عَذَابَ النَّارِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِهَا أَبَدًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ شَاهِدٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , وَخَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا , وَلِلنَّارِ أَهْلًا , قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا , لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا مَنْ شَمِلَهُ الْإِسْلَامُ , وَذَاقَ حَلَاوَةَ طَعْمِ الْإِيمَانِ , دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ , فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ , قِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ , وَأَسْكَنَهُمَا الْجَنَّةَ ؟ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا , وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ , فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ , يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ طه وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَنْ لَا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكُ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ ص لِإِبْلِيسَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ الْآيَةَ فَأَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ مِنَ الْجَنَّةِ , ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمَا , وَوَعَدَهُمَا أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى الْجَنَّةِ , وَلَعَنَ إِبْلِيسَ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ , وَأَيَسَهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَنَّةِ
بَابُ ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا وَأَنَّ أَهْلَ النَّارِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَفَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ , خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا , لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطْهَّرَةٌ , وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ , خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا , وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا , وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ , لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الْآيَةَ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ : الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ , أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ , وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرٌ عَظِيمٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا الْآيَةَ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ , لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا , خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ : وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ لَمْ يَكُنْ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ , جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ تُخْبِرُ أَنَّ الْمُتَّقِينَ فِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ آمِنِينَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ أَبَدًا , وَلَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْجَنَّةِ أَبَدًا , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ , فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ , يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ إِلَى قَوْلِهِ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا , يُخَلَّدُونَ فِيهَا أَبَدًا , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ , وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا , إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا إِلَى أَخِرِ الْآيَةِ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا : أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ إِلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَالْقُرْآنُ شَاهِدٌ : أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا فِي جِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فِي النَّعِيمِ يَتَقَلَّبُونَ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ , لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ , وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ الْآيَةَ . وَأَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ أَبَدًا لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
بَابُ فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِيعَةِ الْحَقِّ الَّتِي نَدَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا وَأَمَرَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِهَا وَحَذَّرَهُمُ الْفُرْقَةَ فِي دِينِهِمْ , وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ , وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنِّي أُبَيِّنُ لَهُمْ فَضْلَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَعْلَمُوا قَدْرَ مَا خَصَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ إِذْ جَعَلَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ لِيَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا , وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ , وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ , وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَبِيحٌ بِالْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْهَلُوا مَعْرِفَةَ فَضَائِلِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَالشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَقَدْ رَسَمْتُ فِي هَذِهِ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ مُخْتَصَرَةً حَسَنَةً جَمِيلَةً , مِمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ , وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَذَكُرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وَسَمْتُهُ بِكِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَضَائِلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ جَهِلُهُ , بَلْ يَزِيدُهُمْ عِلْمًا وَفَضْلًا وَشُكْرًا لِمَوْلَاهُمُ الْكَرِيمِ , وَاللَّهُ الْمُوَفِّقِ لِمَا قَصَدْتُ لَهُ , وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
بَابُ ذِكْرِ مَا نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مِمَّا تَقِرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ شَرَّفَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى الشَّرَفِ , وَنَعَتَهُ بِأَحْسَنِ النَّعْتِ , وَوَصَفَهُ بِأَجْمَلِ الصِّفَةِ , وَأَقَامَهُ فِي أَعْلَى الرُّتَبِ , أَخْبَرَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ : أَنَّهُ بَعَثَهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا , وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا , وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فَقَدَ حَذَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْذَرَ وَبَشَّرَ وَمَا قَصَّرَ ثُمَّ أَخْبَرَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَدَعْوَةُ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَبَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ , رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا , وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ , رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ , وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَاسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاخْتَصَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مَنْ أَحَبَّ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَفِ قُرَيْشٍ نَسَبًا , وَأَعْلَاهَا قَدْرًا , وَأَكْرَمِهَا بَيْتًا وَأَفْضَلِهَا عِنْدَهُ , فَبَعَثَهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ , مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ , وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } فَأَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّصَارَى الْحُجَّةَ بِبِشَارَةِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ , وَجَلَّ ذِكْرُهُ : أَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَجِدُونَ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ , وَأَنَّهُ نَبِيٌّ , وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعَهُ وَنُصْرَتَهُ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ , فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ , يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتُ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ , وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } إِلَى قَوْلِهِ { الْمُفْلِحُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ , قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ , قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } إِلَى قَوْلِهِ { صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ , فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ ونَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَقَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُجَجَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بِمَا أَخْبَرَ مِنْ صِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ , وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ النُّورُ , وَهُوَ الْحَقُّ وَإِنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ , وَأَنَّهُ يَهْدِيَهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ , ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّ الَّذِيَ يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ , فَأَوْجَبَ عَلَى الْخَلْقِ : الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَبُولَهُ , وَأَخْبَرَ عَنِ الْجِنِّ لَمَّا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ , عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ , فَأَمَنُوا وَصَدَّقُوا وَاتَّبَعُوهُ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ } الْآيَةُ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } , ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّهُ يُظْهِرُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ دِينٍ خَالَفَهُ , فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } , ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِأَحَدٍ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ , حَتَّى يُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ : لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْإِيمَانُ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ , إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهَ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا , وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } إِلَى قَوْلِهِ { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ , وَمَنْ يُكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرَسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } ثُمَّ أَعْلَمَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ : أَنَّ عَلَامَةَ صِحَّةِ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى : أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا لَهُ , وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ لَهُ الْمَحَبَّةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ , وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ , وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ , وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } , فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَحَبَّةَ رَسُولِهِ وَاتِّبَاعَهُ عَلَمًا وَدَلِيلًا لِصِحَّةِ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ , مَعَ اتِّبَاعِهِمْ رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَأَمَرَ بِهِ , وَنَهَى عَنْهُ ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بِرَسُولِهِ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ , وَمَنْ كَذَّبَ رَسُولَهُ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ الْمُنَافِقِينَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا , وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ , إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ , وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ , ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ مَعَهُ , وَالصَّبْرِ مَعَهُ عَلَى كُلِّ مَكْرُوهٍ يَلْحَقُهُمْ , فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوِّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقَامَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْهُ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فَكَانَ مِمَّا بَيَّنَهُ لِأُمَّتِهِ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ فِي كِتَابِهِ , وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ , وَلَا بِعَدَدِ الرُّكُوعِ , وَلَا بِعَدَدِ السُّجُودِ , وَلَا بِمَا يَجُوزُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَمَا تَحْرِيمُهَا ؟ وَمَا تَحْلِيلُهَا ؟ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِهَا , فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كِتَابِهِ , وَلَمْ يُبَيِّنْ : كَمْ فِي الْوَرِقِ ؟ وَلَا كَمْ فِي الذَّهَبِ ؟ وَلَا كَمْ فِي الْغَنَمِ ؟ وَلَا كَمْ فِي الْإِبِلِ ؟ وَلَا كَمْ فِي الْبَقَرِ ؟ وَلَا كَمْ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ؟ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ بَيَّنَ مَا يَحِلُّ فِيهِ لِلصَّائِمِ , وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَجَّ عَلَى عِبَادِهِ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , وَلَمْ يُخْبِرْ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ ؟ وَلَا مَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ؟ فَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ , وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْجِهَادِ , وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّبَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ بِعَظِيمٍ مِنَ الْعِقَابِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ : كَيْفَ الرِّبَا ؟ فَبَيَّنَهُ لَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ , مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ , لَمْ يَعْقِلْ مَا فِي الْكِتَابِ إِلَّا بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , زِيَادَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي شَرَّفَهُ بِهَا , ثُمَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ طَاعَتَهُ , وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَتَهُ , وَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ , قَرَنَ طَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ عَصَى رَسُولِي فَقَدْ عَصَانِي , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ , فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ , وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا , وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا , وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ , فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } , ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ فِي نَيْفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا أَوْجَبَ طَاعَةَ رَسُولِهِ , وَقَرَنَهَا مَعَ طَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ حَذَّرَ خَلْقَهُ مُخَالَفَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لَا يَجْعَلُوا أَمْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ بشَيْءٍ , أَوْ نَهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ كَسَائِرِ الْخَلْقِ , وَأَعْلَمَهُمْ عَظِيمَ مَا يَلْحَقُ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا , قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ , ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ حَكَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ حَرَجٌ أَوْ ضِيقٌ لِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَلْ يُسَلِّمُ لِحُكْمِهِ وَيَرْضَى , فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ , ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ , وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَالْحَرَجُ هَاهُنَا : أَنْ لَا يَشُكَّ , ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى مَنْ رَضِيَ بِمَا حَكَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَكَمَ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ , وَذَمِّ مَنْ لَمْ يَرْضَ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , وَقَالُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ , سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ , إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا عَنْ أَهْلِ النَّارِ إِذَا هُمْ دَخَلُوهَا كَيْفَ يَتَأَسَّفُونَ عَلَى تَرْكِ طَاعَتِهِمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لِمَ لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ , فَنَدِمُوا حَيْثُ لَمْ يَنْفَعْهُمُ النَّدَمُ وَأَسِفُوا حَيْثُ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْأَسَفُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } الْآيَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَلَا تَرَوْنَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ كَيْفَ شَرَّفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ حَالٍ ؟ يَزِيدُهُ شَرَفًا إِلَى شَرَفٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ اعْلَمُوا يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ يَا مُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَنْ يُعَظِّمُوا قَدْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْقِيرِ لَهُ وَالتَّعْظِيمِ , وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ فَوْقَ صَوْتِهِ , وَلَا يَجْهَرُوا عَلَيْهِ فِي الْمُخَاطَبَةِ , كَجَهْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ , بَلْ يَخْفِضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ صَوْتِهِ , كُلُّ ذَلِكَ إِجْلَالًا لَهُ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِرَسُولِي : أَنَّى أُحْبِطُ عَمَلَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ , وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } , ثُمَّ وَعَدَ جَلَّ وَعَزَّ مَنْ قَبِلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فِي رَسُولِهِ : مِنْ خَفْضِ الصَّوْتِ وَالْوَقَارِ لَهُ : الْمَغْفِرَةَ مَعَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكِمْ بَعْضًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } الْآيَةَ . كُلُّ ذَلِكَ يُحَذِّرُ عِبَادَهُ مُخَالَفَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَظِّمِ بِهِ قَدْرَهُ عِنْدَهُمْ , ثُمَّ أَمَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَلْقَهُ إِذَا هُمْ أَرَادُوا أَنْ يُنَاجُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشَيْءٍ مِمَّا لَهُمْ فِيهِ حَظٌّ أَنْ لَا يُنَاجُوهُ حَتَّى يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُمْ صَدَقَةً , فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُنَاجِيَهُ بشَيْءٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ , كُلُّ ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لِلرَّسُولِ , وَشَرَفٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَاقَ عَلَى بَعْضِهِمُ الصَّدَقَةُ وَاحْتَاجَ إِلَى مُنَاجَاتِهِ , فَتَوَقَّفَ عَنْ مُنَاجَاتِهِ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ رَأْفَةً مِنْهُ بِهِمْ , فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً , ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ } هَذَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ , ثُمَّ قَالَ تَفْضُّلًا عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَقْدِرْ , فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فَخَفَّفَ عَنْهُمُ الصَّدَقَةَ , وَأَمَرَهُمْ بإقامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمَ جَمِيعَ خَلْقِهِ , وَأَعْلَمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ , وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ بِأَنْ هَدَاهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَنْصُرُهُ نَصْرًا عَزِيزًا , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا , وَيَنْصُرُكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَعَظِيمِ قَدْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رَبِّهِ تَعَالَى فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ , فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ , وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } ثُمَّ أَخْبَرَنَا جَلَّ ذِكْرُهُ بِرِضَاهُ عَنْهُمْ , إِذْ بَايَعُوا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَقُوا فِي بَيْعَتِهِ بِقُلُوبِهِمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ , فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ , وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَأَسَّوْا فِي أُمُورِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ , وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصَحُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ , ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ نَصَحَ لِلَّهِ فَلْيَنْصَحْ لِرَسُولِهِ , وَقَرَنَهُمَا جَمِيعًا , وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَنْ خَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ خَانَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ثُمَّ حَذَّرَ الْخَلْقَ عَنْ أَذَى رَسُولِهِ , لَا يُؤْذُوهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ , وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْذِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُسْتَحِقٌّ اللَّعْنَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ , وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا , إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَنْ حَادَّ الرَّسُولَ بِالْعَدَاوَةِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } ثُمَّ أَعْلَمَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ , وَأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ فِيهِمْ بِأَمْرٍ فَعَلَيْهِمْ قَبُولُ مَا أَمَرَ بِهِ , وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمْ إِلَّا مَا اخْتَارَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ , وَفِي أَمْوَالِهِمْ , وَفَى أَوْلَادِهِمْ , فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ , وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ , ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفَعَ قَدْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَزَادَهُ شَرَفًا إِلَى شَرَفِهِ , وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ , بِأَنْ حَرَّمَ أَزْوَاجَهُ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ , وَهَكَذَا إِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجُهَا , لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَدْ خَصَّهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ بِكُلِّ خُلُقٍ شَرِيفٍ عَظِيمٍ , ثُمَّ فَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمُهُمْ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ تَشْرِيفًا لَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ , يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَهْلِهِ أَجْمَعِينَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ صَلَاةً لَهُ فِيهَا رِضًى , وَلَنَا بِهَا مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ , وَرَحْمَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ , وَلَا حَرَمَنَا اللَّهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ , وَحَشَرَنَا عَلَى سُنَّتِهِ وَالِاتِّبَاعِ لِمَا أَمَرَ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى , وَاعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ : لَوْ أَنَّ مُصَلِّيًا صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ , وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ : أَنَّ جَمِيعَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَامٌ عَلَى النَّاسِ مُخَالَفَتُهُ , وَالنَّهْيُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَتَّى يَأْتِيَ عَنْهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ لِمَعْنًى دُونَ مَعْنَى التَّحْرِيمِ , وَإِلَّا فَنَهْيُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِجَمِيعِ مَا نَهَى عَنْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ , وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَهَذَا الَّذِي حَضَرَنِي ذِكْرُهُ مِمَّا شَرَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي الْقُرْآنِ , قَدْ ذَكَرْتُ مِنْهُ مَا فِيهِ بَلَاغٌ لِمَنْ عَقَلَ وَأَنَا أَذْكُرُ بَعْدَ هَذِهِ مِمَّا شَرَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْهُ وَالْآثَارُ عَنْ صَحَابَتِهِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ , مِمَّا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ , وَيَزْدَادُونَ بِهَا إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِمْ , وَمَحَبَّةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمًا لَهُ , وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ , وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ
بَابُ ذِكْرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْوَاعٍ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ إِلَّا نِكَاحًا وَاحِدًا نِكَاحٌ صَحِيحٌ : وَهُوَ هَذَا النِّكَاحُ الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ , يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ فَيُزَوِّجُهُ عَلَى الصَّدَاقِ وَبِالشُّهُودِ , فَرَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَانَهُ عَنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ , وَنَقَلَهُ فِي الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَاتِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ , مِنْ لَدُنْ آدَمَ , بِنَقْلِهِ فِي أَصْلَابِ الْأَنْبِيَاءِ , وَأَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ , حَتَّى أَخْرَجَهُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَابُ ذِكْرِ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ نَبِيًّا مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَتَقَلَّبُ فِي أَصْلَابِ الْأَنْبِيَاءِ , وَأَبْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَتَّى أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ , يَحْفَظُهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ وَيَكْلُؤُهُ وَيَحُوطُهُ إِلَى أَنْ بَلَغَ , وَبَغَّضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَوْثَانَ قُرَيْشٍ , وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ , وَلَمْ يُعَلِّمْهُ مَوْلَاهُ الشِّعْرَ , وَلَا شَيْئًا مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ بَلْ أَلْهَمَهُ مَوْلَاهُ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ , يَتَعَبَّدُ لِمَوْلَاهُ الْكَرِيمِ خَالِصًا , حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ , وَأُمِرَ بِالرِّسَالَةِ , وَبُعِثَ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً , إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ , بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مَوْلِدِهِ , أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , يُؤْذُونَهُ فَيَصْبِرُ , وَيَجْهَلُونَ عَلَيْهِ فَيَحْلُمُ , ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَهَاجَرَ إِلَيْهَا , فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا , وَتُوُفِّيَ بَعْدَ السِّتِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَابُ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ أُمِرُوا بِاتِّبَاعِهِ فِي كُتُبِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ , وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ , وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ عَلِمَتِ الْيَهُودُ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ , وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ , وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُهُ , وَتَرْكُ دِينِهِمْ لِدِينِهِ , وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ بَيَانَ نُبُوَّتِهِ لِمَنْ لَا كِتَابَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُونَ الْعَرَبَ , فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَهْزِمُ الْيَهُودَ , فَقَالَتِ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : تَعَالَوْا حَتَّى نَسْتَفْتِحَ قِتَالَنَا لِلْعَرَبِ بِمُحَمَّدٍ , الَّذِي نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ نَبِيًّا مِنَ الْعَرَبِ , وَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا قَالُوا : اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنَّكَ تُخْرِجُهُ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ , فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَنَصَرَ الْيَهُودَ عَلَى الْعَرَبِ , فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌّ , لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَهُمْ , فَلَعَنَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا , فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
بَابُ ذِكْرِ مَا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمِمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّا أَكْرَمَهُ بِهِ , وَعَظَّمَ شَأْنَهُ زِيَادَةً مِنْهُ لَهُ فِي الْكَرَامَاتِ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ وَعَقْلِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَرَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى , رَأَى مَلَائِكَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَى إِخْوَانَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ فَأَكْرَمَهُ بِأَعْظَمِ الْكَرَامَاتِ , وَفَرَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ سَرَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَسْخَنَ بِهِ أَعْيُنَ الْكَافِرِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أُسْرِيَ بِهِ وَكَيْفَ رَكِبَ الْبُرَاقَ وَكَيْفَ عُرِجَ بِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
بَابُ ذِكْرِ مَا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ وَالْحَظِّ الْجَزِيلِ مَا لَمْ يُعْطِهِ نَبِيًّا قَبْلَهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ , وَأَعْطَاهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ يَزِيدُهُ شَرَفًا وَفَضْلًا , جَمَعَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهَ فِيهِ كُلَّ حَظٍّ جَمِيلٍ مِنَ الشَّفَاعَةِ لِلْخَلْقِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْعَرْشِ , خَصَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ عَيْنَهُ يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ سَرَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّا خَصَّ بِهِ نَبِيَّهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْفَضِيلَةِ الْجَمِيلَةِ تَلَقَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِأَحْسَنِ الْقَبُولِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
بَابُ ذِكْرِ مَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فِي كِتَابِهِ مِمَّا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } إِلَى قَوْلِهِ : { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } إِلَى قَوْلِهِ : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ , لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ : رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } إِلَى قَوْلِهِ : { مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهَمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَقَدْ وَاللَّهِ أَنْجَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكَرِيمُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ , جَعَلَهُمُ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ الرَّسُولِ , وَمَكَّنَهُمْ فِي الْبِلَادِ , فَفَتَحُوُا الْفُتُوحَ , وَغَنِمُوا الْأَمْوَالَ , وَسَبَوْا ذَرَارِيَّ الْكُفَّارِ , وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ خَلْقٌ كَثِيرٌ , وَأَعَزُّوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ , وَأَذَلُّوا أَعْدَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونِ , وَسَنُّوا لِلْمُسْلِمِينَ السُّنَنَ الشَّرِيفَةَ , وَكَانُوا بَرَكَةً عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ , أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يُقَالُ : مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ , وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ , فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ , وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى , وَمَنْ قَالَ الْحُسْنَى فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً , نَفَعَنَا اللَّهُ بِحُبِّهِمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ , وَأَنَا أَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا مَا فَضَّلَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَابُ ذِكْرِ الشَّهَادَةِ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَانَهُ عَنْ مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ وَالنَّاصِبَةِ , أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ إِذْ كَانَ عَلَى حِرَاءَ فَتَزَلْزَلَ بِهِ الْجَبَلُ , وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَمَامُ سَائِرِ الْعَشَرَةِ فَقَالَ لَهُ : اسْكُنْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وَكَذَا كَانُوا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ضَمِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا يُخْزِيهِمْ , وَأَنَّهُ يُتِمُّ لَهُمْ نُورَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَيَغْفِرُ لَهُمْ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ , وَأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا , فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَنَفَعَنَا بِحُبِّهِمْ , وَبِحُبِّ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِحُبِّ أَزْوَاجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
بَابُ ذِكْرِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَفَعَنَا بِمَحَبَّتِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَيَانٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَيَانٌ مِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ , وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَشُكَّ فِي هَذَا , فَأَمَّا دَلِيلُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعَبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَقَدْ وَاللَّهِ أَنْجَزَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ , جَعَلَهُمُ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَكَّنَهُمْ فِي الْبِلَادِ , وَفَتَحُوا الْفُتُوحَ , وَغَنِمُوا الْأَمْوَالَ , وَسَبَوْا ذَرَارِيَّ الْكُفَّارِ , وَأَسْلَمَ فِي خِلَافَتِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ , وَقَاتَلُوا مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ حَتَّى أَجْلَوْهُمْ , وَرَجَعَ بَعْضُهُمْ , كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ سَيْفُهُ فِيهِمْ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ , وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الرَّابِعُ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ سَيْفُهُ فِي الْخَوَارِجِ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ , فَأَعَزَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ دِينَهُ بِخِلَافَتِهِمْ , وَأَذَلُّوا الْأَعْدَاءَ , وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ , وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ , وَسَنُّوا لِلْمُسْلِمِينَ السُّنَنَ الشَّرِيفَةَ , وَكَانُوا بَرَكَةً عَلَى جَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ رَوَى سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ قَالَ : أَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ , وَعُمَرُ عَشْرًا , وَعُثْمَانُ ثِنْتَا عَشْرَةَ , وَعَلِيٌّ سِتًا , وَكَذَا وُلُّوهَا , وَكَذَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِيهًا بِهَذَا , وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي , وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَسَنَذْكُرُ السُّنَنَ وَالْآثَارَ فِي ذَلِكَ
بَابُ بَيَانِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ شَمَلَهُ الْإِسْلَامُ وَأَذَاقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ طَعْمَ الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ هَذَا , وَذَلِكَ لِدَلَائِلَ خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا , وَخَصَّهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ , وَأَمَرَ بِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ , مِنْهَا : أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ , وَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَحِبَهُ وَأَحْسَنَ الصُّحْبَةَ , وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَهُ , وَصَاحَبَهُ فِي الْغَارِ , وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَعَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ , فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ , وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } الْآيَةَ , وَالصَّابِرُ مَعَهُ بِمَكَّةَ فِي كُلِّ شِدَّةٍ , وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ , وَمَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ , فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ , وَلَا يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ , وَصَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ , وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , وَقَالَ لِبِلَالٍ : إِنْ أَبْطَأْتُ فَقَدِّمْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا فِي الْغَارِ وَقَدْ عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا حُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِشْفَاقُهُ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ فَكُلُّ هَذِهِ الْخِصَالُ الشَّرِيفَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ , لَا يَشُكُّ فِي هَذَا مُؤْمِنٌ وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ فَقَالَ لَهَا : إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِحَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَفَضْلِهِ , وَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقْتَ مَا قُتِلَ : اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ : مَا أَسْتَخْلِفُ , وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا يَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى خَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَأَصْحَابُهُ قَامَ ثَلَاثًا يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَقَلْتُكُمْ بِيعَتَكُمْ , هَلْ مِنْ كَارِهٍ ؟ قَالَ : فَيَقُومُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ , قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَنْ ذَا الَّذِي يُؤَخِّرُكَ ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ , وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّا , وَقَيْسُ بْنُ عُبَادٍ , وَقَدْ سَأَلَاهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ فَقَالَا : هَلْ مَعَكَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا وَاللَّهِ , وَلَوْ كَانَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا تَرَكْتُ أَخَا تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَلَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَلَى مِنْبَرِهِ , وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا ِيَدِي هَذِهِ , وَلَكِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَبِيُّ رَحْمَةٍ لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً , وَلَمْ يُقْتَلْ قَتْلًا , مَرِضَ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا , وَأَيَّامًا وَلَيَالِيَ , يَأْتِيهِ بِلَالٌ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ , فَيَقُولُ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ وَهُوَ يَرَى مَكَانِي , فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىِ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَإِذَا الصَّلَاةُ عَضُدُ الْإِسْلَامِ وَقِوَامُ الدِّينِ , فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا , فَوَلَّيْنَا الْأَمْرَ أَبَا بَكْرٍ , فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا , الْكَلِمَةُ جَامِعَةٌ , وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ مِنَّا اثْنَانِ , وَلَا شَهِدَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى أَحَدٍ بِالشِّرْكِ , وَلَا يَقْطَعُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ , فَكُنْتُ وَاللَّهِ آخُذُ إِذَا أَعْطَانِي , وَأَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي , وَأَضْرِبُ بِيَدِي هَذِهِ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرِ الْوَفَاةُ وَلَّاهَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنْ شَرَفِهِ وَبَيْعَتِهِ لَهُ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ , وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ فِي الْجَمِيعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَدَقَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ , وَقَدْ رَأَى مَكَانِي , وَمَا كُنْتُ غَائِبًا وَلَا مَرِيضًا , وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَنِي لَقَدَّمَنِي فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا وَرَوَى عَبْدُ خَيْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَقُولُ : قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ : فَأَثْنَى عَلَيْهِ قَالَ : ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسُنَّتِهِ , ثُمَّ قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خَيْرِ مَا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَحَدًا , وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا , ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا وَسُنَّتِهِمَا , ثُمَّ قُبِضَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ أَحَدٌ , وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا , وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ , وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ , وَثَلَّثَ عُمَرُ , يَعْنِي سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَضْلِ , وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ بِعْدَهُ بِالْفَضْلِ , وَثَلَّثَ عُمَرُ بِالْفَضْلِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا , وَسَنَذْكُرُ فَضْلَهُمَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا يُقِرُّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ , وَيُسْخِنُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُنَافِقِينَ , وَيُذِلُّ نَفْسَ كُلِّ رَافِضِيٍّ وَنَاصِبِيٍّ قَدْ خَطَى بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ , وَسَلَكَ بِهِمَا طُرُقَ الشَّيْطَانِ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ , فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ , وَعَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ مُتَنَكِّبُونَ
بَابُ ذِكْرِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ الْكَرِيمُ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ وَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْضِعَ عُمَرَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ بِهِ الْإِسْلَامَ وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلِمَ قَدْرَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ فَنَاصَحَ أَبُو بَكْرٍ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُسَائِلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَمَا أَلِيَ جُهْدًا فِي النَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ , وَلَقَدْ عَارَضَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُ : أُذَكِّرُكَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ فَإِنَّكَ قَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ رَجُلًا فَظًّا غَلِيظًا , وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَائِلُكَ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَجْلِسُونِي , فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ : أَتُفَرِّقُونِي إِلَّا بِاللَّهِ ؟ فَإِنِّي أَقُولُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا لَقِيتُهُ : اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطَبِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَالَ أَيْضًا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ عَبْدٌ نَاصَحَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَنَصَحَهُ , وَزَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَىَ عِنْدَهُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَثَلَّثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَضْلِ , وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ بِالْفَضْلِ , وَثَلَّثَ عُمَرُ بَعْدَهُمَا بِالْفَضْلِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ : انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ عِزًّا , وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا , وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ رَحْمَةً , وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنَّ نُصَلِّيَ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ , وَإِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلًا بِعُمَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ : انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا , وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ الْيَوْمَ بِإِسْلَامِ عُمَرَ , وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ إِمَّا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَإِمَّا بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَسَبَقَتِ الدَّعْوَةُ فِي عُمَرَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ يُحِبُّهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلَامَ , وَأَخْبِرْهُ أَنَّ غَضَبَهُ عِزٌّ , وَرِضَاهُ عَدْلٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا يَكْثُرُ ذِكْرُهَا , وَسَنَذْكُرُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ خَطَبَ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ فِي خِلَافَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ لَمْ يُكْرِهْهُ أَحَدٌ عَلَى قَوْلِهِ , وَلَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ فَقَالَ : إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ , ثُمَّ عُمَرَ وَرَوَى هَذَا عَنْهُ جَمِيعُ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , مِمَّنْ مِثْلُهُمْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَبِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ وَغَيْرِهَا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَرَضِيَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ , وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ , فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ
بَابٌ ذِكْرُ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ الْمَوْتُ كَانَ مِنْ حُسْنِ تَوْفِيقِ اللَّهِ الْكَرِيمِ لَهُ , وَنَصِيحَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رَعِيَّتِهِ , وَحُسْنِ النَّظَرِ لَهُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا , أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ , وَقَدْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ , وَأَخْرَجَ وَلَدَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ وَمِنَ الْمَشُورَةِ , وَقَالَ لَهُمْ : مَنِ اخْتَرْتُمْ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً فَهُوَ خَلِيفَةٌ وَهُمْ سِتَّةٌ عُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَسَعْدٌ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَجَزَاهُمْ عَنِ الْأُمَّةِ خَيْرًا , فَمَا قَصَّرُوا فِي الِاجْتِهَادِ , فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ , لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَضْلِهِ , وَقَدِيمِ إِسْلَامِهِ , وَمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَبَذْلِهِ لِمَالِهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَلِفَضْلِ عِلْمِهِ وَلِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِكْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ , لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ مُؤْمِنٌ عَاقِلٌ , وَإِنَّمَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ جَاهِلٌ شَقِيٌّ قَدْ خُطِئَ بِهِ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ , وَلَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ , وَحُرِمَ التَّوْفِيقَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَاذْكُرْ مِنْ بَعْضِ مَنَاقِبِهِ , مَا إِذَا سَمِعَهَا مَنْ جَهِلَ فَضْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ الْخَطَأِ إِلَى الصَّوَابِ , قِيلَ لَهُ : أَوَّلُ مَنَاقِبِهِ تَصْدِيقُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامُهُ , وَتَزْوِيجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ ابْنَتَيْهِ , وَلَمْ يُزَوِّجْهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ , رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَ كَرِيمَتَيَّ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : زَوَّجَهُ أَوَّلًا رُقْيَّةَ , فَلَمَّا مَاتَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا عُثْمَانُ , هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُخْبِرُنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , قَدْ زَوَّجَكَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقْيَّةَ , وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا , وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ ابْنَتِهِ الثَّانِيَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أَلَا أَبُو أَيِّمٍ , أَلَا أَخُو أَيِّمٍ يُزَوِّجُهَا عُثْمَانَ , فَلَوْ كَانَ لِي عَشْرٌ لَزَوَّجْتُهُنَّ عُثْمَانَ , وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ اعْلَمُوا , رَحِمَكُمُ اللَّهُ , أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى عُثْمَانُ ذَا النُّورَيْنِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ابْنَتَيْ نَبِيٍّ فِي التَّزْوِيجِ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ , فَهَذِهِ أَحَدُ مَنَاقِبِهِ الشَّرِيفَةِ , وَمِنْهَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ : جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ , وَفِي كُمِّهِ أَلْفُ دِينَارٍ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ : مَا ضَرَّ عُثْمَانُ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا وَقَالَ قَتَادَةُ : إِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَهَّزَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ تِسْعَمِائَةً وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَسَبْعِينَ فَرَسًا وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ : حَمَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى تِسْعِمِائَةِ بَعِيرٍ وَأَرْبَعِينَ بَعِيرًا , ثُمَّ جَاءَ بِسِتِّينَ فَرَسًا فَأَتَمَّ بِهَا الْأَلْفَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ , فَيَجْعَلُهَا سِقَايَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ , غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , ثُمَّ ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ وَرَفِيقِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِي مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَشْفَعُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِفِتَنٍ كَائِنَةٍ تَكُونُ بَعْدَهُ , وَأَخْبَرَ أَنَّ عُثْمَانَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَرِيءٌ مِنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ مَظْلُومًا , وَأَمَرَهُ بِالصَّبِرِ , فَصَبَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا وَقَدِ اجْتَهَدَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحِمُ أَصْحَابِهِ - فِي نُصْرَتِهِ , فَمَنَعَهُمْ وَقَالَ : أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَالِمًا مَظْلُومًا و كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ بِرَكْعَةٍ يَخْتِمُ فِيهَا الْقُرْآنَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ شَرِيفَةٌ عِنْدَ مَنْ يَعْقِلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِالْعِلْمِ , سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا
بَابُ ذِكْرِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ ذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا , وَمَا شَرَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ السَّوَابِقِ الشَّرِيفَةِ , وَعَظِيمِ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِنْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْدَ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعِنْدَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ , قَدْ جُمِعَ لَهُ الشَّرَفُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ , لَيْسَ مِنْ خَصْلَةٍ شَرِيفَةٍ إِلَّا وَقَدْ خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا : ابْنُ عَمِّ الرَّسُولِ , وَأَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَزَوْجُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَيْحَانَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مُحِبًّا , وَفَارِسُ الْعَرَبِ وَمُفَرِّجُ الْكَرْبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالْمُبَاهَلَةِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ لَمَّا دَعَوهُ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ , فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ فَأَبْنَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُكُمْ : فَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَنِسَاؤُنَا وَنِسَاؤُكُمْ : فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْفُسُنَا وَأَنْفُسُكُمْ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الرَّايَةَ , وَذَلِكَ يَوْمَ خَيْبَرَ ؛ فَفَتَحَ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَى يَدَيْهِ , وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُحِبٌّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ مُحِبَّانِ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَرَوَى بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ , وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ إِنَّكَ يَا عَلِيٌّ مِنْهُمْ , إِنَّكَ يَا عَلِيٌّ مِنْهُمْ , إِنَّكُ يَا عَلِيٌّ مِنْهُمْ ثَلَاثًا , وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ , وَلَا امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ امْرَأَتِهِ وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُحِبَّ عَلِيًّا وَتُحِبَّ مَنْ يُحِبُّ عَلِيًّا وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَيْرٍ جَبَلَيٍّ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ , ائْتِنِي بِرَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَعُ الْبَابَ , فَقَالَ أَنَسٌ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْغُولٌ , ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ , فَقَالَ : يَا أَنَسُ , أَدْخِلْهُ , فَقَدْ عَنِيتُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ ؛ إِلَيَّ اللَّهُمَّ ؛ إِلَيَّ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَذَلِكَ لَمَّا خَلَّفَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى الْمَدِينَةِ , فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَلَامًا لَمْ يُحْسِنْ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا خَلَّفْتُكَ عَلَى أَهْلِي فَهَلَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلَيُّ مَوْلَاهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ آذَى عَلِيَّا فَقَدْ آذَانِي وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : مَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِينَا مَعْشَرُ الْأَنْصَارِ إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُبُلِيِّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِي : أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ ؟ فَقُلْتُ : مُعَاذَ اللَّهِ فَقَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي وَلَمَّا آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَاضِرٌ لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخَّرْتُكَ إِلَّا لِنَفْسِي , فَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى , غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي , وَأَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا زَوَّجَهَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَسَيِّدًا فِي الْآخِرَةِ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , فَخَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قُلْنَا : بَلَى . قَالَ : خِيَارُكُمُ الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُونَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ قَالَ وَمَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَقُّ مَعَ ذَا الْحَقُّ مَعَ ذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَنَاقِبُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضَائِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَلَقَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ , وَجَعَلَ سَيْفَهُ فِيهِمْ , وَقِتَالَهُ لَهُمْ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ قَتْلِهِ وَأَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَيْهِ كَمَا رَوَى سَفِينَةُ وَأَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً فَلَمَّا مَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَلِيفَةَ الرَّابِعَ , فَاجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ إِلَيْهِ , فَأَبَى عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَتْرُكُوهُ فَقَالَ : فَإِنَّ بَيْعَتِي لَا تَكُونُ سِرًّا , وَلَكِنْ أَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُبَايِعَنِي بَايَعَنِي , فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ
بَابُ ذِكْرِ أَتْبَاعِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ لِسُنَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَنَفَعَنَا بِحُبِّ الْجَمِيعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَهَلْ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي خِلَافَتِهِ شَيْئًا مِمَّا سَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ قِيلَ لَهُ : مَعَاذَ اللَّهِ , بَلْ كَانَ لَهُمْ مُتَّبِعًا , وَسَيُذْكَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى ذِكْرُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ سَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ وَالنَّاصِبَةِ , وَلَزِمَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ . مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَجْرَى أَمْرَ فَدَكَ , وَقَبِلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا نُوَرَّثُ , مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً , أَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الْقَائِلَ , فَلَمَّا أَفَضْتِ الْخِلَافَةُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْرَاهُ عَلَى مَا أَجْرَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ لَرَدَّهُ , وَلَمْ يَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , خِلَافُ مَا قَالَتْهُ الرَّافِضَةُ الْأَنْجَاسُ , وَهَذَا مَشْهُورٌ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ هَذَا , فَأَمَّا مَا سَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ