• 2934
  • قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : " كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ وَالْبُرَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكُنْتُ رَجُلًا تَاجِرًا أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الشَّامِ فِي الرِّحْلَتَيْنِ ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحًا كَثِيرَةً ، فَإِذَا رَبِحْتُ عُدْتُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي وَنَحْنُ لَا نَعْبُدُ شَيْئًا ، أُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الْأَمْوَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ ، وَكُنْتُ أَحْضُرُ الْأَسْوَاقَ ، وَكَانَتْ لَنَا ثَلَاثَةُ أَسْوَاقٍ : سُوقٌ بِعُكَاظٍ يَقُومُ صُبَيْحَ لَيْلَةِ هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَيَحْضُرُهَا الْعَرَبُ ، وَبِهَا ابْتَعْتُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ ، فَأَخَذْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ سَأَلَهَا زَيْدًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِهَا ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ فَكَسَوْتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحُلَّةِ . وَيُقَالُ إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ ، فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ : " لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ " . قَالَ حَكِيمٌ : فَجَزِعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي ، فَخَرَجْتُ فَبِعْتُهَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي ، وَدَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَاشْتَرَاهَا ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدَهُ . قَالَ : وَكَانَ سُوقُ مَجَنَّةَ يَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفْنَا إِلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ فَتَقُومُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ أَلْقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَلَا أَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ لَهُ ، وَأُسْرَتُهُ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ عَلَيْهِ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ لَهُ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ كَرَامَتَهُ ، هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوا بِهِ ، وَآمَنُوا بِهِ ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَهُ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ وَمَلْجَأً ، وَسَبَقَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ وَرَزَقَهُ اللَّهُ دَارَ هِجْرَةٍ . فَحَجَّ مُعَاوِيَةُ فَسَامَنِي بِدَارِي بِمَكَّةَ ، فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ ، لَيَرُدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلَّا بَزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ ، وَلَقَدْ وَصَلْتُ الرَّحِمَ ، وَحَمَلْتُ الْكَلَّ ، وَأُعْطِيتُ فِي السَّبِيلِ . وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَشْتَرِي الظَّهْرَ وَالْأَدَاةَ وَالزَّادَ ثُمَّ لَا يَجِيئُهُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيلِ إِلَّا حَمَلَهُ . قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَطْلُبُ حِمْلَانًا يُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ : فَدُلَّ عَلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ ، وَقَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فَدُلِلْتُ عَلَيْكَ لِتَحْمِلَ رِجْلَيَّ وَتُعِينَنِي عَلَى ضَعْفِي . قَالَ : اجْلِسْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْهُ الشَّمْسُ وَارْتَفَعَتْ رَكَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْيَمَانِيِّ . قَالَ : فَتَبِعْتُهُ فَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِصُوفَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ شَمْلَةٍ نَفَضَهَا وَأَخَذَهَا ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا زَادَ الَّذِي دَلَّنِي عَلَى هَذَا أَنْ لَعِبَ بِي ، أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ بَعْدَ مَا أَرَى ؟ قَالَ : فَدَخَلَ دَارَهُ فَأَلْقَى الصُّوفَةَ مَعَ الصُّوفِ ، وَالْخِرْقَةَ مَعَ الْخِرَقِ ، وَالشَّمْلَةَ مَعَ الشِّمَالِ ، ثُمَّ قَالَ لِغُلَامٍ لَهُ : هَاتِ بَعِيرًا ذَلُولًا مُوَقَّعًا . قَالَ : فَأُتِيَ بِهِ ذَلُولًا مُوَقَّعًا سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ دَعَا بِجِهَازٍ فَشَدَّهُ عَلَى الْبَعِيرِ ، ثُمَّ دَعَا بِخِطَامٍ فَخُطِمَ ، ثُمَّ قَالَ : هَلُمَّ جَوَالِقَيْنِ . قَالَ : فَأُتِيَ بِجَوَالِقَيْنِ ، فَأَمَرَ فَجُعِلَ فِيهِمَا دَقِيقٌ وَسَوِيقٌ وَعُكَّةٌ مِنْ زَيْتٍ ، وَقَالَ انْظُرْ مِلْحًا وَجِرَابًا مِنْ تَمْرٍ . حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُسَافِرٌ إِلَّا هَيَّأَهُ ، أَعْطَانِيهِ وَكَسَانِي ، ثُمَّ دَعَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ فَقَالَ : هَذِهِ لِلطَّرِيقِ . قَالَ : فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ هَذَا فِعْلَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ . وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجَّ مَرَّ بِهِ ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلُهُ أَيُّ الطَّعَامِ تَأْكُلُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا مَضْغٌ فَلَا مَضَغَ فِي . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِاللَّقُوحِ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ : لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، قَدْ دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى حَقِّي فَأَبَيْتُ أَنْ آخُذَهُ ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، مَنْ أَخَذَهَا بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهَا ، وَمَنْ أَخَذَهَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ " . فَقُلْتُ يَوْمَئِذٍ : لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا أَبَدًا . قَالَ : وَكُنْتُ رَجُلًا مَجْدُودًا فِي التِّجَارَةِ ، مَا بِعْتُ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا رَبِحْتُ فِيهِ ، وَلَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْعَثُ بِالْأَمْوَالِ وَأَبْعَثُ بِمَالِي ، فَرُبَّمَا دَعَانِي بَعْضُهُمْ أَنْ يُخَالِطَنِي بِنَفَقَتِهِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَدَّ فِي مَالِي ، وَذَلِكَ أَنِّي كُلَّمَا رَبِحْتُ تَحَنَّثْتُ بِهِ أَوْ بِعَامَّتِهِ ؛ أُرِيدُ بِهِ ثَرَاءِ الْمَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ "

    قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ أَهْلِهِ ، قَالُوا : قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ وَالْبُرَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكُنْتُ رَجُلًا تَاجِرًا أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الشَّامِ فِي الرِّحْلَتَيْنِ ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحًا كَثِيرَةً ، فَإِذَا رَبِحْتُ عُدْتُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي وَنَحْنُ لَا نَعْبُدُ شَيْئًا ، أُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الْأَمْوَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ ، وَكُنْتُ أَحْضُرُ الْأَسْوَاقَ ، وَكَانَتْ لَنَا ثَلَاثَةُ أَسْوَاقٍ : سُوقٌ بِعُكَاظٍ يَقُومُ صُبَيْحَ لَيْلَةِ هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَيَحْضُرُهَا الْعَرَبُ ، وَبِهَا ابْتَعْتُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ ، فَأَخَذْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ سَأَلَهَا زَيْدًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِهَا ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ فَكَسَوْتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحُلَّةِ . وَيُقَالُ إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ ، فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ : لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ . قَالَ حَكِيمٌ : فَجَزِعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي ، فَخَرَجْتُ فَبِعْتُهَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي ، وَدَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَاشْتَرَاهَا ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدَهُ . قَالَ : وَكَانَ سُوقُ مَجَنَّةَ يَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفْنَا إِلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ فَتَقُومُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ أَلْقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَلَا أَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ لَهُ ، وَأُسْرَتُهُ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ عَلَيْهِ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ لَهُ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ كَرَامَتَهُ ، هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوا بِهِ ، وَآمَنُوا بِهِ ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَهُ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ وَمَلْجَأً ، وَسَبَقَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ وَرَزَقَهُ اللَّهُ دَارَ هِجْرَةٍ . فَحَجَّ مُعَاوِيَةُ فَسَامَنِي بِدَارِي بِمَكَّةَ ، فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ ، لَيَرُدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلَّا بَزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ ، وَلَقَدْ وَصَلْتُ الرَّحِمَ ، وَحَمَلْتُ الْكَلَّ ، وَأُعْطِيتُ فِي السَّبِيلِ . وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَشْتَرِي الظَّهْرَ وَالْأَدَاةَ وَالزَّادَ ثُمَّ لَا يَجِيئُهُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيلِ إِلَّا حَمَلَهُ . قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَطْلُبُ حِمْلَانًا يُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ : فَدُلَّ عَلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ ، وَقَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فَدُلِلْتُ عَلَيْكَ لِتَحْمِلَ رِجْلَيَّ وَتُعِينَنِي عَلَى ضَعْفِي . قَالَ : اجْلِسْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْهُ الشَّمْسُ وَارْتَفَعَتْ رَكَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْيَمَانِيِّ . قَالَ : فَتَبِعْتُهُ فَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِصُوفَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ شَمْلَةٍ نَفَضَهَا وَأَخَذَهَا ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا زَادَ الَّذِي دَلَّنِي عَلَى هَذَا أَنْ لَعِبَ بِي ، أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ بَعْدَ مَا أَرَى ؟ قَالَ : فَدَخَلَ دَارَهُ فَأَلْقَى الصُّوفَةَ مَعَ الصُّوفِ ، وَالْخِرْقَةَ مَعَ الْخِرَقِ ، وَالشَّمْلَةَ مَعَ الشِّمَالِ ، ثُمَّ قَالَ لِغُلَامٍ لَهُ : هَاتِ بَعِيرًا ذَلُولًا مُوَقَّعًا . قَالَ : فَأُتِيَ بِهِ ذَلُولًا مُوَقَّعًا سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ دَعَا بِجِهَازٍ فَشَدَّهُ عَلَى الْبَعِيرِ ، ثُمَّ دَعَا بِخِطَامٍ فَخُطِمَ ، ثُمَّ قَالَ : هَلُمَّ جَوَالِقَيْنِ . قَالَ : فَأُتِيَ بِجَوَالِقَيْنِ ، فَأَمَرَ فَجُعِلَ فِيهِمَا دَقِيقٌ وَسَوِيقٌ وَعُكَّةٌ مِنْ زَيْتٍ ، وَقَالَ انْظُرْ مِلْحًا وَجِرَابًا مِنْ تَمْرٍ . حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُسَافِرٌ إِلَّا هَيَّأَهُ ، أَعْطَانِيهِ وَكَسَانِي ، ثُمَّ دَعَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ فَقَالَ : هَذِهِ لِلطَّرِيقِ . قَالَ : فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ هَذَا فِعْلَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ . وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجَّ مَرَّ بِهِ ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلُهُ أَيُّ الطَّعَامِ تَأْكُلُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا مَضْغٌ فَلَا مَضَغَ فِي . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِاللَّقُوحِ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ : لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، قَدْ دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى حَقِّي فَأَبَيْتُ أَنْ آخُذَهُ ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، مَنْ أَخَذَهَا بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهَا ، وَمَنْ أَخَذَهَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ . فَقُلْتُ يَوْمَئِذٍ : لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا أَبَدًا . قَالَ : وَكُنْتُ رَجُلًا مَجْدُودًا فِي التِّجَارَةِ ، مَا بِعْتُ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا رَبِحْتُ فِيهِ ، وَلَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْعَثُ بِالْأَمْوَالِ وَأَبْعَثُ بِمَالِي ، فَرُبَّمَا دَعَانِي بَعْضُهُمْ أَنْ يُخَالِطَنِي بِنَفَقَتِهِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَدَّ فِي مَالِي ، وَذَلِكَ أَنِّي كُلَّمَا رَبِحْتُ تَحَنَّثْتُ بِهِ أَوْ بِعَامَّتِهِ ؛ أُرِيدُ بِهِ ثَرَاءِ الْمَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ

    البز: البَز : الثيابُ أو مَتاعُ البيتِ من الثيابِ ونحوِها
    والبر: البر : القمح
    الظهر: الظهر : الدواب التي تحمل الأمتعة
    بخطام: الخطام : كل ما وُضِعَ على أنف البعير ليُقتادَ به
    جوالقين: الجوالق : أوعية من صوف أو جلد أو شعر
    وسويق: السويق : طعام يصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه بالسمن والعسل
    بلقوح: اللقوح : اللبون وإنما تكون لقوحا أول نتاجها شهرين ثم ثلاثة أشهر ثم يقع عنها اسم اللقوح فيقال : لبون
    خضرة: الخضرة : الثمرة الناضرة والمراد أن المال مرغوب فيه مثل الفاكهة الخضرة الحلوة الجاذبة للنفس والشهوة
    أرزأ: لا أرزأ أحدا: لا أنقص ماله بالطلب منه
    خَيْرَ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات